الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

في ظل أزمته مع نظام الملالي.. هل يُنهي النظام العالمي تستره على جرائم الإعدام والإبادة في إيران؟ د. سامي خاطر أكاديمي و أستاذ جامعي تتجه الأنظار اليوم إلى طهران وهي تواجه أزمة غير مسبوقة لم تعد تقتصر على الداخل الإيراني فحسب بل امتدت إلى عمق العلاقات الإقليمية والدولية؛

في ظل أزمته مع نظام الملالي.. هل يُنهي النظام العالمي تستره على جرائم الإعدام والإبادة في إيران؟

في ظل أزمته مع نظام الملالي.. هل يُنهي النظام العالمي تستره على جرائم الإعدام والإبادة في إيران؟

د. سامي خاطر 

أكاديمي  و أستاذ جامعي

تتجه الأنظار اليوم إلى طهران وهي تواجه أزمة غير مسبوقة لم تعد تقتصر على الداخل الإيراني فحسب بل امتدت إلى عمق العلاقات الإقليمية والدولية؛ فالنظام القائم على ولاية الفقيه الذي حكم البلاد بالحديد والنار منذ عام 1979 يقف اليوم على مفترق طرق خطير تتهاوى شرعيته في الداخل، وتتصدع تحالفاته في الخارج، وتتعالى أصوات الضحايا والمنفيين لتكشف للعالم الوجه الحقيقي لسلطةٍ جعلت من القمع والإعدام والإبادة أدواتٍ لحفظ وجودها.. والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هنا هو: هل يستمر النظام العالمي في صمته المطبق وتستره على هذه الجرائم!! أم أن ساعة الحقيقة قد اقتربت؟ منذ قيامه بنى نظام الملالي منظومته الأمنية والسياسية على الإقصاء الدموي لكل معارضٍ أو مخالفٍ لولاية الفقيه، ولم تكد تمرّ سنة واحدة على تأسيسه حتى بدأ مسلسل الإعدامات الجماعية بحق المثقفين والطلاب والمعارضين السياسيين.. مع مرور العقود  تحوّلت السجون الإيرانية إلى مقابر صامتة، وحين نعود إلى مجزرة عام 1988 المروّعة نقرأ صفحة سوداء في التأريخ الإنساني الحديث ؛ إذ أُعدم ما يزيد على ثلاثين ألف سجين سياسي بفتوى مباشرة من خميني في جريمةٍ وصفتها منظمات حقوق ألإنسان بأنها من أكبر المجازر السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، والأدهى من ذلك أن معظم المسؤولين عن تلك المذبحة لايزالون يتولّون مناصب عليا في مؤسسات الدولة والقضاء والأمن دون أن تمتد إليهم يد العدالة .

المأساة لم تتوقف عند ذلك الحدّ فآلة الإعدام ما زالت تدور بلا هوادة ، وخلال السنوات الأخيرة فقط شهدت إيران تصاعدًا مرعبًا في تنفيذ أحكام الإعدام خاصة بعد الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت البلاد في أعوام 2019 و2022 حين خرجت الجماهير مطالبة بالحرية والعدالة ورفع الظلم، وبحسب تقارير دولية موثوقة نفّذ النظام الإيراني خلال عام 2023 وحده أكثر من 800 حكم إعدام.. أي ما يعادل أكثر من 70 في المائة من إجمالي الإعدامات المسجّلة في العالم خلال تلك الفترة.. في حين ظلّ المجتمع الدولي متفرجًا يكتفي بإصدار بيانات لا تُغني ولا تُسمن من جوع . إن هذا الصمت المريب من القوى الكبرى والمؤسسات الدولية لا يمكن تفسيره إلا بالتواطؤ السياسي والمصلحي.. فسنوات  طويلة من المفاوضات النووية والمصالح الاقتصادية والصفقات السرية جعلت من بعض العواصم الغربية شريكة غير مباشرة في استمرار نظامٍ ينتهك كل القيم التي تزعم تلك الدول الدفاع عنها؛ فبدل أن يُحاكَم قادة النظام الإيراني على جرائمهم يُستقبلون في المحافل الدولية ويُمنحون فرصًا لتجميل صورتهم تحت ذرائع;الانفتاح والاعتدالفي حين تُغلق الأبواب في وجه ضحاياهم والمطالبين بمحاسبتهم.. إنهم لا يدركون أنهم بسياسة المهادنة والمسايرة هذه التي يتبعونها إلى هذا الحد مع نظام الملالي يخنقون مصالحهم ويقتلون ما رفعوه من مبادئ وقيم بدت في حقيقتها تشريعات لحماية فئة معينة من الكيانات في هذا العالم . لقد أسهم هذا النفاق السياسي في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب حتى باتت آلة القمع أكثر جرأة في البطش بالشعب الإيراني مُطمَئِنةً إلى أن أحدًا لن يُحاسبها؛ غير أن هذا الواقع بدأ يتغيّر تدريجيًا.، فمع تصاعد الأزمات الداخلية والانهيار الاقتصادي، ومع انكشاف الدور التخريبي للنظام في المنطقة من العراق إلى لبنان واليمن وسوريا، بدأت تتبدّل النظرة الدولية شيئًا فشيئًا.. فالنظام الذي كان يُقدَّم قبل عقدٍ من الزمن كطرف يمكن التفاهم معه أصبح اليوم يُنظر إليه بوصفه عامل فوضى وعدم استقرار؛ يُصدّر الأزمات والإرهاب بدل أن يسهم في حلّها، وسيستمر كصانع أزمات يخدم رؤى وتوجهات الكبار في هذا العالم . 

