الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

دور المؤسسات التعليميَّة في إيران بالدعاية والتجسُّس – جامعة المصطفى العالمية نموذجاً

انضموا إلى الحركة العالمية

دور المؤسسات التعليميَّة في إيران بالدعاية والتجسُّس - جامعة المصطفى العالمية نموذجاً

دور المؤسسات التعليميَّة في إيران بالدعاية والتجسُّس – جامعة المصطفى العالمية نموذجاً

دور المؤسسات التعليميَّة في إيران بالدعاية والتجسُّس – جامعة المصطفى العالمية نموذجاً

 

كتب الباحث ضياء قدور تقريراً في ما يخص بالقواعد الإيرانية كما يلي:

دور المؤسسات التعليميَّة في إيران بالدعاية والتجسُّس – جامعة المصطفى العالمية نموذجاً – يُعدّ النظام السياسي الحاكم في إيران مظهراً “للاستبداد الديني” لأنه نظام قائم على أساس نظرية “ولاية الفقيه المطلقة” التي تمنح الشخص الأول في النظام صلاحياتٍ واسعةً،

ولا بدَّ لنا من ذكر وجود الدائرة المغلقة من فقهاء مجلس صيانة الدستور والمجتهدين في مجلس خبراء القيادة، في علاقاتهما مع مرشد نظام الملالي التي تُواصل علناً استمرار الحكومة الدينيَّة، وإعادة إنتاجها من جديد، إضافة إلى ذلك، فإنَّ الحكومة تعتمد على ثروات إيران الهائلة لصرفها على المؤسسات الدينيَّة، وربطها بها بصورة مباشرة وغير مباشرة، لتستفيد منها، من أجل نشر الأصوليَّة والتطرف والإرهاب.

فالخميني أدرك منذ البداية أهمية العلاقة ما بين السلطة الدينية والمؤسسات التعليمية في إيران, وضرورة تدخل السلطة الثيوقراطية في عمل المؤسسات التعليمية مباشرة حتى تكسبها إلى جانبها لاحقاً (قوات البسيج), وتتجنب تبعات تغلغل -ما يسميه الملالي- “الأفكار اليسارية” فيها (الحركة الطلابية في إيران),

فمنذ انتصار الثورة في إيران كانت هناك حملة على المناهج الغربية في الجامعات الإيرانية, واستُبدِلت بها مناهج دينية بحتة تدرس المذهب الشيعي, إضافة إلى ذلك استُحدث يوم (الحوزة والجامعة) أو ما يسمى بيوم (الطالب ورجل الدين) لتعزيز تغلغل السلطة الدينية في المؤسسات التعليمية الإيرانية.

سنسلط الضوء في بحثنا على” مؤسسة دينية ذات رداء تعليمي” في إيران وهي “جامعة المصطفى العالمية“, إذ سنتطرق بداية إلى ذكر لمحة عن تشكل هذه الجامعة, وثم سنتحدث عن نشاطها في إيران والعالم ودورها في تصدير مشروع التشيع الذي تقوده إيران,

ومن ثم سنقوم بدراسة ميزانية جامعة المصطفى والعلاقة ما بين زيادة الموازنة المالية للجامعة ونشاطها المتزايد في المنطقة والعالم وطبيعة هذا النشاط, وفي النهاية سنتحدث عن توظيف النظام الإيراني للجامعة بوصفها أداة متعددة المهمات في الدعاية والتجسس لمصلحته.

المحاور:

لمحة عن تشكيل جامعة المصطفى.
نشاط جامعة المصطفى.
جيش الشيعة ومشروع التشيُّع.
ميزانيَّة جامعة المصطفى.
جامعة المصطفى العالميَّة أداة متعددة المهمات في النظام الإيراني.
الخاتمة.

