إيران في مرآة الجمعية الوطنية الفرنسية: إجماع أوروبي على “طريق الخروج الممكن
في قلب العاصمة الفرنسية، باريس، وتحت قبة الجمعية الوطنية الفرنسية، انعقد مؤخرًا مؤتمر بعنوان “الأزمة الراهنة في إيران: طريق الخروج الممكن”. هذه المبادرة، التي رعتها “اللجنة البرلمانية من أجل إيران ديمقراطية” في الرابع عشر من ديسمبر، لم تكن مجرد فعالية برلمانية عادية، بل شكلت صدى لتشكيل إجماع أوروبي متزايد حول المأزق البنيوي الذي يواجهه نظام ولاية الفقيه، وضرورة الاعتراف ببديل ديمقراطي لإيران.
لقد أبرز الحضور اللافت لممثلين عن مختلف الأطياف السياسية الفرنسية، إلى جانب شخصيات حقوقية ومدنية، حقيقة أن قضية إيران قد تجاوزت كونها مجرد أزمة إقليمية لتتحول إلى شاغل أخلاقي، إنساني، وأمني للمجتمع الدولي برمته.
عنف النظام: استراتيجية بقاء في مواجهة المقاومة المتنامية في صميم هذا المؤتمر، قدمت السيدة مريم رجوي صورة موثقة ومؤثرة عن الوضع الراهن في إيران؛ صورة تؤكد على الترابط العضوي بين القمع الداخلي، الأزمات الاقتصادية، والمغامرات الخارجية التي ينخرط فيها النظام. واستنادًا إلى تقارير المقاومة الإيرانية، صرحت رجوي بوضوح: “بحسب تقارير المقاومة الإيرانية، تم إعدام أكثر من 2000 سجين في عام 2025… ويسعى النظام إلى خلق جو من الرعب لمنع اندلاع انتفاضة شعبية”. إن إعدام ما لا يقل عن 60 امرأة ووجود 18 سجينًا آخرين يواجهون حكم الإعدام، ليس رد فعل عابرًا، بل هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية البقاء لنظام متهالك.
وفي تحليلها العميق، لم تعتبر السيدة رجوي هذا القمع دليلاً على قوة النظام، بل قيمته كرد فعل خائف تجاه اتساع نطاق المقاومة الاجتماعية، قائلة: “على الرغم من ذلك، ما ينمو ليس الخوف، بل المقاومة”. وأكدت أيضًا أن التضخم والفقر ونهب الثروات الوطنية، التي توظف “لصناعة القنابل والصواريخ والحروب”، قد أوصلت المجتمع إلى نقطة الانفجار، وحولت الاحتجاجات من الشوارع إلى السجون. في هذا الإطار، اكتسبت إشارة السيدة رجوي إلى حرب الاثني عشر يومًا في يونيو أهمية استراتيجية، حيث شددت على أن هذا الحدث “أثبت أحقية الحل الثالث لهذه المقاومة؛ حل ليس حربًا خارجية ولا مساومة، بل تغيير النظام على يد الشعب والمقاومة”. هذا الطرح يمثل جوهر خطاب المجلس الوطني للمقاومة، خطاب ينأى بنفسه عن التدخل الخارجي وعن إعادة إنتاج الاستبداد في آن واحد.
ومن منظور تاريخي، أوضحت السيدة رجوي، مستذكرة “سرقة ثورة 1979″، كيف قام الاستبداد الديني بمصادرة ثورة شعبية وعرقل مسار الديمقراطية، وكيف يتوسل اليوم “للإعلام الواسع ضد المقاومة وتفريق المعارضة” لمنع أي انتفاضة. في مواجهة هذا الوضع، قدمت السيدة رجوي رؤية واضحة: “المقاومة الإيرانية تطالب بجمهورية ديمقراطية، تعددية، غير نووية، قائمة على فصل الدين عن الدولة، المساواة بين الرجل والمرأة، وإلغاء قوانين الشريعة الملالية
الإعدامات: تعبير عن ضعف السلطة المتزايد ورفض الشعب أكملت كلمة كريستين أوريجي، رئيسة اللجنة البرلمانية من أجل إيران ديمقراطية، هذا التحليل ببيانات صادمة. فقد أعلنت أن “إيران تواجه موجة غير مسبوقة من الإعدامات؛ 336 شخصًا تم إعدامهم في نوفمبر وحده”. ووفقًا لأوريجي، فإن هذه الإحصائيات “ليست دليلاً على السلطة، بل تعبير عن ضعف متزايد لنظام رفضه الشعب”.
