قراءة في حدث المؤتمر العربي لمساندة الثورة الإيرانية
حضور عربي نوعي منسجم متناغم في مؤتمر بروكسل لدعم الإنتفاضة والمقاومة الإيرانية وإجماع على شراكة المحنة والأهداف وضرورة وحدة الكلمة وآليات المواجهة، وتشخيص أن المواجهة مع نظام الملالي باتت في مرحلة لم تعد تقبل التراجع فالعدو من أمامكم والبحر من ورائكم، وكل من يساند نظام الملالي الإرهابي في مواجهته للثوار العزل اليوم يضع نفسه في الجانب المعادي للشعب الإيراني وشعوب ودول المنطقة والدول المتضررة الأخرى من هذا النظام، لذا كانت رسائل المؤتمر واضحة ومتعددة الجوانب وشملت الإتحاد الأوروبي الذي لا يزال يتبع نهج الإسترضاء والمهادنة المُهينة مع نظام الملالي متناسيا ما رفعه من قيم ومبادىء على مر العقود الطويلة الماضية وبموقف الإتحاد الأوروبي هذا الرافض لتصنيف الحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب لا يكون قد طعن في شرعية برلمانه وتغاضى عن ثقافة وإرادة شعوبه فحسب بل طعن الشرعية الدولية التي يمثلها هو في الصميم ويكون قد أعلن أن مواقفه التي أعلنها فيما مضى كانت مجرد شعارات للإستهلاك الإعلامي ليس إلا، وباتت الحقائق واضحة عندما وضعه البرلمان الأوروبي بأغلبية القرارعلى محك الإختبار لينكشف المستور.
لم يدُر في خلدي أبدا ولم أتوقع أن يكون المؤتمر العربي لمساندة الثورة الإيرانية المنعقد في بروكسل في السابع والعشرين من يناير 2023 بهذا الحجم من الحضور النوعي والزخم والتأييد الكبيرين من سياسيين وبرلمانيين بارزين ومثقفين ومفكرين ونشطاء عرب سواء كانوا من الدول المحتلة من قبل نظام الملالي الدكتاتوري أو الدول المتضررة بشكل مباشر وغير مباشر، والأكثر إثارة للإعجاب لم يكن حجم النوع الحاضر والمشارك فحسب بل أن خطابات جميع من شاركوا كانت موجهة ومباشرة واضحة وقد صيغت بعناية فائقة ولغة دقيقة، علما بأن الكثيرين من الحضور لم تتاح لهم فرصة المشاركة بكلماتهم لضيق الوقت وقد جاءوا جميعا من بلدانهم ومحال إقامتهم البعيدة ليس من أجل الحضور في المؤتمر بل من أجل المشاركة الفاعلة في المؤتمر وإنجاحه وإرسال رسالته، وستستمر رسائل المؤتمر حتى ما بعد المؤتمر.
لقد شارك الجميع مؤمنين بالثورة الإيرانية منذ قيامها وسرقتها عام 1979، وفوق ذلك كله أقر المشاركون جميعا بشرعية الإنتفاضة الجارية النابعة من عمق وتنوع معاناة الشعب الإيراني بجميع مكوناته، وحجم مظلوميتها وما يتعرض له الثوار من قتل وإعدام وخطف وإغتيال وتنكيل واعتقال طال الجميع نساءا ورجالا ويافعين وأطفال، ومن خصائص هذا المؤتمر أن جميع الحاضرين كانوا ملمين بأدق التفاصيل لما جرى ويجري في إيران وخاصة بأحداث الإنتفاضة الإيرانية التي كانت قامت قائمة ولم تخمد منذ ثورة المرحوم الدكتور محمد مصدق ومنذ ثورة فبراير 1979 التي سرقها كبير الملالي الذين رفضهم الشعب ورفضتهم القوى الوطنية الحقيقية وقد توالت عمليات الرفض طيلة 43 سنة قاسية دفعت فيها المقاومة الإيرانية ثمنا باهظا وقدمت فيها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية أكثر من 120 ألف شهيد، وتتابعت المواجهة والإنتفاضات في وجه حكم الملالي غير الشرعي القائم بإسم الدين على الإكراه ولا إكراه في الدين، وأبسط نقض لشرعيتهم هو خروجهم عن أصول الدين وثوابته، وقد تأججت هذه الإنتفاضات المتواصلة إثر مقتل الفتاة الكردية البريئة وغيرها من بنات الشعب الإيراني اللائي قُتِلن بأبشع الطرق الوحشية التي لا تنم عن وجود سلطة دينية ولا وطنية شرعية حقيقية في إيران، ولم يكتفي هذا النظام بنشر ظلمه وطغيانه وخرافاته على شعبه فحسب بل راح يسوقه وينشره بالدم والفتن على دول وشعوب المنطقة وشعوب أفريقيا والعالم من خلال ما يسمى بـ الحرس الثوري أو من خلال الميليشيات المرتزقة التابعة له، والحال في العراق واليمن وسوريا ولبنان والأردن شواهد حية على ذلك.