لمحة عن تشكيل جامعة المصطفى:

تشكَّلت جامعة المصطفى العالميَّة في مدينة “قم” بعد الثورة الإيرانيَّة للطلاب غير الإيرانيين، إذ أطلق عليها بدايةً اسم “مجلس تنسيق الطلاب غير الإيرانيين”، وبعد مدّة تغيَّر اسمها ليُصبح “المركز العالمي للعلوم الإسلاميَّة”، وفي المرحلة التاليَّة انقسم هذا المركز إلى مؤسستين: الأول “المركز العالمي للعلوم الإسلاميَّة للطلاب غير الإيرانيين المقيمين في إيران”، والثاني “منظمة المدارس والحوزات خارج البلاد لتنظيم الحوزات العلميَّة خارج إيران”.

بأمر من خامنئي دُمجت -عام ١٩٩٩(عام تأسس الجامعة)- هاتان المؤسستان في مؤسسة واحدة أطلق عليها اسم “جامعة المصطفى العالميَّة” التي بدأت بالعمل فعليّاً عام ٢٠٠٩ – ٢٠١٠ حيث ضمَّت هذه الجامعة مجلسَ أمناءٍ تسلَّم رئاسته “الملا علي رضا أعرافي” بأمر من خامنئي منذ بداية تشكل هذه المؤسسة وحتى الآن، وبعد عامين من عمليَّات التخطيط جرى تجهيز أول خطة خمسيَّة لهذه المؤسسة عام ٢٠١١، وجرى تنفيذها منذ عام ٢٠١٢، بينما الخطة الخمسيَّة الثانية لهذه المؤسسة بدأ تنفيذها عام ٢٠١٧.[1]

وكما يذكر الموقع الرسمي لجامعة المصطفى, فإن جامعة المصطفى هي “مركز علمي إسلامي وحوزوي عالمي”, تهدف إلى “تلبية حاجة المتلهفين إلى زلال المعارف الإلهية، وإيجاد حركة جديدة في مجال تطوير النظريات الإسلامية”.[2]

وتمتلك جامعة المصطفى جامعة افتراضية (جامعة المصطفى المفتوحة) ناطقة بـ15 لغة, من بينها اللغة العربية والفارسية والتركية والإنكليزية والفرنسية والصينية. بينما تقوم هذه الجامعة الافتراضية بتخطيط وإنشاء اختصاصات في مراحل الدبلوم والبكالوريوس والماجستير ودورات قصيرة ودورات مفتوحة, ويوجد ضمن أقسامها ثماني كليات وهي: (كليّة القرآن والحديث, كليّة الدراسات الإسلاميّة, كليّة الفقه والقانون,

كليّة الأخلاق والتربية الإسلاميّة, كليّة الفلسفة وعلم الكلام, كليّة الأديان والمذاهب, كليّة اللغة والأدب, كليّة الدراسات الاجتماعيّة).[3]

أما شروط التسجيل, فالجامعة الافتراضية تقبل تسجيل المسلمين جميعهم من أنحاء العالم كله على اختلاف “مذاهبهم وأعراقهم وأعمارهم ومستواهم التعليمي”.[4]

ويقع المكتب المركزيّ للجامعة في إيران في مدينة قم وللجامعة شعب ومكاتب تمثّلها في عدد من بلدان العالم.

نشاط جامعة المصطفى

إذا أردنا التعرف إلى نشاط هذه الجامعة, فليس من سبيل أفضل من تصريحات رئيسها أعرافي الذي تسلم رئاسة هذه الجامعة منذ تأسيسها وحتى الآن.

ففي تاريخ ٢٩ تموز/ يوليو ٢٠١٧ قامت شبكة صابر نيوز الإيرانيَّة بإجراء مقابلة مفصَّلة مع “علي رضا أعرافي” رئيس الجامعة حول نشاط “جامعة المصطفى العالميَّة” ونشرت شبكة رجانيوز الإخباريَّة هذه المقابلة أيضاً.[5]

تحدَّث خلالها “أعرافي” عن نشاط هذه الجامعة التي سنذكر عنها تقريراً مقتضباً -وفقاً لأعراف- في ما يأتي:

الحوزات العلميَّة جميعها في أنحاء العالم كله تتبع لإدارة واحدة، وهي جامعة المصطفى.

