واشنطن تكثف الضغوط على الميليشيات الإيرانية في العراق وتدشّن ثاني أكبر بعثاتها الدبلوماسية لدعم الاستقرار
أعلنت الولايات المتحدة عزمها على تكثيف التعاون مع بغداد وأربيل لتقويض نفوذ الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، التي تعمل على زعزعة استقرار العراق وانتهاك سيادته. جاء هذا التأكيد بالتزامن مع افتتاح واشنطن لمبنى قنصلي ضخم في إقليم كردستان العراق، في خطوة عدّتها رسالة سياسية وأمنية واضحة ضد التهديدات المتصاعدة.
وشدد نائب وزير الخارجية الأميركي، مايكل ريغاس، خلال تدشين القنصلية الجديدة في أربيل، على أن بلاده «ستعمل من كثب مع الشركاء العراقيين لحماية سيادة العراق ودحر الإرهاب»، موجهاً دعوة للشركاء للعمل معاً «لمنع الميليشيات الإيرانية داخل العراق من تقويض الاستقرار وانتهاك السيادة».
ويأتي هذا التصعيد في الخطاب الأميركي بعد أيام قليلة من تعرض حقل «كورمور» للغاز، الذي تديره «دانة غاز»، لهجوم صاروخي. وتصف واشنطن هذه الجماعات بأنها تعمل خارج سلطة الدولة وتضر بالاقتصاد العراقي، حيث يمثل الهجوم الأخير على قطاع الطاقة حلقة في سلسلة استهدافات البنية التحتية.
ويعكس افتتاح المجمع الدبلوماسي الجديد، الذي تبلغ تكلفته نحو 796 مليون دولار ويمتد على مساحة تتجاوز 200 ألف متر مربع، «دليلاً على التزام طويل الأمد تجاه العراق وكردستان». كما يضم المجمع موظفين من سبع جهات أميركية، من ضمنها وزارتا الخارجية والدفاع والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، ليصبح بذلك ثاني أكبر منشأة دبلوماسية أميركية في العالم بعد سفارة بغداد.
ويأتي افتتاح القنصلية بعد أعوام من التأخير بسبب جائحة «كوفيد19» واضطرابات أمنية. ورغم تصاعد التوترات الإقليمية، فقد أكد مسؤولون أميركيون أن المشروع يمثل رسالة واضحة بأن واشنطن «لن تغادر إلى أي مكان». ويرى مراقبون أن افتتاح قنصلية بهذا الحجم يعكس رغبة واشنطن في تعزيز نفوذها بشمال العراق، ودعم الاستقرار في إقليم كردستان الذي تستضيف أراضيه خطوط أنابيب استراتيجية تربط العراق بتركيا. وتوضح واشنطن أن تعزيز وجودها الدبلوماسي في أربيل يهدف إلى دعم الاستقرار الإقليمي والتعاون الأمني والاقتصادي، خصوصاً في ظل الضغوط التي تشكلها الفصائل المسلحة على منشآت الطاقة وخطوط التصدير، وكان الهجوم على «كورمور» آخر فصولها.
وعلى الصعيد السياسي في بغداد، ضاعفت واشنطن من ضغوطها لتفكيك نفوذ الميليشيات. وأصدرت سفارة الولايات المتحدة بياناً جددت فيه التذكير بضرورة «تفكيك الميليشيات المدعومة من إيران التي تقوّض سيادة العراق، وتهدد الأميركيين والعراقيين، وتنهب موارد العراق لمصلحة إيران». وأكدت المصادر المطلعة أن واشنطن تحرص على أن لا يتولى أي شخصية مقربة من قوى السلاح منصباً وزارياً أو قيادياً في الحكومة العراقية المقبلة، وهو ما يُعدّ «فيتواً أميركياً واضحاً بهذا الصدد».
وأفادت مصادر عراقية أن هذه الضغوط الأميركية المستمرة قد أحدثت «ارتباكاً» في خطط تحالف «الإطار التنسيقي» الذي لم يتمكن من حسم مرشح رئيس الوزراء. من جهته، رحب رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، بافتتاح القنصلية، مؤكداً أن «إقليماً مستقراً وقوياً يمثل ركناً أساسياً في الشراكة الأميركية – العراقية». وفي بغداد، أكد رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، على أهمية بناء «صداقات تخدم العراق»، مشدداً على أن «علاقات الصداقة، لا العداء، هي التي تكفل استقرار بلدنا ونموّه». ويأتي هذا في سياق يرى فيه مراقبون أن على الحكومة المقبلة تقديم التزامات واضحة لواشنطن بعدم استخدام الأراضي العراقية في صراعات الآخرين، وبخطة واقعية لضبط السلاح وحماية المصالح المشتركة.