بالإشارة إلى قضايا مثل قضية زهراء طبري، التي حُكم عليها بالإعدام لدعمها منظمة مجاهدي خلق وشعار “المرأة، المقاومة، الحرية”، خلصت أوريجي إلى أن الكفاح في إيران “يتجاوز كونه معركة سياسية ليصبح ضرورة إنسانية وأخلاقية”. وقد رفضت بوضوح جميع البدائل الزائفة، مضيفة: “لا الحرب، لا التدخل الأجنبي، لا معارضة ابن الشاه المزعومة، ولا المساومة مع النظام، أي من هذه لا يمكن أن يحل المأزق الإيراني”. في المقابل، يمثل “الحل الثالث”، أي التغيير على يد الشعب والمقاومة المنظمة، مع انتشار “وحدات المقاومة”، حقيقة اجتماعية. ووصفت خطة رجوي ذات النقاط العشر بأنها “نموذج واضح وقابل للتطبيق لمستقبل حر وديمقراطي
دعوات أوروبية لدعم “الطريق الوحيد لحرية الشعب الإيراني
أكد المتحدثون الآخرون، كل من زاويته المكملة، على شرعية وضرورة هذا البديل. أشار آلان فيفيان إلى الانتهاكات المنهجية للاتفاقيات الدولية قائلاً: “النظام السياسي في إيران يعمل ضد الحريات الأساسية والإنسانية وهذا غير مقبول”، ودعا أوروبا إلى “اتخاذ نهج أكثر صرامة”. واعتبر هيرفيه سولينياك، نائب رئيس اللجنة، الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران “واجبًا أخلاقيًا لكل جمهوري”، مؤكداً أن المقاومة المنظمة هي “الطريق الوحيد لحرية الشعب الإيراني”. وحذر باتريك هيتزل، من منظور أمني، من أن قمع النظام “لا يقتصر على داخل البلاد”، بل امتد إلى إجراءات زعزعة الاستقرار في أوروبا؛ وهو ما ظهر في استدعاء السفير الإيراني في هولندا وإدراج حرس النظام الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية في أستراليا.
المرأة: القلب النابض للمقاومة
ربطت دومينيك أتياس، إحدى المتحدثات، نضال المقاومة بالقيم العالمية قائلة: “هذه القيم نفسها يدعمها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وهي متضمنة في خطة السيدة مريم رجوي ذات النقاط العشر”. وذكّرت السيدة أتياس بأن “النساء يشكلن القلب النابض للمقاومة”. وكان الدور المحوري للمرأة في هذه المقاومة محورًا مشتركًا للعديد من الخطب. كما أكد جيلبرت ميتران على ضرورة العدالة للضحايا، معلنًا: “نحن هنا للاعتراف بمعارضة هي الأكثر تنظيمًا في العالم”، وأعرب عن ثقته في “مريم رجوي على رأس المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية”.
في الختام، قدم جان بيير بيرارد خلاصة سياسية واضحة، قائلاً: “الإعدامات ليست علامة قوة، بل هي علامة ضعف”، مضيفًا أن التضامن مع المقاومة “شرف يجب ممارسته”. لقد أظهر هذا المؤتمر أنه في مواجهة نظام يعتمد على القمع والإعدام واحتجاز الرهائن، قد تشكّل بديل ديمقراطي، منظم، ويحظى بدعم دولي متزايد. يمكن اعتبار مؤتمر الجمعية الوطنية الفرنسية لحظة تلاقت فيها الأخلاق والسياسة والرؤية المستقبلية؛ لحظة تم فيها تقديم “طريق الخروج الممكن” ليس كشعار، بل كمشروع سياسي واضح يعتمد على إرادة الشعب الإيراني. —