ازداد عدد الطلاب الأجانب المقيمين في إيران من ٦٠ بلداً إلى ١٣٠ بلداً.
ازداد عدد الحوزات العلميَّة الموجودة في بقية البلدان من ٣٠ دولةً إلى ٦٠ دولةً.
استحدثت مئات المراكز والمؤسسات الجديدة في الدول الأخرى.
تنشر جامعة المصطفى ٥٠ مجلةً بلغات مختلفة.
منذ عام ٢٠١٥ ينشر كتاب واحد بثلاثين لغة يومياً.

أنشئت ٣٠٠ رابطة ومركز ثقافي وفنِّي وعلمي للطلاب القيمين في إيران، وينشر إنتاجاتها على شكل كتب ومقالات.
٦ آلاف طالب أجنبي من ٨٠ جنسيَّةً يستفيدون من الجامعة الافتراضيَّة لهذه المؤسسة.
٤٠ ألف طالب متخرِّج من هذه المؤسسة عادوا إلى بلادهم، وهناك ٤٠ ألف طالب غير إيراني يدرسون في هذه المؤسسة.
مجموع الطلاب المستفيدين مع عائلاتهم يبلغ ٣٠٠ ألف شخص.
هناك ٧ آلاف طالب سنِّي يدرسون في هذه المؤسسة.
يجري تعليم اللغة الفارسيَّة للطلاب كلهم وعائلاتهم.
إن هناك ادعاءات باطلة وتناقضات كبيرة في تصريحات أعرافي هذه التي أطلقها في تاريخ 29 تموز/ يوليو 2017 وسنبين هذا الأمر وفقاً لحسابات بسيطة:

 

في تاريخ 19 آب/ أغسطس 2017 (أي بعد 21 يوم من تصريحاته السابقة) صرح أعرفي خلال اجتماع له مع أعضاء مجلس الحوزة العلمية للمحافظة المركزية بأن هناك أكثر من “25 ألف طالب غير إيراني” يدرسون في الحوزات العلمية المتوزعة في أنحاء البلاد كلها بما في ذلك حوزه قم وجامعة المصطفى أيضاً.[6]

يعدّ هذا تناقضاً كبيراً في الأرقام (40 ألف طالب غير إيراني في التصريحات السابقة), حتى لو عددنا -تجاوزاً- أن هؤلاء الطلاب كلهم (أي 20 ألف طالب غير إيراني) يدرسون في جامعة المصطفى.

ثم إن أرقام أعرافي تتناقض تماماً مع أرقام الإدارة العامة للضمان والتأمين الاجتماعي التي تحدثت على لسان مديرها العام الدكتور خزاعي عن تغطيتها لـ32 ألف من الرعايا الأجانب من “عمال وأصحاب أعمال حرة وطلاب ورجال دين وغيرهم” داخل البلاد خلال عام 2018.[7]

الطلاب الأجانب الذين يدرسون في جامعة المصطفى مشمولون بالتأمين والضمان الاجتماعي, وذلك وفقاً للمادة رقم 5 من قانون التأمين الاجتماعي الإيراني التي أعمِلت مؤخراً خلال اجتماع جمع كلاً من أعرافي رئيس جامعة المصطفى والدكتور خزاعي المدير العام لمنظمة الضمان الاجتماعي يوم الخميس 10 أيار/ مايو 2018.[8]

فإذا افترضنا –تجاوزاً- أن نصف عدد الرعايا الأجانب المشمولين بالضمان الاجتماعي هم من طلاب جامعة المصطفى (أي 16 ألف طالب), فإن هذا سيوصلنا أيضاً إلى تناقض كبير في كل تصريحات رئيس جامعة المصطفى السابقة. ولكننا لن نخوض أكثر من هذا في موضوع الأرقام المبالغ فيها التي تحدث عنها أعرافي وجل ما أردناه هو إلقاء الضوء على نشاط هذه الجامعة وطبيعتها.

