صوت طهران المعزول… حين يصرّ النظام الإيراني على خيانة فلسطين
في وقتٍ تتجه فيه أنظار العالم نحو بارقة أملٍ نادرة لوقف نزيف الدم في غزة، تصرّ طهران على السير عكس تيار التاريخ. فبينما رحّبت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومعظم القادة العرب والدوليين بإعلان حماس موافقتها على خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اختار النظام الإيراني أن يرفع راية الرفض، معلناً بوضوح أنّ الحرب هي خياره الوحيد.
لقد جاء موقف النظام الإيراني صادماً، ليس فقط لأنّه رفض مبادرة رحّبت بها غالبية العواصم العالمية باعتبارها “نافذة للسلام”، بل لأنّه كشف مرةً أخرى عن جوهر سياساته القائمة على الاستثمار في الأزمات. فحين وصف المرشد علي خامنئي الخطة بأنها “مؤامرة لإنقاذ نتنياهو”، كان يعيد إنتاج اللغة ذاتها التي استخدمها النظام منذ أربعة عقود لتبرير تدخله في كل نزاع إقليمي، من لبنان إلى اليمن، ومن العراق إلى سوريا.
ومع أنّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شدّد على أنّ المبادرة تمثل “فرصة نادرة لإنهاء الصراع المأساوي”، وأكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّها “طريق نحو سلام عادل ومستدام”، بقيت طهران تغرّد خارج السرب. بل إنّ صحيفة تابعة لخامنئي وصفت الاتفاق بأنه “استسلام مقنّع”، فيما صعّد أحمد خاتمي، إمام جمعة طهران، لهجته قائلاً إنّ “المقاومة ستستمر حتى تحرير القدس”، وكأنّ استمرار الدمار في غزة هو معيار الشرف والكرامة!
لكنّ الحقيقة، كما يقول زعيم المقاومة الإيرانية مسعود رجوي، أنّ “أكبر خيانة لفلسطين هي بقاء النظام الإيراني الذي حوّل القضية إلى سلعة سياسية لتمديد عمره”. فالنظام الذي يمتنع عن التصويت لصالح الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، كما حدث في الأمم المتحدة حين أقرّ “إعلان نيويورك”، لا يمكن أن يدّعي الدفاع عن الفلسطينيين، وهو الذي يموّل ميليشيات تُدمّر الأوطان باسم المقاومة.
إنّ رفض طهران لخطة السلام الأخيرة ليس دفاعاً عن القضية، بل عن وجودها السياسي المهدّد. فالحرب بالنسبة لها ليست مأساة إنسانية، بل رئة تتنفس منها. كلّ مبادرة سلام تعني تقليص نفوذها، وكلّ هدنة هي خطر على مشروعها القائم على تصدير الأزمات وإشعال الفتن الطائفية. لذلك، ليس غريباً أن يكون “صوت خامنئي” نشازاً وسط جوقة الأصوات الداعية للسلام.
لقد آن الأوان لأن يدرك العالم أنّ هذا النظام لا يريد لفلسطين أن تتحرر، بل يريدها أن تبقى رهينة في معادلاته. فخامنئي الذي يتحدث عن “تحرير القدس” لم يطلق يوماً رصاصة واحدة على إسرائيل، لكنه لم يتردد في إرسال جيوشه إلى سوريا والعراق واليمن لقتل المسلمين. إنّ من يطعن الفلسطينيين في ظهرهم هو نفسه من قمع الإيرانيين في الشوارع، وأشعل الحروب في المنطقة باسم الدين.
في النهاية، السلام بالنسبة للنظام الإيراني ليس خياراً بل تهديداً وجودياً. ولذلك، فإنّ الرفض الصارخ من طهران اليوم ليس موقفاً سياسياً، بل اعتراف ضمني بأنّ سقوط مشروع الحرب في غزة يعني بداية نهاية “رأس الأفعى” في طهران.