خلص المؤتمر مشخصا الانتفاضة المنظمة تنظيما وقيادة مكناها من الإستمرار منذ أوساط شهر سبتمبر متواصلة إلى اليوم وحتى إسقاط النظام، كما أشاد الحضور إلى الدور البارز لوحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق المنتشرة في كافة أرجاء اداخل الإيراني، وكذلك إيمان الحاضرين بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كبديلا شرعيا ديمقراطيا للنظام مشيدين ببرنامج المواد العشر للسيدة مريم رجوي كبرنامج يمثل خلاصا ومستقبلا أفضل لإيران ديمقراطية حرة وغير نووية تكون السلطة فيها للشعب ويتساوى فيها الجميع تحت مظلة القانون وتُحترم فيها مبادئ الحريات وحقوق الإنسان.
المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كان حاضرا أيضا حيث أطلت السيدة رجوي على الحضور من خلال شاشة الفيديو كنفرانس مجسدة قيم أخلاقية وثورية عالية إذ حيت الجميع فردا فردا وعظمت وأجلت كبار السن من المشاركين، وقد بدا واضح من خلال كلمتها ما معناه أنه لم يعد هناك مجالا لمواقف المناورة والكيل بمكيالين وعلى من يريد أن يقف إلى جانب الشعب الإيراني هناك نقاط محددة يجب أن يقر بها وعلى من يريد أن يقف من خلال سياسة الإسترضاء أن يكون واضحا دون مزايدات وتناقضات وليعلم أن الشعب هو المنتصر وأن النظام سيسقط لا محالة ولولاالمؤامرات وسياسة المهادنة والإسترضاء لكان نظام الملالي على حد تعبير أحد الكتاب والمحللين السياسيين الإيرانيين البارزين مكفنا الآن بـ 44 كفنا، وتُحيي كل سنة ذكرى تكفينه، ومن النقاط التي أشارت إليها السيدة رجوي كثوابت نورد منها هنا:
– إعلان قوات حرس النظام الإيراني كياناً إرهابياً وحظر التعامل معها سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً واقتصادياً – إدانة قتل وتعذيب وقمع المنتفضين في إيران- طرد نظام الملالي من منظمة التعاون الإسلامي وقطع علاقات الدول العربية والإسلامية مع هذا النظام -الاعتراف بنضال الشعب الإيراني لإسقاط النظام ، والتأكيد علی شرعية نضال الشباب الثوار ضد قوات الحرس وحقهم في الدفاع عن أنفسهم.
نعم يحق لهم الدفاع عن أنفسهم فهم ثوار وأصحاب حقوق مشروعة يواجهون الدكتاتورية والطغيان والقتل وإنتهاكات حقوق الإنسان وليسوا إرهابيين، وهنا عدم الإعتراف بحقهم في الدفاع عن أنفسهم بكل الطرق المتاحة يعد ضوءا أخضراً للملالي للإستمرار في نهجهم القمعي الدموي، وكذلك التواصل بمساعيهم التوسعية في الشرق الأوسط والعالم.
وضع المؤتمر النقاط على الحروف وأثبت أن العرب مع الثورة الإيرانية إيمانا بمظلومية الشعب الإيراني ورغبة في خلاص وإنقاذ دولهم وشعوبهم وضمان مستقبل زاهر لهم وقيام جار متآخيا معهم في إيران الجارة بعد سقوط وزوال نظام الملالي برمته.
لم تعد للمواقف السطحية الشكلية في عالم اليوم ضرورة فقد بات اللعب على المكشوف.. فتحية للمؤتمر ولثوار الحق في إيران.. وإن غدا لناظره قريب.
د.عبدالسلام حرمة / نائب برلماني موريتاني
المصدر: اليوم الثامن