جيش الشيعة ومشروع التشيُّع

إنَّ هذا التقرير القصير السابق –على الرغم من مبالغاته كلها- يُوضح لنا مدى سرور خامنئي من نشاط هذه المؤسسة ورئاستها، فعام ٢٠١١ عندما سافر خامنئي إلى “قم”، والتقى بعدد من طلاب هذه المؤسسة قال خامنئي: “امضوا إلى الأمام في كلِّ ما يقوله السيد أعرافي”.[9]

ولكن النشاط الآخر لهذه المؤسسة التي تملك دوراً استراتيجيّاً بالنسبة إلى خامنئي هي:

أولاً: زيادة عدد المتطوِّعين والمقاتلين في صفوف لواء فاطميون وزينبيون الذين تخرَّجوا من هذه المؤسسة والتحقوا طوعياً ومن دون أيّ تدخل من المؤسسة -كما أكد أعرافي خلال المقابلة- بهذه المليشيات الطائفيَّة حيث إنَّ هناك عدداً كبيراً منهم قد قُتل في المعارك في سوريا والعراق، وهناك عدد أكبر منهم ما زال في ساحة المعركة.

ثانياً: تشييع أكبر عدد ممكن من الطلاب الملتحقين بهذه المؤسسة الذين وصل عددهم إلى خمسين مليون شخص، كما صرَّح أعرافي في مقابلته.

فإذا افترضنا أنَّ تقارير “علي رضا أعرافي” جميعها حول نشاط المؤسسة مطابقة للواقع مئة في المئة، فإنَّ هذا الادعاء الأخير حول تشييع ٥٠ مليون شخص غير قابل للتصديق أبداً؛ فتشييع ٥٠ مليون شخص خلال ٨ أعوام يعني تشييع ٦ ملايين و٢٥٠ ألف شخص سنوياً، وهذا الأمر كذبة مفضوحة، ولو كان هذا الملا لديه اطلاع مبدئي على مبدأ المحاسبة والأرقام، لما كان ادَّعى مثل هذا الادعاء الباطل.

فأعرافي ادَّعى خلال المقابلة بأنَّ جامعة المصطفى العالميَّة حقَّقت حتى الآن ٥٠ في المئة من أهدافها وبرامجها، وعلى هذا النحو بفضل “اقتصاد المقاومة” سيجري تحقيق الأهداف كاملة خلال ثماني سنوات مقبلة -كما يقول- أيّ يجب توقُّع ظهور حوالى ١٠٠ مليون شيعي جديد في العالم من المسلمين وغير المسلمين.

ولعلَّ السبب الرئيس الذي يدفع “أعرافي” إلى قول هذا أنَّه -إلى جانب “إبراهيم رئيسي، وصادق لاريجاني وهاشمي شاهرودي”- كان من بين المرشَّحين المحتملين لخلافة خامنئي، وهذه الأكاذيب الكبيرة ما كان ليُطلقها إلا لتحسين موقعه بالقرب من الملالي المتشدّدين الذين لديهم شغف كبير في نشر التشيع في العالم.

لكن؛ على الرغم من هذه الأرقام غير الواقعية كلها يجب ألا نغفل دور هذه الجامعة في مشروع التشيع الذي تقوده إيران في المنطقة والعالم, فربما أن نشاط إيران في الشرق الأوسط قد حظي بتغطية دولية واسعة النطاق بعكس نشاطها في القارة الأفريقية التي وصفها رئيس هذه الجامعة في مقابلة صحافية له عام 2015 بأنها “عمق استراتيجي لما سماه بـ”الإسلام النقي” الذي يمارسه الإيرانيون الشيعة.[10]

فلدى جامعة المصطفى اليوم 17 فرعاً رئيساً في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، وتدير نحو 100 مدرسة ومسجداً في ثلاثين دولة أفريقية. وقد افتتحت فرعاً وخمس مدارس دينية تابعة لها في نيجيريا، وكذلك فرعاً في غانا تحت مسمى “كلية الجامعة الإسلامية في غانا”، وأرسلت إليهما أكثر من 120 رجل دين شيعي إيراني. وعام 2015، أطلقت جامعة المصطفى مدارس “الفاطمة” الدينية للفتيات بفروع متعددة في أكرا. وافتتحت الجامعة أيضاً فرعاً لها في بوركينا فاسو، إلى جانب مركز “الغدير” للنساء، وكذلك مدرسة الإمام علي الدينية، ومركز أهل البيت.[11]

