طهران بين عزلة دولية وغليان داخلي بعد مبادرة السلام في غزة
بينما كانت أنظار العالم تتجه نحو غزة بعد إعلان حركة حماس موافقتها على خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كانت إيران تسير في الاتجاه المعاكس تماماً. فالمشهد الدولي غمره تفاؤل حذر بوقف الحرب، لكن في طهران اختار النظام طريق القمع والدم، ليؤكد مجدداً أنه لا يعيش إلا في أجواء الأزمات والتوترات.
في الوقت الذي كانت فيه الأمم المتحدة والدول الكبرى — من فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى الاتحاد الأوروبي — ترحب بالمبادرة وتدعو إلى إطلاق سراح الرهائن ووقف النار، خرجت طهران بصوتها المعزول، تهاجم كل دعوة للسلام. فقد وصف الملا أحمد خاتمي الخطة بأنها “مؤامرة أمريكية صهيونية”، فيما اعتبرها الملا شهرياري “خداعاً جديداً على غرار الاتفاق النووي”. وبهذا الرفض، أثبت النظام الإيراني أنه لا يسعى إلى حماية الفلسطينيين، بل إلى إبقاء الحرب مشتعلة ليبرر تدخلاته الإقليمية ومشاريعه التخريبية. وكما أكدت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإن “رأس النظام في طهران هو المحرك الرئيسي للإرهاب، والمستفيد الأكبر من استمرار النزاعات باسم فلسطين.
لكن النظام لم يكتفِ بمعارضة السلام خارجيًا؛ بل صعّد داخليًا سياسة الرعب. فبحسب تقرير نشرته مجلة ناشونال ريفيو الأمريكية، أقدم النظام على تنفيذ أكبر حملة إعدامات منذ عقود، شملت ستة سجناء سياسيين عرب في سجن سبيدار بالأهواز، وسجيناً كردياً في سنندج. وجاءت هذه الموجة بالتزامن مع اتساع رقعة الغضب الشعبي، حيث أضرم الشباب الثائرون النار في مراكز القمع والنهب التابعة للحرس، رداً على جرائم النظام. وفي تصعيد آخر، أيدت المحكمة العليا حكم الإعدام بحق بطل الملاكمة محمد جواد وفائي ثاني، أحد أنصار منظمة مجاهدي خلق، مما أثار موجة إدانات دولية ودعوات للتحرك العاجل لإنقاذ حياته.
ورغم القبضة الحديدية، تتواصل الاحتجاجات في شوارع إيران بوتيرة متصاعدة. فالمتقاعدون في أصفهان، والخبازون في مشهد، والطلاب في طهران، والمزارعون في دزفول، جميعهم يرفعون الصوت ضد الفساد والفقر والغلاء. هذا الغليان الاجتماعي يترافق مع أزمات سياسية داخلية عميقة؛ إذ كشفت صحيفة “هم ميهن” عن أن أربعة وزراء في حكومة بزشكيان مهددون بالاستجواب، ما يعكس هشاشة الوضع الحكومي والانقسامات داخل النظام.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد حذر الخبير الحكومي فرشاد مؤمني من أن مشروع الميزانية الجديدة “يكرس الفقر والفساد”، مشيراً إلى أن أكثر من 25 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، بينهم سبعة ملايين في فقر مدقع. وبينما تتفاقم هذه الأزمات، يواصل النظام سياسة الهروب إلى الأمام عبر القمع في الداخل والتصعيد في الخارج، ليغطي على خوفه من الانفجار الشعبي القادم.
في نهاية المطاف، يظهر المشهد الإيراني اليوم كوجه آخر لهزيمة سياسية وأخلاقية. ففي الوقت الذي يسعى فيه العالم إلى إنهاء حرب مدمرة وبناء سلام عادل، يصرّ النظام الإيراني على إشعال المزيد من النيران، لأنه يدرك أن السلام يعني نهاية مشروعه القائم على الحروب، والظلم، والكراهية.


