هل تنجح استراتيجية نظام الملالي في تجريد مقتدى الصدر من سلطته الدينية؟
يوم الثلاثاء الماضي، بعد يومين فقط من إعلانه عن استقالته من السياسة بعد مقتل ما لا يقل عن 30 من أتباعه وإصابة مئات آخرين في اشتباكات مع قوات الأمن والميليشيات المدعومة من جمهورية الملالي أثناء اقتحام المنطقة الخضراء الأكثر تحصينًا في العراق. شدّد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في مؤتمر صحفي على أن تقاعده هو قرار نهائي. أمر الصدر أتباعه بإغلاق جميع الوظائف السياسية للتيار الصدري وإيقاف الاشتباكات العسكرية مع الفصائل الشيعية المسلحة الأخرى المدعومة من نظام الملالي. حتى أنه أمر بوقف احتجاجات الصدريين السلمية وعودة المحتجّين إلى منازلهم.
نزل متظاهرو مقتدى الصدر صاحب النفوذ الكبير الذي لديه ملايين من المؤيدين المخلصين في جميع أنحاء العراق، بعضهم يضمّ ميليشيا مسلحة، يومي الاثنين والثلاثاء الاثنين والثلاثاء على المنطقة الخضراء في بغداد واشتبكوا مع قوات الأمن العراقية والفصائل السياسية الشيعية المتنافسة المدعومة من نظام الملالي بعد أن أعطى الصدر إعلان غير متوقع على تويتر يقول إنه سيعتزل السياسة إلى أجل غير مسمى.
واقتحم المتظاهرون مقر مجلس الوزراء العراقي وأزالوا الحواجز الأسمنتية التي نصبت لحماية القصور الجمهورية والرئاسية إضافة إلى المؤسسات الحكومية والسفارات في بغداد.
وقبل ذلك بشهر واحد فقط، نظمّت أعداد كبيرة من أتباع الصدر مسيرة في المنطقة الخضراء، المنطقة شديدة الحراسة في العاصمة، والتي تضم العديد من المباني الحكومية والبعثات الدبلوماسية. أراد المتظاهرون التعبير عن رفضهم ترشيح محمد السوداني، من كتلة منافسة متحالفة مع نظام الملالي، لرئاسة الوزراء. بعد وقت قصير من نشر الصدر رسالة على تويتر دعا فيها المتظاهرين إلى المغادرة يخبرونهم أن رسالتهم قد “تم إيصالها وتم إرهاب الفاسدين”، بدأ المتظاهرون الانسحاب من مجمع البرلمان في المساء.
واندلعت احتجاجات الصدريين الشهر الماضي بعد فوز كتلة الصدر بأعلى عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 والتي تمت فيها هزيمة الأحزاب الموالية لجمهورية الملالي، مما أدى إلى حكومة متعثرة. في هذه الاحتجاجات، بدا أن الصدر يريد إرسال رسالة تؤكد سيطرته على أتباعه، حيث يرسل تحذيرًا لمنافسيه في التحالف المدعوم من نظام الملالي بأنه قد يصطدم بهم إذا استمروا في تشكيل حكومة جديدة برئاسة مرشحهم محمد السوداني. كما أراد الصدر أن يخبر منافسيه في إطار التنسيق أنه لا ينبغي تجاهله أثناء محاولتهم تشكيل حكومة جديدة بدونه، وأنه لا يزال قادرًا على تغيير النظام السياسي في العراق.
كان السوداني عضوًا في دولة القانون التي يقودها نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق والعدو القديم لمقتضى الصدر. أراد المالكي منصب رئيس الوزراء لنفسه، لكن تم تسريب تسجيلات صوتية تظهر أنه كان يهاجم وينتقد الصدر وحتى حلفاءه الشيعة. لقد كلّفت التسريبات المالكي خسارة ترشيحه. ويقال إن السوداني هو مرشح المالكي لمنصب رئيس الوزراء المقبل في العراق. ومع ذلك، ينظر الموالون للصدر إلى السوداني، الذي كان وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق في العراق، على أنه شخصية يمكن للمالكي أن يفرض سيطرته على العراق من خلالها.
لماذا قررّ الصدر ترك السياسة؟
وجاء اقتحام التيار الصدري للمنطقة الخضراء يوم الاثنين والذي أدى إلى اشتباكات عنيفة مع الميليشيات الشيعية المتنافسة الموالية لنظام الملالي بعد فترة وجيزة من إعلان الصدر أنه سيترك السياسة إلى أجل غير مسمى وأمر بإغلاق مكاتب الصدر في جميع أنحاء البلاد. تسبب انسحاب الصدر في اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق وزاد من حدة التوترات المشتعلة بالفعل في البلاد.
ويفسر الكثيرون تحرك الصدر على أنه تمرد على جمهورية الملالي التي تتدخل في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أدى إلى سقوط صدام حسين عام 2003. على وجه التحديد، كانت استقالة الصدر رداً على تصريح من رجل الدين الشيعي المقيم في إيران آية الله العظمى كاظم الحائري، الذي يتبعه العديد من الصدريين في الأمور الدينية.