ميزانيَّة جامعة المصطفى

في كلِّ عامٍ تُقرُّ الميزانيَّة الإيرانيَّة السنويَّة في تاريخ (١٤ آذار/ مارس) من التاريخ الشمسي الفارسي – يُعادل شهر كانون الأول/ ديسمبر- وفي دراستنا هذه سنقوم بتتبع ميزانيَّة جامعة المصطفى العالميَّة خلال الأعوام الميلاديَّة الأربع (2016- ٢٠١٧ – ٢٠١٨ – ٢٠١٩).

ملاحظة: سيجري حساب الميزانيَّات وفقاً لسعر الصرف ٤٥٠٠ تومان لكلّ دولار، وذلك بحسب بيانات البنك المركزي الإيراني.

ميزانيَّة عام 2016
النقطة اللافتة في ميزانية عام ٢٠١٦، هي ارتفاع ميزانيَّات ما يُسمَّى بـ”المؤسسات الحوزوية” في إيران؛ فقد ازدادت ميزانيَّة كلّ من مؤسسة الثقافة والعلاقات الإسلاميَّة، ومركز خدمات الحوزة العلميَّة في “قم”، ومؤسسة خميني للتربيَّة والتعليم، وجامعة المصطفى العالميَّة بنسب ٩٠، ٢١، ٢٧، ١٦ في المئة على الترتيب، ووصلت ميزانيَّة المؤسسات الحوزوية والدعويَّة في ميزانيَّة عام ٢٠١٦ إلى١٥٠٠ مليار تومان (ما يُعادل ٣٣٣.٤ مليون دولار أمريكي) وهو رقم أعلى ممّا خُصِّص له من ميزانيَّة لوزارة العلوم (١٢٠٠ مليار تومان).

أمَّا عن جامعة المصطفى، فقد حصلت على ميزانيَّة تُعادل ٢٦٠ مليار تومان (ما يُعادل ٥٧.٨ مليون دولار أمريكي) متفوقة في ذلك على ميزانيَّة جامعات طهران وصنعتى شريف وشهيد بهشتي.[12]

ميزانيَّة عام 2017
وفقاً لتقرير وكالة أنباء تسنيم الإيرانيَّة في تاريخ ٤ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٦، فإنَّ حصة المنظّمات الثقافيَّة والعلاقات والدعايات الإسلاميَّة في إيران -بما في ذلك ميزانية جامعة المصطفى العالميَّة- شهدت زيادة في ميزانياتها عموماً، إذ وصلت ميزانية جامعة المصطفى إلى ٢٦٧ ملياراً و٦٧٣ مليون تومان (ما يُعادل ٥٩.٥ مليون دولار أمريكي).[13]

ميزانيَّة عام 2018
في يوم الأحد ١١ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٧ عرض روحاني ميزانيَّة عام ٢٠١٨ على مجلس النواب الإيراني، وشهدت حينها الميزانيَّة السنوية ارتفاعاً ملحوظاً في ضرائب الخروج من البلاد، وازدياداً في ميزانيَّة المؤسسات الدينيَّة مثل “جامعة المصطفى العالميَّة” وعدد من المؤسسات العسكريَّة، الأمر الذي لاقى انتقاداً شديداً من قبل الإيرانيين على وسائل التواصل الاجتماعي حينها.

في ما أتت زيادة ميزانيَّة هذه المؤسسات الدينيَّة في وقت شهدت فيه المؤسسات العامّة، مثل: مؤسسات التربيَّة والتعليم، والجامعات ومؤسسات الرعاية الاجتماعيَّة والبلديات في البلاد انخفاضاً في ميزانيتها، إذ بلغت ميزانيَّة جامعة المصطفى حينها ٣٠٥ مليارات و١٢٠ مليون تومان (ما يُعادل ٦٧.٧ مليون دولار أمريكي).[14]

وبحلول نهاية شهر نيسان/ أبريل ٢٠١٧، نُشر تقرير نظام الخزانة الإلكتروني من قبل وزارة الاقتصاد الإيرانيَّة، وفي هذا القرير يجري إعلان مدفوعات لعدد من المؤسسات في شهر أبريل / نيسان.

