خامنئي هو الخاسر الأكبر في التطورات الأخيرة
الخاسر
خامنئي هو الخاسر الأكبر في التطورات الأخيرة – ماذا كان الهدف من تشيع جنازة “قاسم سليماني”؛ تشييع جنازة أسفرت عن مقتل 78 شخصا في كرمان وإصابة أكثر من 200 شخص. لماذا أطلق خامنئي دعاية للترويج للجنازة بعنوان “تشيع جنازة قاسم سليماني”؟ وللرد على هذا السؤال، يجدر بنا القول إن خامنئي فوجئ عند سماع الخبر، وباختصار أُصيب بالذهول والإحباط وحاول أن يرفع الروح المعنوية لقواته المحبطة من خلال تضخيم مشهد الجنازة المزيف.
دعم بشار الأسد تحت غطاء الدفاع عن الضريح
كان قاسم سليماني بالنسبة لخامنئي، عنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه ولا يمكن تعويضه، وذراعه الأيمن في المضي قدمًا في استراتيجية تصدير الإرهاب وتوسيع “العمق الاستراتيجي” للولي الفقيه حتى حلب ودمشق والبحر الأبيض المتوسط. وقاسم سليماني هو من أرسل الآلاف من قوات حرس نظام الملالي وميليشيات الباسيج من إيران وأفغانستان وحزب الشيطان اللبناني إلى دمشق، من خلال تزويد بشار الأسد بالوقود، وحال دون سقوطه بارتكاب حمامات من الدم في حماة وحمص وحلب، وغيرها من المدن.
احتلال العراق
بعد سقوط الحكم العراقي السابق على يد أمريكا، لم يمنح سليماني الشعب العراقي الفرصة في تولية حكومة يختارها الشعب على مدى 18 عامًا. ومنع ظهور الديقراطية وانتشارها في العراق مستغلًا عناصره من المرتزقة من أمثال الحكيم والمالكي وهادي العامري وفالح الفياض، وغيرهم. ونشأ العديد منهم في إيران خلال سنوات الحرب وتربوا في أحضان قوات حرس نظام الملالي. ومن خلال تعيينهم في مناصب رئيسية وإشعال الحروب الطائفية واغتيال المفكرين وعشاق الحرية العراقيين حوّل البلاد إلى مرعى لنظام الملالي. والجدير بالذكر أن هذا النظام الفاشي لم يستطع أن يحتل بلدة عراقية صغيرة واحدة على مدى 8 سنوات من الحرب، وفي النهاية قدمت أمريكا العراق برمته هدية على طبق من ذهب لهذا النظام.
لبنان، أمة انفرط عقدها
ومن الإنجازات الأخرى التي حققها المجرم قاسم سليماني؛ تحويل لبنان إلى دولة غير مستقرة سياسيًا؛ فقد تمكن من تحويل الحكومة اللبنانية إلى رهينة له، بتجنيد عدد من الأحزاب السياسية اللبنانية من ناحية، والدعم المادي لحزب الشيطان، بوصفه الذراع السياسي والعسكري، من ناحية أخرى، لدرجة أنه لا يمكن لأحد أن يشغل منصب رئيس الوزراء في لبنان دون دعم حزب الله، وكل من أراد الوقوف في وجه سيطرة حزب الله، وهو الاسم المستعار لنظام الملالي في لبنان، يلقى مصيره مثلما حدث مع رفيق الحريري. ويشكل لبنان جزءًا من أرض الهلال الشيعي الذي كان يطمح خامنئي في الاستيلاء عليها. وعلى الرغم من أن شباب لبنان يثورون الآن على الوضع الحالي، إلا أنه بالقضاء على قاسم سليماني، لاشك أنه قد سنحت لهم الآن أفضل فرصة لإرساء ديمقراطية جديدة في بلادهم.
اليمن، حرب الاستنزاف بالوكالة
إن الانقلاب في اليمن واستمرار الحرب التي كان من الممكن أن تنتهي قبل سنوات عديدة، ليست سوى إشعال النيران عبثًا لابتزاز الأموال من السعوديين والعرب. وإذا كان انقلاب الحوثيين قد نجح، لكانت العديد من المعايير مختلفة الآن في اليمن. فمهما طالت سنوات الحرب، فلن يحقق أي طرف انتصارًا على الآخر، حسبما يقول الخبراء العسكريون المستقلون، ولن تسفر سوى عن تدمير اليمن وقتل أبنائها. وربما يفتح اغتيال قاسم سليماني الطريق أمام اليمنيين للخروج من أزمات الحرب الأهلية.
مصير أحدث مثال لمجرم دولي
على مدى سنوات عديدة، استطاع المجرم سليماني وقوة القدس بافتعال التوترات ومختلف الحروب في المنطقة وبالإجحاف في إراقة الدماء أن يضلل العقول وينحرف بها عن تدخلات نظام الملالي إلى نقاط أخرى بشكل مستمر، مما منح الفرصة لخامنئي ونظام ولاية الفقيه لكي يمضوا قدمًا في مشاريعهم النووية والصاروخية. وأزال استغلال سياسة الاسترضاء السائدة في المناخ الدولي إلى جانب ذراع الإرهاب كافة العقبات المحتملة . وعلى مدى سنوات عديدة، كانت المقاومة المنظمة بقيادة رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي هي الجهة الوحيدة التي وقفت تناضل ضد نظام الملالي في كل موقف حساس، وأيقظت ضمير المجتمع الدولي لإدانة تدخلات هذا النظام وجرائمة في المنطقة.
