مناورات نظام الملالي
دأب نظام الملالي على استخدام تكتيك “البالون التجريبي” الذي يتبعه خامنئي، وهو تكتيك كلاسيكي للأنظمة التي تكون في موقف ضعيف ولكنها تريد الحفاظ على هيبة القوة.
وهذا هو تطبيق مبدأ “حفظ النظام هو أوجب الواجبات” الذي أسسه خميني.
المرحلة الأولى: إرسال المبعوثين (جس النبض)
عندما يرسل خامنئي شخصيات مثل عباس عراقجي أو مسعود بزشكيان فهو لا يقوم بذلك من موقع قوة، بل لتحقيق عدة أهداف تكتيكية ضرورية لبقائه:
- استكشاف الفرص بأقل تكلفة: هذه هي الطريقة الأكثر أمانًا لمعرفة ما إذا كان الطرف المقابل مستعدًا لتقديم تنازلات حقيقية دون أن يلتزم خامنئي نفسه بأي شيء. إذا نجحت المحاولة، يمكنه أن ينسب الفضل لنفسه. وإذا فشلت، فإن الفشل يلتصق بالمبعوث وليس بخامنئي.
- امتصاص الضغط الداخلي: هناك أصوات داخل النظام، وحتى داخل المؤسسة العسكرية، تدرك أن الوضع الاقتصادي لا يمكن أن يستمر على هذا النحو. إرسال مفاوضين هو رسالة لهذه الأجنحة بأنه “يحاول” إيجاد حل، مما يمنع تفجر الصراع الداخلي ويشتري له المزيد من الوقت.
- خداع المجتمع الدولي: هذه التحركات تهدف إلى إظهار إيران كطرف “عقلاني” ومستعد للحوار، مما يجعل من الصعب على الولايات المتحدة حشد إجماع دولي لفرض المزيد من الضغوط. إنها محاولة لشق الصف الغربي.
المرحلة الثانية: خطاب الرفض (إدارة الفشل)
عندما لا يعطي إرسال المبعوثين نتيجة، أو عندما لا يرى النظام أي تنازلات جوهرية من الطرف المقابل، يتحول خامنئي فورًا إلى خطابه المتشدد. وهذا ليس تناقضًا، بل هو جزء أساسي من الاستراتيجية:
- حفظ ماء الوجه وتغطية الضعف: هذا هو الدافع الرئيسي. الاعتراف بأن “ذهبنا للتفاوض ورُفضنا” سيكون بمثابة إعلان عن الضعف الشديد، وهو أمر لا يستطيع النظام تحمله داخليًا. لذلك، يتم تغيير السردية فورًا إلى: “لقد أثبتنا للعالم أن أمريكا ليست جديرة بالثقة، ونحن لم نكن نريد التفاوض من الأساس.”
- إعادة شحن القاعدة الأيديولوجية: خطابه المتشدد موجه إلى قاعدته الصلبة في الحرس والباسيج. إنه يذكرهم بأن “العدو” لا يزال هو العدو، وأن المقاومة هي السبيل الوحيد، وأن الولي الفقيه هو الحصن المنيع للثورة. هذا يعيد تماسك صفوفه الأكثر ولاءً.
- رسالة ترهيب للشعب: خطاب خامنئي بمناسبة يوم الباسيج يقول بشكل غير مباشر للشعب الإيراني: “لا تعلقوا آمالكم على الخارج أو على المفاوضات. لا يوجد مخرج إلا من خلال هذا النظام. أي محاولة للتغيير ستُسحق.”
هذه المناورات ليست دليل قوة، بل هي أعراض ضعف عميق يديره النظام ببراعة إعلامية وسياسية. إنها دورة متكررة:
الحاجة الاقتصادية تدفع نحو محاولة التفاوض سراً ← الخوف من التنازلات يمنع تقديم عرض حقيقي ← فشل المفاوضات ← العودة إلى خطاب التشدد العلني لتغطية الفشل وإعادة ترهيب الداخل.
إنها استراتيجية نظام يركض في حلقة مفرغة، يحاول إطفاء حريق اقتصادي داخلي دون أن يسكب عليه الماء (التنازلات الحقيقية) خوفًا من أن يتبخر ما تبقى من هيبته الأيديولوجية


