نظام الولي الفقيه… نظام يترنّح أمام شعب يتقدّم نحو الحرية
د. راهب صالح
حقوقي وباحث في الشأن الإيراني
منذ أكثر من أربعة عقود يحكم نظام ولاية الفقيه إيران بقبضة أمنية حديدية، حوّل البلاد إلى ثكنة استخبارية وأخضع المجتمع لحالة قمع غير مسبوقة. فمنذ مجزرة عام 1988 ضد السجناء السياسيين مرورًا بانتفاضات 2009 و2017 و2019 وصولًا إلى انتفاضة “المرأة الحياة الحرية” عام 2022 لا يزال النظام يعتمد سياسة واحدة تقوم على الإعدامات وقمع المجتمع بأي ثمن، إلا أن تطورات الأيام الماضية أثبتت أن زمن الخوف بدأ يتصدّع. ففي 16 نوفمبر 2025 وفي ذكرى انتفاضة نوفمبر 2019 التي سقط فيها 1500 شهيد نفّذ شباب الانتفاضة عمليات نوعية ضد 24 مركزًا قمعيًا في طهران وسائر المدن الإيرانية، ورغم انتشار أكثر من 30 ألف عنصر من الحرس والبسيج في طهران وحدها استطاع الشباب تنفيذ عمليات منسّقة في 14 مدينة بينها طهران وأراك ومشهد وأرومية وماهشهر وجيرفت وكرج وورامين وشاهين شهر وبيرجند وبم ودليجان وإيذه وإيرانشهر، وهو ما يؤكد انهيار منظومة السيطرة وتحول جدار الخوف إلى جدار هش قابل للانهيار في أية لحظة، كما أن التزامن بين العمليات واختيار الأهداف وتوقيت الذكرى يثبت وجود شبكات منظمة تعمل رغم الاعتقالات والتعذيب والإعدامات، فيما يرد الشعب الإيراني على تصعيد النظام لحملات الإعدام، خصوصًا ضد مجاهدي خلق، بتوسيع نطاق المقاومة وتحويل حملة الثلاثاء للإعدام إلى صوت يوحّد عائلات السجناء. في الداخل تتفجّر الأزمات داخل النظام، فقد اعتمدت الأمم المتحدة القرار رقم 72 لإدانة الانتهاكات الجسيمة في إيران، فيما تعترف الصحف والمسؤولون بالانهيار الصحي في السجون وازدياد الوفيات وسوء أوضاع السجناء السياسيين وفضائح الفساد التي طالت مسؤولين كبارًا، إضافة إلى تفاقم الفقر وغلاء البنزين وانقطاع المياه والكهرباء. أما عائلات السجناء فتحوّلت إلى رمز وطني يقف أمام السجون أسبوعيًا معلنًا أنهم لن يتركوا أبناءهم ضحية للصمت. وعلى الصعيد الخارجي، يعيش النظام ارتباكًا واضحًا، فالتقارير الدولية تحذر من تجاوز إيران لمستويات تخصيب اليورانيوم المسموح بها، والوكالة الدولية تطالب بتفسير عاجل، فيما تتصاعد الضغوط الأوروبية والأمريكية لتفعيل آلية الزناد، وفي المقابل بدأ حتى الحلفاء التقليديون للنظام يصرّحون بأن إيران وصلت طريقًا مسدودًا. كل المؤشرات تدل على أن النظام فقد شرعيته بالكامل ولم يعد يستند إلا إلى الحرس الثوري والبسيج والمخابرات والقضاء التابع للمرشد، فهو نظام بلا قاعدة شعبية ولا أفق اقتصادي. في المقابل، يدخل الشعب الإيراني مرحلة اللارجوع، فاحتجاجاته لم تعد رد فعل على البنزين أو الفقر بل نتيجة تراكم 40 عامًا من القمع وسرقة الثروات وتصدير الحروب، وشباب الانتفاضة اليوم جيل يؤمن بأن النظام لا يمكن إصلاحه وأن الدولة تُدار لقمعه لا لخدمته، وأن العالم بدأ يسمع صوته، ولهذا يواصلون ضرب مراكز القمع وتحويل ذكرى 2019 إلى بداية جديدة. إن إيران اليوم تعيش مرحلة مشابهة لما قبل سقوط الأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية: تفكك داخلي، عزلة دولية، اقتصاد منهار، مجتمع يغلي، مقاومة تتصاعد، ونظام يعيش على حبل الإعدامات. والفرق أن شباب إيران لا ينتظرون الخارج، بل يصنعون مستقبلهم بأيديهم. إن ضرب 24 مركز قمع في يوم واحد لم يكن عملية عابرة بل إعلان تاريخي: إيران الجديدة بدأت… والولي الفقيه جزء من الماضي.