الحائري هو خليفة آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر. كما كان أحد تلاميذ عم الصدر الراحل محمد باقر الصدر الذي تم إعدامه عام 1980 لدعمه ثورة الملالي وزعيمها آية الله روح الله خميني، المرشد الأعلى.
وقال حائري في بيانه إن استقالته كمرجع (رجل دين تعلم ما يكفي ليكون مرشدًا دينيًا لأتباعه) كانت بسبب مشاكل صحية وتقدمه في السن. وأشار إلى أنه كان يغلق مكتبه ولم يعد يقبل الضرائب الدينية.
الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في بيان الحائري هو أن رجل الدين قال لأتباعه أن يتبعوا المرشد الأعلى لنظام الملالي آية الله علي خامنئي بدلاً من ذلك. وردًا على تصريح الحائري غرّد الصدر بأنه على الرغم من عدم وصوله إلى مستوى المرجع، لا يزال بإمكانه الترويج للخير ومنع الشر بين المسلمين.
في حين أنه زعيم لحركة جماهيرية متجذرة في الهوية الدينية، فإن الصدر على عكس والده، الحائري أو المرجع الشيعي الأعلى في النجف آية الله العظمى علي السيستاني، ليس مرجعًا. هذا الموضوع يعني أن أتباع الصدر بحاجة إلى البحث عن مرجع لمتابعة الأمور الدينية بعد استقالة الحائري.
وجاءت مضاهاة الصدريين للحائري بعد وفاة والد مقتدى الصدر الذي نصح أتباعه بذلك بعد وفاته. في بيانه، هاجم الحائري الصدر بشكل غير مباشر بقوله إنه يفتقر إلى المؤهلات الدينية والسلطة ليكون مرجعًا. كما اتهم الصدر باستخدام الخطاب الخلافي واستغلال إرث عائلته (والد الصدر محمد محمد صادق الصدر وعمه محمد باقر الصدر).
تقاعد الحائري المقيم في مدينة قمّ المقدسة في إيران والموالي بشدة للزعيم الأعلى لنظام الملالي آية الله علي خامنئي لم يسبق له مثيل بين المراجع الشيعية في العالم. وبشكل أكثر تحديدًا، طلبه لأتباعه الاقتداء بخامنئي في إيران. تشير خطوة الحائري إلى أن نظام الملالي تحاول تجريد الصدر من سلطته الدينية ودفع أتباعه إلى الاقتداء بخامنئي.
على مدى الأشهر القليلة الماضية بعد أن وصل الوضع السياسي في العراق إلى طريق مسدود قد يؤثر سلبًا على موقف حلفائه، أرسل نظام الملالي إسماعيل قاآني إلى بغداد. قاآني هو قائد قوة القدس الإرهابية لنظام الملالي، وهو جزء من قوات حرس نظام الملالي (IRGC) وهو مسؤول فقط أمام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. قام قاآني بزيارات عديدة إلى بغداد بهدف دعم حلفاء نظام الملالي وأمرهم بالحفاظ على وحدتهم.
هل استراتيجية نظام الملالي لإضعاف مقتدى الصدر ناجحة؟
من غير المرجّح أن تنجح الاستراتيجية الإيرانية المتمثلة في تجريد الصدر من سلطته الدينية من خلال الأمر بتقاعد الحائري، وذلك ببساطة لأن العلاقة بين الصدر والحائري قد توترت حتى قبل صعود الصدر بعد غزو العراق عام 2003. بل على العكس من ذلك، فإن هجوم الحائري على الصدر وطلبه من أتباعه (بعضهم من التيار الصدري) باتباع خامنئي بدلاً من ذلك، فمن المرجّح أن ينقلب أتباع الصدر على الحائري.
يبدو أن نظام الملالي قد استهان بسلطة الصدر الذي يرى أتباعه والمتعاطفون معه في العراق أنه الزعيم السياسي الأكثر شرعية الذي يمكنه تمثيل الشيعة حقًا في العراق نظرًا لأنه نجل الراحل آية الله العظمى محمد صادق الصدر الذي قاد إحياء الحركة الإسلامية في العراق في التسعينيات. ويرى العراقيون الموالون للصدر أن كل السياسيين الشيعة الآخرين عادوا إلى العراق من المنفى بمساعدة قوات الاحتلال بعد عام 2003 وهؤلاء السياسيون قد رعاهم نظام الملالي لتنفيذ أجندة نظام الملالي.
قد يكون نظام الملالي مخطىء في قدرته على إضعاف الصدر بهذه الطريقة بالنظر إلى أن الصدر يتمتع بدعم شعبي هائل يضم ملايين العراقيين من جميع أنحاء العراق، خاصة بعد أن أصبح الصدر الملك السياسي للشيعة في العراق بعد انتصار الصدريين في انتخابات أكتوبر 2021.