حين يتحول الحبل إلى سلاح سياسي والمشانق إلى لغة الحكم
د. سامي خاطر
أكاديمي وأستاذ جامعي
تتصاعد في مختلف العواصم الغربية موجة غضبٍ ورفضٍ ضد سياسة الإعدام الجماعي التي يمارسها النظام الإيراني حيث غدت طهران تُعرَف بـ «عاصمة المشانق».. هذا النظام الذي بُني على سفك الدماء منذ أربعة عقود حوّل الإعدام إلى أداةٍ لبقاء سلطته وقمع معارضيه في واحدةٍ من أبشع صور الحكم الديني القمعي في العصر الحديث.. وفي هذا السياق انطلقت الحملة العالمية لوقف الإعدامات في إيران تحت عنوانٍ واضح :
لا للإعدام.. لا للمجازر:
هذه الحملة لم تقتصر على الناشطين الإيرانيين في المنفى فحسب بل شارك فيها برلمانيون وحقوقيون من أوروبا وكندا وأمريكا تعبيرًا عن رفضٍ متزايد لسياسة الموت التي يتّبعها نظام ولاية الفقيه .
مريم رجوي : السقوط الحتمي لنظام الإعدام
في رسالةٍ وجهتها إلى مؤتمر الحملة الطارئة لوقف الإعدامات في إيران الذي عُقد في لندن قالت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية :
«لقد أراد الملالي أن يرسموا مصيرنا بالمشانق لكننا انتفضنا لنكتب مصيرًا جديدًا يضمن الحرية.. وإن مقاومتنا لتحمل البشرى الساطعة بأن سقوط هذا النظام ليس انتصارًا للشعب الإيراني فحسب بل انتصاراً لحقوق الإنسان في العالم كله»..
ومريم رجوي التي أصبحت صوتًا رمزيًا لحركة الرفض العالمي
لعقوبة الإعدام ترى أن النظام الإيراني يستخدم هذه العقوبة ليس كحكمٍ قضائي بل كأداةٍ سياسيةٍ لنشر الرعب وتثبيت الخوف في المجتمع، وتؤكد أن معركة الشعب الإيراني ضد المشانق هي معركة إنسانية شاملة ضد ثقافة الإفلات من العقاب وضد تبرير القتل باسم الدين.
من لندن إلى شوارع أوروبا : «يسقط نظام الإعدام»
بالتزامن مع المؤتمر المنعقد في لندن خرج الإيرانيون الأحرار في مظاهراتٍ بعدة مدن ضمن حملة «لا للإعدام»، وفي الساحات الأوروبية نُصبت معارض صور الشهداء ومجسّمات رمزية للسجناء السياسيين المهددين بالإعدام لتجسيد حجم الجريمة المستمرة.. أما الشعار الذي دوّى في لندن وباريس وستوكهولم وبرلين كان واحدًا :
«يسقط نظام الإعدام»..
هذا الشعار الذي أصبح رمزًا لمقاومة القمع تردّد أيضًا داخل إيران حيث هتف سجناء سجن قزل حصار من أعماق الزنازين يوم 10 أكتوبر :
هتافات من قلب الجحيم.. «كل ثلاث ساعات إعدامٌ يُذكّر بالمجزرة… الموت لخامنئي».
تلك الهتافات الصادرة من قلب جحيم السجون تعكس روح التحدي والإصرار على كسر دوّامة الخوف، وتؤكد أن معركة الكلمة لم تعد أقل شأنًا من معركة السلاح في مواجهة الاستبداد الديني، وهكذا ينتفض السجين الذي لا يملك من أمره شيئا سوى روحه المهددة بالإعدام ويفضل الموت على الحياة بالذل والهوان.
الموقف الدولي: نحو محاسبة النظام
لم تعد قضية الإعدامات في إيران شأنًا داخليًا. فالمؤسسات الدولية والبرلمانات الغربية بدأت تدق ناقوس الخطر، وقد كشفت النائبة الكندية جودي أسغرو أن تقرير الأمم المتحدة الأخير وصف موجة الإعدامات في إيران بأنها غير مسبوقة ;، مع تنفيذ أكثر من 1000 حكم إعدام خلال تسعة أشهر فقط.. أما خافيير سارسالخوس، رئيس لجنة الحريات المدنية في البرلمان الأوروبي، فقد كتب أن القضية الحقيقية هي النظام الإيراني نفسه مطالبًا بنهجٍ سياسي جديد تجاه طهران؛ كذلك دعا النائب الأوروبي بيتراس أوشترافيتشيوس إلى الاعتراف بمنظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كبديلٍ شرعي للنظام القائم، في حين شدّدت منظمة العفو الدولية على أن سلطات طهران تستخدم الإعدام كأداةٍ منهجية لإسكات المعارضين.
أرقام تُجسد الرعب
بحسب منظمات حقوقية فإن النظام الإيراني يحتلّ المرتبة الأولى عالميًا في نسبة الإعدامات إلى عدد السكان، وعشية اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام نفّذ النظام أمر الإعدام بحق 30 سجينًا في يومين فقط (7 و8 أكتوبر)، وخلال عامٍ واحد (من أكتوبر 2024 إلى سبتمبر 2025) تجاوز عدد الإعدامات الموثقة ألف حالةٍ في رقمٍ قياسي يُظهر أن النظام يعيش على دماء الأبرياء.
الحل الوحيد : إسقاط نظام الموت
إن رفض الإعدام في إيران لم يعد مسألة قانونية أو إنسانية فحسب بل هو موقفٌ سياسيٌ شامل ضد النظام الذي جعل من القتل سياسة دولة ؛ فكل مشنقةٍ تُنصب في إيران ليست إلا إعلانًا عن خوف السلطة من الشعب، وكل صرخةٍ ضد الإعدام هي خطوةٌ في طريق الحرية . الحملة العالمية لوقف الإعدامات ليست مجرد تعبير عن التضامن مع ضحايا القمع بل هي أيضًا دعوةٌ لإنهاء عهد المشانق وإقامة جمهوريةٍ ديمقراطيةٍ مدنيةٍ غير نووية تفصل الدين عن السلطة وتكفل المساواة بين المرأة والرجل . إن العالم اليوم أمام اختبارٍ أخلاقي : هل سيقف متفرجًا أمام نظامٍ يحوّل الإعدام إلى وسيلة حكم.. أم سيقف مع الشعب الإيراني الذي يقاوم ليصنع مستقبلًا بلا مشانق وبلا جلادين؟