وما يُثير الدهشة هو استلام جامعة المصطفى العالميَّة مبلغ يُعادل ٨.٣ مليار تومان، في حين استلمت جامعة طهران مبلغاً يُعادل ١.٣ مليار تومان؛ أيّ إنَّ جامعة المصطفى قد تسلَّمت ٨ أضعاف ما تسلمته جامعة طهران التي تُعدّ أكبر مؤسسة تعليميَّة في البلاد.[15]

ميزانيَّة عام 2019
وفقاً لتقرير موقع عالم الاقتصاد الإيراني في تاريخ ٥ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٩، فإنَّ حصة الحوزات الدينيَّة والمؤسسات والمنظّمات الدعائيَّة -بما في ذلك جامعة المصطفى العالميَّة- شهدت ازدياداً في ميزانياتها، إذ قدّرت ميزانيَّة جامعة المصطفى العالمية لعام ٢٠١٩ بـ ٣٠٥ مليارات ٢٠٣ مليون تومان (ما يُعادل ٦٨ مليون دولار أمريكي).[16]

من خلال مقارنة ميزانيَّات جامعة المصطفى العالميَّة لأعوام 2016 و2017 و2018 و2019 نجد أنَّ ميزانيتها في ارتفاع تدريجي (…) حالها كحال المؤسسات والجامعات الدينيَّة كلها، أو ما يُطلق عليها المنظَّمات الدعائيَّة في إيران.

ولدراسة العلاقة ما بين زيادة الموازنة المالية للجامعة (تقريبا زيادة بمقدار 1مليون دولار في كل عام) مع نشاطها المريب الذي تديره في المنطقة, وبخاصة في القارة الأفريقية, سنجد أن ازدياد ميزانية جامعة المصطفى قد بدأت في الارتفاع عام 2015, إذ أُقرت ميزانية العام المقبل 2016, ووصلت ميزانيتها حينها, كما ذكرنا سابقا في فقرة “ميزانية عام 2016”, إلى (57.8 مليون دولار) ومنذ ذاك التاريخ 2015-2016, وما بعد بدأت ميزانية الجامعة بالارتفاع التدريجي, وهذا يطابق تاريخ بدء تصدير جامعة المصطفى لفكرها ومدارسها وجامعاتها الدينية للقارة السمراء, وهو عام 2015.

ولتوضيح صورة ميزانية جامعة المصطفى بشكل أكبر, لا بد لنا من ذكر أمر مهم وهو أن هذه الجامعة هي أحد المؤسسات العشرة التي تدار مباشرة من قبل خامنئي, وتقوم بأخذ ميزانيتها مباشرة من الحكومة, وهي معفاة تماماً من دفع الضرائب الحكومية أيضا.[17]

وبالنظر إلى نشاط جامعة المصطفى الواسعة ومهماتها المريبة التي سنأتي على ذكرها لاحقاً؛ فإن ميزانية هذه الجامعة ما هي إلا صورة لحظية أو شكلية, فميزانية هذه المؤسسة الواقعية حالها حال جميع ميزانيات المؤسسات التي تتبع مباشرة لخامنئي (الحرس الثوري الإيراني وقوات البسيج وقوات فيلق القدس), فهي محرمة على النشر, ومن الممكن أن يكون لها مصادر مالية أخرى بعيداً عن الميزانية الرسمية الكلية للبلاد.[18]

جامعة المصطفى العالميَّة أداة متعدَّدة المهمات في يد النظام الإيراني

شكَّلت جامعة المصطفى أداة رائعة في يد النظام الإيراني لتنفيذ مهمات متعددة، وأولها كان تجنيد مرشحين لتنفيذ نشاط عسكريَّ في الخارج، بما في ذلك المشاركة المباشرة في حروب الوكالة الإقليميَّة، فمنذ قيام الثورة السوريَّة، صدر عدد من التقارير في وسائل الإعلام الإيرانيَّة حول جنازات لطلبة الجامعة ممن قتلوا في سوريا.