التاريخ يعيد نفسه
يحكي التاريخ بكثرة عن المجرمين الذين ارتكبوا مذابح مروعة وجرائم ضد الإنسانية، ومما لا شك فيه أن هذا النوع من المجرمين متوفر بكثرة في نظام الملالي، من أمثال صياد شيرازي، قاتل الشعب الكردي، ولاجوردي، كبير جلادي سجن إيفين، ورئيسي، من المسؤولين الرئيسيين عن مذبحة السجناء السياسين عام 1988. كما أن جميع قادة قوات حرس نظام الملالي من بين الأشخاص الذين ارتكبوا عمليات قتل جماعي سواء في كردستان أو خوزستان، وغيرها. وكان سليماني أحد هؤلاء المجرمين الذين كانوا منهمكين باستمرار في التخطيط وإحاكة المؤامرات لنشر ديكتاتورية ولاية الفقيه. وكان ارتكاب الجرائم في هذا الصدد الآلة الوحيدة لتحقيق الهدف الذي وضعه نصب عينيه. وكانت ميزته الخاصة تتجسد في إخلاصه المطلق لخامنئي، واعترف بنفسه أنه “الجندي المطيع” للولي الفقيه. وكان خامنئي يثق فيه أكثر من أي شخص آخر، في حين أن المسؤولين الجلادين الآخرين في نظام الملالي فشلوا في أن ينالوا هذه المكانة لدى خامنئي.
والمثال الذي ينطبق تمامًا على هذا النموذج في التاريخ المعاصر، حدث في عهد هتلر: ففي مرحلة نمو النازية وانتشارها في جميع أنحاء أوروبا، كان هناك مجرم يدعى راينهارد هيدريش، يؤمن إيمانيًا عميقًا بالإيديولوجية النازية، وكان دائمًا ما يفكر ومنهمك في إعداد الخرائط والبرامج التي من شأنها أن تسقط أكبر عدد ممكن من اليهود والشيوعيين والليبراليين في الفخ والقضاء عليهم. وعندما تم القضاء على هذا الجلاد عديم الرحمة على يد الفدائيين المناهضين للفاشية، أقام له هيتلر أكبر مراسم لتشييع الجنازة بشكل غير مسبوق ليقلل من حرقته وغضبه من الضربة القاصمة التي تلقاها.
الهيمنة المنهارة
لا أحد، يمكن أن يدرك مثل خامنئي مدى تأثير غياب سليماني عن رئاسة جهاز تصدير الإرهاب، إذ يعلم خامنئي جيدًا مدى ضياع وانتهاك قوته في العالم العربي والمنطقة ولاسيما في العراق ولبنان بعد انقراض المجرم سليماني. كما يعلم خامنئي علم اليقين أن هيمنة ولايته قد تراجعت في المنطقة، وأن الهيكل الذي صنعه سليماني في المنطقة على مدى أكثر من 20 عامًا قد تصدع، وعلى شك الانهيار. ويعلم خامنئي أنه في غياب سليماني بدأت تظهر حركات التحرير في المنطقة بشكل أسرع من أي وقت مضى، وستكون أكثر جرأة على رفض هيمنته في المنطقة. وإضافة إلى ذلك، يعلم خامنئي جيدًا أنه ليس هناك أي قيادي حرسي آخر لديه القدرة على المضي قدمًا بجهاز تصدير الإرهاب الذي صنعه سليماني وفعّله. بيد أنه مضطر إلى أن يعين مجرمًا آخر يدعى قاآني.
لهذا السبب حاول خامنئي التعبير عن غضبه من غياب سليماني بإجراء مراسم ضخمة لتشييع الجنازة، وفي نفس الوقت يجري مناورة سياسية في هذا الصدد. وحاولت جميع أجهزة نظام الملالي في هذا الصدد تجميع أكبر عدد من المشاركين في تشييع جنازة المجرم؛ بسلاح العصا والجزرة وجلبوا الطلاب والتلاميذ بالتهديد بسلاح الحصول على الدرجات من عدمه، وهددوا الجنود والموظفين بسلاح التسريح من العمل من عدمه، وإغلاق المكاتب، وجلبوا المواطنين الفقراء الذين يعيشون في الأكواخ جنوب كرمان. وتقول صحيفة “خبربان” الحكومية في 8 يناير 2020، أنه خلال الـ 24 ساعة الماضية تم نقل الأفراد من المحافظات الأخرى إلى كرمان على متن94450 وسيلة مواصلات.
ومما لاشك فيه، أن الجميع يعلم أن نظام الملالي يتمتع بمهارة كبيرة اكتسبها خلال الـ 30 عامًا الماضية في التعبئة القسرية، ومع ذلك، فإن أهم درس من أحداث الأيام القليلة الماضية لا ينطوي إلا على حقيقة واحدة، وهي أن خامنئي هو الخاسر الأكبر من التطورات الأخيرة، وأن الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية أكبر الفائزين من هذه التطورات. وفي الواقع، لقد كبد خامنئي نظامه خسارة فادحة أخرى بإطلاق الصواريخ على قاعدتين للقوات الأمريكية في مغامرة أسفرت عن سلسلة من الخسائر.