الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

اتساع إضرابات قزلحصار وتضامن سياسيي إيفين… لماذا يحتاج النظام إلى مزيد من القمع الآن؟ تعيش السجون الإيرانية منذ أيام مشهداً غير مسبوق من العصيان المدني المنظّم. ففي الوحدة الثانية من سجن قزلحصار بمدينة كرج يتواصل الإضراب المفتوح عن الطعام لليوم الثالث

اتساع إضرابات قزلحصار وتضامن سياسيي إيفين… لماذا يحتاج النظام إلى مزيد من القمع الآن؟

اتساع إضرابات قزلحصار وتضامن سياسيي إيفين… لماذا يحتاج النظام إلى مزيد من القمع الآن؟

تعيش السجون الإيرانية منذ أيام مشهداً غير مسبوق من العصيان المدني المنظّم. ففي الوحدة الثانية من سجن قزلحصار بمدينة كرج يتواصل الإضراب المفتوح عن الطعام لليوم الثالث، احتجاجاً على نقل ما لا يقل عن أحد عشر سجيناً إلى الزنازين الانفرادية تمهيداً لتنفيذ الإعدام. وفي الوقت نفسه أعلن سجناء سياسيون في عنبر ٧ بسجن إيفين والوحدة ٤ في قزلحصار تضامنهم العلني مع المحكومين بالإعدام، مؤكدين أنّ «حكم الإعدام ظالم ويجب إلغاؤه فوراً» وداعين الإيرانيين إلى رفع شعار لا للإعدام في الشوارع وأمام السجون.

داخل قزلحصار، تحوّلت الأجنحة إلى ما يشبه الثكنة الأمنية: انتشار للقوات الخاصة، تشديد للرقابة على الممرات، ووعود قضائية غامضة بـ«إعادة النظر» في بعض الملفات. لكن المضربين، المنتسبين إلى القاعات الأربع في الوحدة الثانية، أعلنوا رفضهم استلام الوجبات مؤكدين أن تحركهم جاء عقب سلسلة من الإعدامات السرّية في الأسابيع الأخيرة، ووسط تقارير عن تنفيذ ٢٦ إعداماً بين السبت والثلاثاء ونقل دفعات متتالية إلى العزل. وقد سُجّل تدهور خطير في صحة أحد المضربين.

تتداول القوائم الداخلية أسماء عدد من المنقولين إلى الانفرادي، بينهم: أحمد إسحاق‌زهي (مندي‌زهي)، أحمد كوشكي، علي أحمد زاهداي، محمد نعمتي، مهدي يوسفي، أحمد صادق‌نیا، زرعلي، میثم جالینوس، هادي نقدي، مهدي عین‌العین‌اللهي. وإلى جانب الإضراب داخل قزلحصار، تتحدث مصادر حقوقية عن اتساع موجات التضامن إلى عشرات السجون، ويُذكر رقم ٥٢ سجناً كمؤشر على اتساع الظاهرة. كما يقدَّر عدد المضربين والمحكومين بالإعدام في قزلحصار وحده بنحو ١٥٠٠ سجين يخوضون أشكالاً من الاعتصام أو الامتناع عن الطعام.

لغة بيانات السجناء هذه المرة حاسمة وواضحة. في إيفين، يقول البيان: «هؤلاء أبناؤنا وإخواننا… نقف إلى جانبهم بكل ما نملك». وفي قزلحصار – الوحدة ٤: «نشهد يومياً نقل رفاقنا إلى الإعدام… لم يعد أمامنا سوى الاعتصام والاحتجاج». وتذهب الرسائل إلى ما هو أبعد من المطالب الإنسانية المباشرة لتطرح سؤال الشرعية: لماذا تُدار الدولة بالمشانق؟

تحليل هذا المشهد يقود إلى ثلاث حقائق:

  1. الإعدام كسياسة دولة لا كاستثناء قضائي: تواتر التنفيذ الليلي، العزل المفاجئ، وغياب الشفافية القضائية كلها تشير إلى استخدام المقصلة كأداة ردع جماعي ورسالة تخويف خارج القضبان بقدر ما هي داخلها. كل فجرٍ جديد يريد النظام له أن يبدو كـ«جرعة رعب» لإطفاء أي شرارة احتجاج.
  2. تحوّل السجون إلى ساحة سياسة: بيانات إيفين وقزلحصار تربط بين مصير المحكومين وبين المجتمع خارج الأسوار: «تخيّلوا لحظةً واحدة القمع الذي تعيشونه في الخارج، إنه هنا يقتلنا كل يوم». بهذا، لم تعد السجون «هوامش معزولة»، بل مركزاً لإنتاج خطابٍ أخلاقي وسياسي يحرج السلطة ويستنهض الشارع.
  3. أزمة بنيوية تدفع نحو القمع: كلما ضاق هامش المناورة الاقتصادية والسياسية، تعاظم اعتماد السلطة على الأجهزة العقابية. نقلُ مجموعات إلى الإعدام، ثم نشرُ قوات خاصة، ثم إطلاقُ وعود مبهمة بالمراجعة—هذه الحلقة تعكس إدارة أزمة بالقوة لا حلّها. وهي إدارة قصيرة النفس؛ إذ تُراكم السخط وتوسّع قاعدة المتضامنين.

ما يميز هذه الجولة من الإضرابات هو تزامنها واتصالها الأفقي: سجناء سياسيون يساندون محكومين بالإعدام؛ وحدات مختلفة داخل السجن الواحد تتكلم بصوتٍ واحد؛ ورسالةٌ تخرج إلى العلن تدعو الناس إلى تحويل شعار لا للإعدام إلى فعلٍ مدنيٍّ في الساحات. في المقابل، يقدّم سلوك السلطة مؤشرات على حاجة متزايدة إلى المقصلة: تضخيم القبضة الأمنية داخل السجون، تسييل الوعود القضائية بلا التزام، وتكثيف التنفيذ لخلق «صدمة ردع».

الخلاصة أنّ إيران تقف على حافة معادلة أخلاقية–سياسية: كل إعدامٍ إضافي يشتري للنظام دقائق من الصمت، لكنه يبيع ما تبقّى من شرعيته. وبين «ثكنة قزلحصار» وبيانات إيفين، يتشكل وجدانٌ جماعي جديد يقول إنّ إدارة المجتمع بالمشانق لم تعد ممكنة. إنّ الإلغاء الفوري لأحكام الإعدام وفتح السجون للمراقبة المستقلة ليس مطلباً إنسانياً فحسب؛ بل شرطٌ لازم لتفكيك دائرة العنف التي تبتلع الدولة والمجتمع معاً.