ففي شهر مارس/ آذار ٢٠١٧ أعلن أحد مسؤولي الجامعة أنَّ “عدداً من المقاتلين الأجانب الذين أرسلتهم إيران إلى سوريا كانوا طلاباً، ورجال دين في جامعة المصطفى العالميَّة”، وهذا ما أكده أعرافي خلال المقابلة أيضاً، ومن بين هؤلاء، رضا تافاسولي رجل الدين في الجامعة، قائد القوَّة الأفغانيَّة الفاطميَّة التابعة للحرس الثوري في سوريا الذي قتل عام 2014، والأعضاء المؤسسين للوحدة الباكستانيَّة الزينبيَّة التابعة للحرس الثوري في سوريا الذين كانوا طلاباً باكستانيين في معاهد “قم” الدينيَّة الإيرانيَّة.[19]

فأغلبيَّة طلاب هذه المؤسسة تلقوا تدريباتٍ عسكريَّة، في مقرَّات الحرس الثوري في إيران، لكن في الأعوام اللاحقة بدؤوا يخضعون لدورات عسكريَّة في مقرَّات الحرس الثوري في سوريا.[20]

ويُعدُّ تحريض الطلاب على القتال في سوريا، من بين المهمات الأخرى لجامعة المصطفى العالميَّة، فهي تُرسل داعيَّة ومبلّغاً شيعياً إلى الوحدات العسكريَّة، تكون مهمته تهييج القوَّات وتحريضها على المشاركة في الحرب، والقتال للدفاع عن حرم زعماء الشيعة في سوريا، وهذا يُماثل الخطة التي كان يتبعها النظام الإيراني في أثناء الحرب الإيرانيَّة – العراقيَّة للزج بالشباب الإيرانيين في أتون الحرب.[21]

ولجامعة المصطفى العالميَّة مهمات أخرى عدة، إذ ذكرت صحيفة “شرق” الإيرانيَّة في تقرير لها؛ أنَّ مهمة جامعة المصطفى الأولى، هي معرفة الشخصيَّات المواليَّة لنظام ولاية الفقيه في الخارج، وإيفادهم من بلادهم إلى إيران، والتكفُّل بمصروفات دراستهم في مدينة “قم” الإيرانيَّة، ثم إرجاعهم إلى بلدانهم الأصليَّة، ليكونوا نواباً لشعارات الثورة الخمينية التي تغذوا بها خلال وجودهم في إيران.[22]

ونذكر من بين هؤلاء الشخصيَّات في أوائل الثمانينيات، “حسين الحوثي” وشقيقه “عبد الملك الحوثي” ووالدهما “بدر الدين الحوثي” إذ قضى الثلاثة أكثر من عام في مدينة “قم” الإيرانيَّة تحت التدريب الديني والسياسي والأمني والإرهابي، من ثم استمرّوا في الذهاب والإياب من اليمن إلى إيران.[23]

وفي الوقت ذاته الذي كان ينظّم الحوثيون الثلاثة أنفسهم، قام النظام الإيراني في تاريخ 5 كانون الثاني/ يناير من عام 1995 بالتوقيع على اتفاقيَّة ثقافيَّة بين إيران واليمن، حتّى يوفّر أرضيَّة ملائمة، وعمليَّة لنشر الأصوليَّة والإرهاب وتوسيعها في اليمن الذي ما يزال الشعب اليمني يُعانيه إلى يومنا هذا.[24]

أمّا مهمات “جامعة المصطفى العالميَّة” اللافتة في العالم الإسلامي، فهي تنفيذ نشاط دعائيَّ حول “تحرير فلسطين” و”القضاء على إسرائيل” من أجل غلغلة الأيديولوجيَّة الإيرانيَّة داخل نفوس المسلمين من غير الشيعة، وذلك من خلال “تجمّعات القدس” في بلدان أفريقيَّة، مثل غانا ونيجيريا وجنوب أفريقيا ومدغشقر وزيمبابوي وكينيا وأوغندا وبوركينا فاسو.[25]

وفي ما يبدو، أنَّ النظام الإيراني عمد إلى صناعة جواسيس له، بعيداً عن سفارات بلاده، وذلك بعد افتضاح أمر سفارات النظام الإيراني في التوّرط في نشاط تجسسيَّ وإرهابيَّ في المنطقة التي لديها قسم مخصص لجمع المعلومات، وحتى يتمكّن هؤلاء الجواسيس من إنكار أيّ علاقة لهم بإيران، في حال كشفهم أو اعتقالهم، فضلاً عن الاستمرار في التجسّس، بعيداً عن الرقابة المفروضة على سفارات إيران في تلك الدول.

