جون بيركو في مؤتمر “إيران الحرة 2025”: الشرعية تولد من رحم “الميدان” و”التضحية” فقط
تجاوز جون بيركو، رئيس مجلس العموم البريطاني الأسبق (2009-2019)، في كلمته أمام التجمع الكبير “إيران الحرة 2025″، حدود المجاملات الدبلوماسية المعتادة، مخصصاً خطابه لصياغة بيان سياسي حول المفهوم الجوهري لـ “الشرعية”. وفي هذا الخطاب المفصلي، رسم خطوطاً فاصلة وواضحة بين المعارضة الأصيلة التي تدفع الثمن دماً في ساحة العمل، وبين المدعين الذين يسعون لإعادة إنتاج الاستبداد في ثوب جديد.
النساء والشباب: محركات التغيير الجذري
في مستهل حديثه، وصف بيركو الأجواء السائدة في المؤتمر بأنها مفعمة بحماس منقطع النظير، مبدياً إعجابه بالمستوى النوعي للجلسات الخمس التي عُقدت، واصفاً إياها بـ “الملهمة والمؤثرة”. وقد ركز بشكل خاص على جلستي “النساء” و”الشباب”، معتبراً هاتين الفئتين القلب النابض لحركة المقاومة والضمانة لمستقبل ديمقراطي لإيران، مشيداً بدورهما الريادي في كسر طوق القمع.
الرفض القاطع للعودة إلى الماضي: “ابن الشاه” ليس بديلاً
تحدى رئيس البرلمان البريطاني الأسبق، بلغة صريحة ومباشرة، المزاعم المروجة لرضا بهلوي (ابن الشاه) كبديل للنظام الحالي. وبينما أقر بحقيقة أن إيران تحت حكم الملالي هي “دولة فاشلة”، أكد أن المخرج من هذا الوضع لن يكون أبداً بالعودة إلى الوراء. وكرر بيركو بحزم: “البديل ليس ابن الشاه؛ ليس هو، ليس هو، ولن يكون أبداً!”.
وفي انتقاد لاذع لسجل وأسلوب حياة دعاة الملكية، صرح قائلاً: “شخص قضى حياته كلها في الرفاهية والنعيم، وجاب العالم بإمكانات هائلة، وغادر المشهد بعد فضيحة والده، يأتي الآن ليدعي تقديم خارطة طريق!”. ووصف بيركو الطرح المقترح لفترة انتقالية مدتها 18 شهراً يسيطر فيها فرد واحد على كافة أركان السلطة (القضائية والتنفيذية والتشريعية) بأنه “جسارة ووقاحة مطلقة”، مخا طباً إياه: “سيد بهلوي! خلفك ماضٍ بلا فخر، وأمامك مستقبل بلا شرف. لا تنتظر اتصالنا؛ نحن والشعب الإيراني بالتأكيد لن نتصل بك”.
معايير الشرعية الحقيقية: الحضور في الميدان وتنظيم المقاومة
في جزء آخر من كلمته، تطرق جون بيركو إلى تعريف المعيار الحقيقي لقياس الشرعية السياسية. فمن منظوره، لا تُكتسب الشرعية عبر الادعاءات عن بعد، بل تتحقق حصراً عبر “الحضور المادي والفعال في ميدان المعركة”. وعرف الشرعية قائلاً: “المصدر الأكثر إقناعاً للشرعية هو الصمود على أرض الواقع، عدم الفرار، تنظيم قوة المقاومة، الثبات، تمكين الآخرين، والعيش بتضحية وخدمة؛ حيث يصبح الإيثار ضرورة لا مفر منها”.
منظمة مجاهدي خلق: تجسيد للشرعية المعمدة بالدم
وعبر تطبيق هذه المعايير على واقع المشهد الإيراني، قدم بيركو منظمة مجاهدي خلق الإيرانية كنموذج عيني وعملي لهذه الشرعية. واستذكر أربعة عقود ونصف من النضال المستمر لهذه المنظمة قائلاً: “لقد ذبح هذا النظام أكثر من مائة ألف إنسان استثنائي لجرم واحد هو وقوفهم في وجهه”.
وأشار إلى إحصائية تنفيذ 39 ألف عملية ونشاط من قبل “وحدات المقاومة”، ووجود سجناء سياسيين محكومين بالإعدام بتهمة مناصرة هذه المنظمة، مصرحاً: “هذا هو واقع النظام، ووحدهم المجلس الوطني للمقاومة ووحدات المقاومة هم من انتصبوا بقامة مرفوعة ضده. إنهم لم يظهروا الشجاعة والروح الإنسانية التي لا تُقهر فحسب، بل حاربوا وسيحياربون من أجل القيم الديمقراطية”.
الأهمية الاستراتيجية لهذا الخطاب
تحمل تصريحات جون بيركو في هذا التوقيت الحساس أبعاداً استراتيجية خاصة:
- سقوط سياسة الاسترضاء: هذه الكلمات دليل على أن رهان الغرب على إصلاح النظام أو التعويل على بدائل وهمية وخيالية (مثل بقايا الملكية) قد وصل إلى طريق مسدود. أوضح بيركو أن العالم الغربي قد أدرك أن الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران لا تفهم سوى لغة القوة والمقاومة المنظمة.
- تثبيت استراتيجية “الخيار الثالث”: تتماشى مواقف بيركو تماماً مع عقيدة السيدة مريم رجوي المعروفة بـ “الخيار الثالث”؛ وهو الحل الذي يرفض الحرب الخارجية ويرفض مهادنة النظام، بل يعتمد على قوة الشعب والمقاومة الداخلية. التأكيد على “الميدان” و”وحدات المقاومة” يعني اعترافاً دولياً بفعالية هذه الاستراتيجية.
- الفرز وتوضيح الحدود السياسية: وضع هذا الخطاب حداً لمحاولات التيارات المشبوهة والنظام لحرف الأنظار عن المجلس الوطني للمقاومة وتلميع صورة “ابن الشاه”. أوضح بيركو، استناداً إلى خبرته البرلمانية، أن صرح الديمقراطية لا يُشيد على يد من يسعون لاحتكار السلطة والعودة للاستبداد الوراثي، بل يُبنى بسواعد من قدموا 120 ألف شهيد في طريق الحرية.


