على الدول الغربية دعم تغيير النظام في إيران
تعتبر ثورة 1979 الإيرانية من أهم أحداث أواخر القرن العشرين. حيث أدّت الإطاحة بمحمد رضا شاه وظهور حكومة ثيوقراطية إلى إعادة تشكيل إيران، وتحويل ميزان القوى بشكل كبير في الشرق الأوسط، وخلق تحديات خطيرة للنظام الجيوسياسي العالمي، وهي تحديات لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. غيرّت ثورة الشعب المناهضة للشاه عام 1979 والتی استغلها الملالی الوجه القديم للمنطقة بشكل دائم وجلبت تحديات للحكومات الأمريكية والأوروبية. التحديات التي لم تسمح لهم بالتنفيذ الكامل لسياسة متماسكة تجاه ديكتاتورية الملالي التي حلّت محل دكتاتورية الشاه.
بعد مرور 43 عامًا على تأسيس نظام الملالي في إيران، حاولت الدول الغربية على جانبي المحيط الأطلسي وطبقت مناهج مختلفة تجاه إيران، وهي دولة ذات أهمية استراتيجية ومليئة بالتوترات العرقية والدينية والسياسية. كانت هذه السياسات، في بعض الأحيان، متشابهة، وفي بعض الأحيان، أظهرت اختلافات كبيرة. النظام في طهران، الذي استشعر هذا الارتباك والشكوك بين الدول الغربية، انخرط في أنشطة متضاربة وخبيثة في كل من إيران وخارجها لإبقاء الغرب في لعبة لا تنتهي من التخمينات والآمال.
فضح خداع النظام
في أغسطس/ آب 2002، أصدرت مجموعة من المعارضين الإيرانيين إعلانًا مذهلًا في مؤتمر صحفي في العاصمة واشنطن، علي رضا جعفر زاده، ممثل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أخبر العالم أن حكومة الملالي لديها برنامج نووي سري وأنها تقوم ببناء منشأتان جنوب العاصمة طهران في وسط إيران ستكونان قادرتين على إنتاج مواد يمكن أن تكون وقودًا لسلاح نووي. على الرغم من التساؤلات حول مصدر المعلومات، ثبتت صحة ادّعاء المعارضین بأن نظام الملالي لديه برنامج نووي سري. وأكدّت مجموعة مراقبة تابعة للأمم المتحدة وحكومة الملالي في وقت لاحق المواقع المخفية، وهي مصنع لتخصيب اليورانيوم في نطنز ومصنع للمياه الثقيلة في أراك. أظهر النظام في طهران، الذي تم القبض عليه بالجرم المشهود، مجموعة من الخداع والأكاذيب لإخفاء نواياه النووية الحقيقية، أحدها أن اليورانيوم المخصّب كان يهدف فقط إلى توليد طاقة نووية سلمية.
بعد تأخير طويل وربما مزيد من التقدم في الأنشطة النووية لنظام الملالي، ردّ المجتمع الدولي بكل من الإدانات ومحاولات التفاوض مع القوة النووية المزدهرة المحتملة، نظام الملالي الذي تم وصفه بالفعل بأنه أحد أكبر منتهكي حقوق الإنسان ونظام لدولة راعية للإرهاب. أخذت أوروبا زمام القيادة الدبلوماسية في سلسلة من المفاوضات البطيئة وغير المؤذية على مدى السنوات القليلة المقبلة، ولم ينتج عنها سوى نظام أكثر جرأة في العاصمة طهران مجهزًا بتكنولوجيا نووية أكثر تقدمًا في ترسانته.
الغريب، على الرغم من أن الكشف عن الأسلحة النووية أثرّ بقوة على وجهات النظر الدولية حول التهديدات التي يشكلها نظام الملالي، إلا أن الحكومات الغربية كانت متمسكة بالفكرة الفاشلة القائلة بأن بإمكانهم تغيير سلوك النظام من خلال تقديم التنازلات وتحديد إنذارات لا معنى لها. بل على العكس من ذلك، فقد ثبت أن نهج الدول الغربية السلبي وغير المبالي إلى حد ما تجاه تهديد نظام الملالي غير فعّال في تغيير نظام سلوك الملالي أو ترويض تطلعاته إلى الهيمنة الإقليمية.
“جزّار طهران” كرئيس معين لنظام الملالي من قبل خامنئي
قبل حوالي عام، وتحديدًا في 18 يونيو/ حزيران، تم تنصيب إبراهيم رئيسي كرئيس جديد لنظام الملالي من قبل المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي. لا توجد انتخابات حرة في إيران، حيث يتمتع الملالي بالسلطة النهائية وقد يتم استبعاد المرشحين حسب رغبة مجلس صيانة الدستور. حتى بهذه المعايير، كانت الانتخابات الرئاسية في إيران لعام 2021 مهزلة. وحصل رئيسي، الذي لطالما كان معاديًا للغرب ويخضع لعقوبات أمريكية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، على موافقة خامنئي النهائية كرئيس للنظام. وتم انتخابه في يونيو/ حزيران في انتخابات يقول كثير من الإيرانيين والجماعات الغربية إنه تم تزويره. حتى قبل أن يصبح رئيساً للنظام، كان رئيسي يُعرف باسم “جزّار طهران” لدوره في الإعدام الجماعي لنحو 30 ألف سجين سياسي في عام 1988.
