لماذا يتخلى آلاف الأشخاص في إيران عن أطفالهم حديثي الولادة
الأطفال حديثي الولادة يجلبون الفرح لأسرهم. فالبعض يعتبرهم قطعة من جنة الله على الأرض. تعاني الأم من الألم لمدة تسعة أشهر لإنجاب طفلها، معتبرة أنه حب حياتها. لكن الأخبار الواردة من إيران تشير إلى أن الفقر والجوع اللذين تسبب فيهما النظام الفاسد الحاكم يجبران بعض الأمهات على التخلي عن أطفالهن حديثي الولادة في الشوارع، وذلك لعدم قدرتهن على إطعامهم وتربيتهم والحفاظ عليهم بصحة جيدة.
انتشرت المئات من مقاطع الفيديو التي تدمي القلوب على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا، تظهر أطفالًا حديثي الولادة متروكين في الشوارع في أكياس بلاستيكية في عشرات المدن الإيرانية. تم نقل هؤلاء الأطفال في وقت لاحق إلى المستشفيات المحلية، لكن لا أحد يعرف ماهو مصير هؤلاء الأطفال.
في 28 مايو/ أيار 2022، ذكرت وسائل الإعلام الحكومية التابعة لنظام الملالي أنه تم العثور على أكثر من 5000 طفل حديث الولادة في جميع أنحاء إيران في أقل من عشرة أيام. حدثت هذه المأساة في الوقت الذي وافق فيه نظام الملالي على ما يسمى بـ “خطة الشباب” وكان يروج لها.
ونقل موقع رويداد 24 الحكومي عن محمد رضا محبوب فر، اختصاصي علم الأمراض الإيراني، قوله “لم تسهل الخطة زواج الشباب ولا ترقى إلى مستوى تحسين نوعية حياة المواطنين، لأن السلطات يجب أن تخلق الرفاهية للمواطنين لتشجيع الزواج والإنجاب. لا توجد حوافز حقيقية للإنجاب، والأشخاص الذين يحاولون إنجاب الأطفال على أمل هذه الحوافز يتكبدون تكاليف ولادة أطفالهم وتربيتهم. وفي نهاية المطاف، يحاولون الإجهاض أو يتخلون عن أطفالهم في الشارع “.
وأكدّ محبوب فر أن السلطات تسببت في تضاعف معدل الإجهاض من خلال الموافقة على هذه الخطة. وبدلاً من توفير بيئة آمنة للإجهاض، فهم يلاحقون هؤلاء الأمهات اللواتي ينوين القيام بذلك بشكل قانوني. وبالتالي، تحاول العديد من الإيرانيات الإجهاض بشكل غير قانوني، مما يزيد من المخاطر الصحية.
يعتقد الكثيرون أن مقولة إرنست همينغوي الشهيرة “للبيع: أحذية أطفال، لم تُلبس أبدًا” هي القصة الأقصر، ولكنها الأكثر حزنًا. لكن العديد من الإعلانات على الجدران في جميع أنحاء إيران لآباء يبيعون أطفالهم الذين لم يأتوا بعد إلى الدنيا، من شأنها أن تؤذي وبشدة أي إنسان. تخجل الجدران في جميع أنحاء البلاد من آلاف الإعلانات التي تروج لأشخاص يبيعون أطفالهم الذين لم يولدوا بعد أو حتى أجزاء من أجسادهم بسبب سوء الحكم والنظام الفاسد في البلاد.
في ديسمبر/ كانون الأول 2021، اعترفت وسائل الإعلام الحكومية ببعض الحقائق حول هذه المأساة التي أظهرت الوجه المروّع للفقر في إيران.
نقل موقع تابناك الحكومي عن حبيب الله مسعودي، نائب منظمة الشؤون الاجتماعية للرعاية الاجتماعية، في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2021، “على مدى الأشهر الستة الماضية، شهدنا زيادة في مبيعات الأطفال في جميع أنحاء البلاد”.
واعترف مسعودي بأن العديد من الإيرانيات يبعن أطفالهن الذين لم يولدوا بعد مقابل 1،000،000 ريال، أو 3 دولارات!
وفي عام 2015، كتب موقع جام جم الحكومي قصة مأساوية “قبل ستة أشهر، صدمني إعلان قصير في العاصمة طهران:” نبيع طفلنا الذي لم يولد بعد”. اتصلت بالرقم ووصلت إلى زوجين شابين باعا جنينهما البالغ من العمر 5 أشهر بالمزاد”.
وبحسب هذا التقرير، فقد تمكّن الوالدان أخيرًا من بيع طفلهما الثمين مقابل 50 ألف ريال، أو حوالي 152 دولارًا. وأضاف الوالدان للمراسل “كانت لدينا آمال كبيرة في بناء أسرة جميلة، لكننا لم نتمكن من ذلك. لقد جربنا كل عمل، ولكن دون جدوى. “لم نرغب أبدًا في تدمير حياة ابننا”.
في أبريل / نيسان 2022، أظهرت صور نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، زهرة مشير، زوجة رئيس مجلس النواب الإيراني محمد باقر قاليباف، ورفيقَين آخرين عائدين من تركيا، وهما ابنته مريم قاليباف، وزوجها محمد رضا بحیرایی.
وصلوا إلى طهران قادمين من العاصمة اسطنبول ومعهم 19 شنطة، بما في ذلك شحنة ضخمة ومكلفة من أغراض الأطفال لمولودهم الذي لم يولد بعد. أحدثت هذه الأخبار ضجة كبيرة في المجتمع الإيراني، حيث أطلق عليها مستخدمو الإنترنت اسم “سیسمون غیت” على غرار قضية “إيران غيت”.
كانت هذه الأنباء هي الأخيرة بشأن تمتع أقارب مسؤولين في النظام بحياة مترفة. تنتشر على الإنترنت صور أطفال كبار المسؤولين في نظام الملالي يقودون سيارات فاخرة أو يرتدون ملابس ومجوهرات باهظة الثمن.
بسبب فساد النظام وعدم الكفاءة وسوء الإدارة، يواجه المواطنون الإيرانيون كارثة مالية خطيرة. حيث تقترب نسب التضخم فوق 40٪، والملايين عاطلون عن العمل، والأطفال يبحثون عن الطعام في صناديق القمامة، وتلجأ النساء إلى الدعارة لكسب لقمة العيش، وأخريات تبيع أجزاء من أجسادهن أو أطفالهن الذين لم يولدوا بعد “للبقاء على قيد الحياة”.
لا أحد يستمتع بالحياة في إيران في ظل نظام الملالي، حيث تشجع السلطات الناس على التقشف وتنهب الثروة الوطنية وتعمل على تبديدها الإرهاب أو تمويل أقاربهم.
تُظهر الاحتجاجات المستمرة في جميع أنحاء البلاد من قبل أشخاص من جميع مناحي الحياة جانبًا آخر للفقراء الإيرانيين، ولكنهم شجعان. حيث يشير المتظاهرون بصوت عالٍ وواضح إلى جذور مشاكلهم عندما يرددون شعارات عن مسؤولي النظام. وهذا أكثر ما يخيف النظام.
كتبت صحيفة مستقل الحكومية اليومية في هذا الصدد في 6 يونيو/ حزيران “يجب على المسؤولين ترك حياتهم الفخمة، وبعدها دعوة الناس إلى التقشف الاقتصادي. لا يمكننا وقف ارتفاع الأسعار عن طريق إصدار الأوامر. فالتضخم لا يستجيب لهذه الكلمات ويستمر في الارتفاع. كما أن النظام الحاكم يتحمل كامل المسؤولية عن الوضع الحالي للمواطنين”.