إن أصوات الإيرانيين في الداخل والخارج لم تعد تُكمد في مواقعها كما في الماضي فوسائل التواصل الحديثة ووسائل الإعلام المستقلة أزالت كثيرًا من الحُجب التي حاول النظام فرضها، وكشفت للعالم صورًا مرعبة من الإعدامات العلنية، وتعذيب المعتقلين، ودفن السجناء سرًا في مقابر جماعية، ومع ازدياد الوعي العالمي بدأت منظمات حقوق الإنسان والبرلمانات  الأوروبية ترفع الصوت مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في مجزرة عام 1988 ومحاكمة المتورطين فيها بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية . إن رفع الغطاء الدولي عن نظام الملالي لم يعد مجرد مطلبٍ أخلاقي أو إنساني بل بات ضرورة استراتيجية تفرضها اعتبارات الأمن والسلم الدوليين؛ فالنظام الذي يقتل أبناءه بلا رحمة لا يمكن أن يتورّع عن تهديد جيرانه أو ابتزاز العالم بسلاحه النووي.. وحماية الشعب الإيراني من بطش حكامه تعني في الوقت ذاته حماية المنطقة والعالم من المزيد من الصراعات وألأزمات التي يغذّيها هذا النظام عبر أذرعه وميليشياته في الخارج . لقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعيد النظر جذريًا في سياساته تجاه طهران، وأن يدرك أن المراهنة على إصلاح نظامٍ قائم على ولاية الفقيه هي وهم سياسي أثبت فشله مرارًا وتكرارًا، وإنّ الإصلاح لا يمكن أن يأتي من داخل منظومة تعتبر القمع ركناً من أركان بقائها بل من دعم إرادة الشعب الإيراني وقواه المقاوِمة التي تناضل منذ عقود من أجل الحرية والديمقراطية. إنّ إنهاء التستر على جرائم الإعدام والإبادة في إيران ليس قضية تخص الإيرانيين وحدهم بل اختبار حقيقي لمصداقية النظام العالمي ومؤسساته الحقوقية.. فإما أن يقف النظام العالمي إلى جانب قيم العدالة التي يتغنّى بها، وإما أن يسقط في امتحان التاريخ كما سقطت من قبله أنظمة كثيرة عندما آثرت المصلحة على الحق.. وإذا كان العالم قد تأخّر في محاسبة المجرمين الذين سفكوا دماء الأبرياء في إيران فإن الفرصة لا تزال قائمة لتصحيح هذا الخطأ التاريخي؛ فمحاكمة قادة النظام على جرائمهم لن تكون انتقامًا بل إرساءً لعدالة متأخرة لكنها ضرورية.. عدالة تفتح الطريق أمام شعبٍ يستحق أن يعيش بحرية وكرامة بعد عقودٍ من الخوف والظلم وسفك الدماء. لقد حان الوقت ليُسجّل التاريخ أن الإنسانية انتصرت على المصالح، وأن ضمير العالم استيقظ بعد طول سبات.. فالصمت لم يعد حيادًا بل صار تواطؤًا، والسكوت على الجريمة جريمة أشدّ منها.. ومن لم يقف اليوم مع المظلوم يضع نفسه في صفّ الظالمين غير آبه.