عدم كفاءة رئيسي
إن زيادة الضرائب والتعريفات، وفرض رسوم الاشتراك على العديد من الخدمات والتراخيص، وتصاريح البناء، ورفع أسعار السلع، وغيرها من الأمور، كانت طريقة النظام لتعويض عجزه والحفاظ على تدفق الأموال إلى وكلائه الإرهابيين في المنطقة وقواته الأمنية الوحشية داخل البلاد. كانت الزيادة الحادة الأخيرة في أسعار الخبز أحدث جولة من القرار الاقتصادي لهذا النظام الذي ضاعف من الضغط على المواطنين الإيرانيين.
أدّت حلقات النظام من المسؤولين الفاسدين، بدءاً من قمة الهرم المتمثلة في علي خامنئي، والفساد المؤسسي، والوزراء والمسؤولين غير الأكفاء، والمستوى غير المسبوق من القمع والظلم الاجتماعي، إلى زيادة غضب الإيرانيين العاديين الذين خرجوا إلى الشوارع في الأشهر الأخيرة لتنظيم سلسلة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء إيران.
الإيرانيون يمقتون النظام في احتجاجات الشوارع
بدأت أحدث هذه الاحتجاجات على مستوى البلاد والغضب العام الشهر الماضي بسبب قرار الحكومة بإلغاء الدعم عن المواد الغذائية الأساسية. تضمّن تأثير هذا القرار ارتفاعًا فوريًا بنسبة 400 بالمئة تقريبًا في سعر زيت الطهي وزيادات كارثية مماثلة في أسعار الدجاج والبيض ومنتجات الألبان والخبز والمعكرونة. بدأت المظاهرات في 6 مايو/ أيار، بشكل أساسي في مقاطعة خوزستان، وامتدّت إلى مدن أخرى. كما نظمّت احتجاجات مناهضة للحكومة في أعقاب انهيار مبنى من 10 طوابق في مدينة آبادان جنوب غرب إيران، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات. كانت الكارثة نتيجة مباشرة للفساد المستشري والمحسوبية التي ساهمت في أنتاج بناء دون المستوى.
بعد أقل من شهرين من احتجاجات 2019 على مستوى البلاد، نزل الإيرانيون إلى الشوارع مرة أخرى ردًّا على محاولة النظام التستر على ضربة صاروخية أسقطت طائرة تجارية بالقرب من العاصمة طهران في يناير/ كانون الثاني 2020. وجّه العديد من المشاركين في تلك المظاهرات احتجاجاتهم بشكل مباشر على الكيان المسؤول عن تلك الضربة، قوات حرس نظام الملالي، على الرغم من أنه كان أيضًا المرتكب الرئيسي لعمليات إطلاق النار الجماعية في نوفمبر/ تشرين الثاني السابق.
منذ يناير 2020 وكذلك طوال العام الذي تلاه، شوهدت أعمال احتجاجية في جميع أنحاء البلاد، وقوبلت جميعها بالعنف والقمع. لكن انتشار هذه الاحتجاجات أثبت عدم فاعلية حملة القمع الحكومية والرد الدموي. لطالما ألقى مسؤولو النظام، بما في ذلك خامنئي، باللوم على الدول الأجنبية والقوى الأجنبية باعتبارها السبب الرئيسي للاضطرابات الاجتماعية والمظاهرات في إيران. واتهمّ المرشد الأعلى لنظام الملالي “أعداء” إيران بإثارة الاضطرابات في محاولة للإطاحة بجمهورية الملالي. وأضاف إن العدو “يأمل في قلب الشعب ضد النظام بوسائل نفسية عبر الإنترنت والمال وتعبئة المرتزقة”.
تغيير النظام الآن ممكن أكثر من أي وقت مضى
تُسمع شعارات “الموت لخامنئي” و “الموت لرئيسي” و “فليسقط الملالي” في معظم الاحتجاجات في جميع أنحاء إيران. حشدت قوات حرس نظام الملالي سيئة السمعة إلى جانب شرطة مكافحة الشغب وتسليحها لقمع هذه الاحتجاجات السلمية بالغاز المسيّل للدموع وبنادق الحبيبات والذخيرة الحية.
الرسالة المسموعة في كل هذه الاحتجاجات واضحة وبسيطة. الشعب الإيراني مستعد لتغيير النظام. ومن الواضح أن الغرب بحاجة إلى استراتيجية جديدة تتماشى مع الواقع الجديد المتنامي على الأرض في إيران. استراتيجية تعترف برغبة الشعب الإيراني في تغيير النظام كحل أكثر قابلية للتطبيق للمشاكل الناشئة من نظام الملالي وتقرّ رسميًا بحركة المقاومة التي تدفع من أجل هذه النتيجة من داخل البلاد.
لم يتم تقديم مثل هذه الإستراتيجية في العقود الأربعة الماضية لأن صانعي السياسة الغربيين وقعوا في مأزق وهمي بشكل كبير، معتقدين أن خياراتهم الوحيدة هي قبول التكوين الحالي لحكومة الملالي أو إزاحتها بقوة السلاح وقبول الفوضى التي تأتي مع ترك دولة بلا قيادة.
لكن هناك درسًا واضحًا يمكن استخلاصه من الانتفاضات الثماني ضد النظام في السنوات الأربع والنصف الماضية: شعب إيران مستعد لإنهاء حياة نظام الملالي.
لتحقيق هذا الهدف المتمثل في الحرية والديمقراطية في إيران، ومن أجل الاستقرار في المنطقة، ومن أجل قضية السلام في العالم، يجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تنفيذ موقف عبر الأطلسي يدعم علانية تغيير النظام في إيران من قبل الشعب الإيراني ومقاومته. ستسهل هذه السياسة انتقال البلاد إلى الديمقراطية.