ليلة “يلدا” في إيران.. حين يتحول التراث إلى صرخة وجع ضد فساد “بيت خامنئي” وسطوة “الحرس”
تقرير تحليلي:
فی ليلة “يلدا” (أطول ليلة في العام)، لم يعد الإيرانيون ينشغلون بترتيبات طقوسهم العريقة بقدر انشغالهم بكيفية تدبير لقمة العيش في ظل نظام “الملالي” الذي حول حياة الشعب إلى ليل طويل من الأزمات المستعصية. وما يظهر اليوم في الصحافة الحكومية، ومنها ما نشرته صحيفة “جهان صنعت”، ليس سوى اعترافات خجولة بانهيار اقتصادي شامل، وجذوره تضرب عميقاً في بنية نظام فاسد يضع “بقاء الكرسي” فوق مصلحة ملايين الجوعى.
مائدة “يلدا”: مرآة النهب المنظم
لم تعد مكسرات “يلدا” أو فواكهها مجرد سلع رمزية، بل تحولت إلى “أيقونات للغلاء” تفضح زيف الوعود الحكومية. ففي بلد يسبح فوق بحار من النفط والغاز ويمتلك ثروات طبيعية هائلة، يضطر المواطن لشراء المكسرات “بالحبة” لا بالكيلو. هذا الذل المعيشي ليس نتاج صدفة اقتصادية، بل هو الثمن المباشر لاحتكار السلطة والثروة في “بيت خامنئي” ودهاليز “الحرس” (الباسداران).
إن الأزمة التي يصورها الخبراء داخل إيران على أنها “تضخم هيكلي” هي في الحقيقة “نهب هيكلي”. فبينما تُخصص ميزانيات البلاد لتمويل ترسانة القمع وأذرع الحرس في الخارج، تُترك المائدة الإيرانية نهباً للانهيار.
مؤسسات القمع تخنق الاقتصاد
تؤكد المعطيات أن سيطرة “الحرس الثوري” على مفاصل الاقتصاد، من الموانئ إلى الشركات الكبرى، خلقت بيئة من الاحتكار والفساد لا يمكن لأي حلول أكاديمية إصلاحها. فالتضخم الذي يتجاوز 50% ليس ظاهرة عالمية كما يدعي إعلام النظام، بدليل أن دولاً مجاورة، بل وحتى أفغانستان المنهكة، استطاعت كبح التضخم.
الحقيقة التي يخشى المحللون داخل إيران قولها صراحة هي أن “عجز الموازنة” و”طباعة العملة بلا غطاء” هما النتيجة المباشرة لتمويل إمبراطورية “الولي الفقيه” المالية والعسكرية. إن التضخم في إيران هو “ضريبة” يدفعها الفقراء لضمان استمرار مغامرات النظام الإقليمية.
“دولة داخل الدولة”: أين تذهب أموال العملة الصعبة؟
في الوقت الذي يتحدث فيه البنك المركزي عن “تخصيص العملة” لدعم السلع الأساسية، يدرك الجميع أن هذه الأموال تتبخر في شبكات الفساد المرتبطة بالقيادات الأمنية. إن “دولرة” الاقتصاد الإيراني وانهيار الريال هما انعكاس مباشر لانعدام الثقة في نظام يفتقر للشرعية الدولية والمحلية.
إن المقارنة بين إيران وتركيا أو غيرها تكشف حجم الكارثة؛ فالمشكلة ليست في “العقوبات” كما يروج النظام لتبرير فشله، بل في “عقوبات الداخل” التي يفرضها “الحرس” عبر احتكار الاستيراد والتصدير والتلاعب بأسعار الصرف لتمويل ميزانياته السرية.
ليلة “يلدا” وعتمة النظام
إن “غلاء المكسرات” الذي تتصدر أخباره الصحف هو قشرة سطحية لأزمة وجودية. فالنظام الذي يعجز عن تأمين متطلبات احتفال ثقافي بسيط لشعبه هو نظام سقط اقتصادياً وأخلاقياً.
الخلاصة:
إن كل الأزمات التي يعاني منها المجتمع الإيراني اليوم، من تآكل القدرة الشرائية إلى تلاشي الطبقة الوسطى، هي أعراض لمرض واحد: “ديكتاتورية الملالي”. وما ليلة “يلدا” هذا العام إلا صرخة صامتة ضد نظام يمتلك ثروات قارّة، لكنه يديرها بمنطق “عصابة” تعطي الأولوية لترسانتها العسكرية على حساب بطون الجائعين. الإصلاح في ظل هذه البنية “الخامنئية” مستحيل، لأن التضخم والفساد ليسوا عيوباً في النظام، بل هما “وقود” بقائه.