ولهذا السبب تقوم وزارة الخارجيَّة الإيرانيَّة بتسجيل فروع هذه الجامعة بوصفها مؤسسة غير حكوميَّة ومؤسسات أخرى لاستقطاب العناصر وتجنيدهم، وبخاصّة أنَّ لدى جامعة المصطفى آلاف الطلاب الأجانب الذين يدرسون في ما يُسمّى بـ”الحوزات العلميَّة” الإيرانيَّة، لا سيَّما “حوزة قم” حيث يُؤكد موقع جامعة المصطفى الرسمي، أنَّ أكثر من 50 ألف شخص ينتمون إلى 122 دولةً في العالم، قد تخرّجوا في هذه المؤسسة الدينيَّة خلال السنوات الماضيَّة، وعادوا إلى بلدانهم.[26]

ووفقاً للموقع الرسمي للجامعة، فإنَّ جامعة المصطفى العالميَّة لها “حضور فاعل ومؤثر” في “المناطق الاستراتيجيَّة في العالم”، فيما قام خريجو جامعة المصطفى بإنشاء شبكات في أكثر من 40 دولةً حول العالم, وفي كلٍّ من هذه الدول، أنشأ هؤلاء الأفراد رابطة خريجي جامعة المصطفى العالميَّة بحيث تجعلهم في ارتباط مستمرّ مع جامعة المصطفى في إيران بشكل كامل.[27]

وتعمل رابطة خريجي جامعة المصطفى العالميَّة في كلٍّ بلد على تفعيل التواصل والارتباط، في ما بينها على شكل شبكة، ويجري أيضاً استدعاء خريجين مختارين من جامعة المصطفى إلى إيران سنويّاً، بهدف الحصول على أحدث خبراتهم في سبيل الدفع بأهداف جامعة المصطفى نحو الأمام.[28]

كلّ ما سبق يُثير كثيراً من الشكوك حول خريجي هذه الجامعة الذين من الممكن أن يكون عدد منهم أعضاء في جهاز تجسُّسي تابع لمخابرات الملالي في هذه الدول، وهذا ما كشفه وزير الاستخبارات الإيراني السابق “علي فلاحيان” خلال مقابله له على التلفزيون الإيراني الرسمي إذ قال: “تعمل وزارة الاستخبارات على جمع المعلومات سواءً في داخل البلاد أم خارجها تحت غطاءات وظيفيَّة، مثل: “وظائف تجاريَّة، ورجال الأعمال، أو وظائف صحافيَّة”.[29]

الخاتمة

إنَّ صناعة التطرُّف ونشر الأفكار المشبوهة، تُعد أخطر من صناعة المليشيات الطائفيَّة ونشر الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فجامعة المصطفى العالميَّة بميزانيتها الضخمة ونشاطها الواسع في داخل إيران وخارجها، تُعدّ من أخطر جامعات صناعة التطرُّف، وذلك من خلال سعيها لخلق جيل ناشئ يترَّبى على أفكار وعقائد مشوَّهة، فضلاً عن استغلال الجامعة لعلاقات إيران السياسيَّة، والدبلوماسيَّة مع الدول الأخرى لتجنيد جواسيس تعمل لمصلحة مخابرات نظام الملالي، لذا من الضروري للغايَّة محاصرة نشاط النظام الإيراني التخريبيَّة والخبيثة بمختلف الوسائل والسبل، سواء أكان ذلك عبر إرساله ميليشيات، أو تجنيد طلاب جامعيين.