هل ستَنتصِر المُقاوَمَة السلمية بإيران في عام 2023؟ – الجزء الثالث
المُقاوَمَة السلمية: توسيع نضال غاندي من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني
في خضم إظهار الشعب الإيراني شجاعة عظيمة في انتفاضته عام 2022، فقد ظَهرَت فجأة فكرة المُقاوَمَة السلمية كأسلوب أوحَد للإطاحة بنظام إيران. وفي سلسلة من هذه المُناقَشات، نَهدِفُ إلى استكشاف مِقدار تأثير المُقاوَمَة السلمية بإيران عن طريق دراسة استخدامها في أجزاء مختلفة من العالم. وكيف نَشَأَت نظرية المُقاوَمَة السلمية خلال انتفاضة الشعب الإيراني، وما هي الأهداف التي تَسعَى لتحقيقها؟
المحاضرة الثالثة: توسيع مُقاوَمَة غاندي
عندما أُصدِرَ قانون رولات، والذي يَهدِف إلى مُحاكَمَة المعارضين والثوَّار بدون محاكمة، أو حقوق دفاع تحت الحكم الاستعماري، فقد دَعا غاندي إلى الإضراب والصوم على نِطاق واسع بوصفها حركات شعبية وطنية، حيث كان يُؤمِن سابقًا بالتفاوض والمُصالَحة مع المُضطَهَدين.
كانت هذه النضالات، بصحبة رحلات غاندي الواسعة عبر البلاد، كما تَنطَوي على تعليم واسع النطاق لأساليب المُقاوَمَة والالتزام الصارم بمبادئ المُقاوَمَة السلمية والعصيان المدني. وباعتباره ردًا على هذا الحركة المدنية، استَخدَمَت الشرطة قوة شديدة لقمع المُقاوَمَة، وردَّ الشعب المُناضِل بإحراق المباني الحكومية وتدمير المُمتَلَكات العامة، مما أَسفَرَ عن خسائر في الأرواح من الجانبين.
لقد وَقَعَت الحادثة المُرعبة في 13 أبريل، أثناء مهرجان ديني، حيث وَصَلَ الجنود البريطانيون إلى ذروة الوحشية، مما أَسفَرَ عن وفاة مئات الرجال والنساء وكبار السن والشباب الذين اجتمعوا بشكل مُسالِم. وعقب هذا الحدث المأساوي، أَقَرَّ غاندي بخطأه بشكلٍ مفاجئ في تقدير استعداد الشعب الهندي الروحي لاعتناق التعاليم السلمية بالكامل. وبالتالي، أَعطَى للتعليم الجماعي أهمية أكبر عن تحقيق مساعيه.
لقد دَعَا إلى الوحدة بين الشعب الهندي من خلال دعوته إلى مُقاطَعة البضائع البريطانية، وحث الأفراد على الاستقالة من الوظائف الحكومية وعدم حضور المدارس الإنجليزية. وعلى الرغم من الجهود المَبذولَة، فإن حركة العصيان المدني الوطنية واجَهَت تأخيرًا حتى عام 1922، وذلك بشكل رئيسي بسبب حدوث الانتفاضة في إحدى القرى وحوادث إضرام النار في ضباط الشرطة. وفي تلك السنة بالذات، تَلَقَّى غاندي حُكمًا بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة تعليم العصيان المدني ودعم الثورة. ومع ذلك، أُطلِقَ سراحه بعد قضاء سنتين بسبب المرض. وبشكل ملحوظ، امتنع عن انتقاد الحكومة لمدة أربع سنوات بعد ذلك.
تَجديد إضراب غاندي عن الطعام
خلال هذه الفترة، اشتَدَّ العنف الطائفي، مما دَفَعَ غاندي إلى الشروع في الإضراب عن الجوع لمدة 21 يوم بهدف تعزيز الوحدة بين المسلمين والهندوس. كما أَصدَرَ زعماء الطوائف قرارًا يُؤكِّد على ضرورة تحقيق الوحدة بين الجماعات العرقية المختلفة حتى تحقيق الاستقلال الكامل للهند.
فطوال رحلته، واجه غاندي عقبة كبيرة: نظام الطبقات المُتأصِّل بشدَّة في الثقافة الهندوسية، ومدى التحقير من الطبقات الدُنيا. ووفقًا لاعتقاده، لقد أَكَّدَ غاندي أن تحقيق استقلال الهند يَعتَمِد على القضاء الكامل على التمييز الطبقي بين السكان الهنود. خلال هذه الفترة، ليسوا البريطانيون، بل البراهمة الهندوسيين هم من قاموا بأعمال عنف واضحة ضد الهنود ذوي الطبقات الدُنيا. للمرة الأولى، وتحت إرشاد تعاليم غاندي، وَقَفَ الجُمهور صامدين ضد جميع أشكال الضغوط، وتَحمَّلوا الألم والمُعانَاة.
في نهاية المطاف، تَسبَّبَت صلوات السلام السلمية للناس، الذين كان لديهم طلب بسيط بالدخول إلى المعبد، في تراجع واستسلام البراهمة. نجاح هذا النضال المدني المُنظَّم والمنهجي، الذي صاحبه تحمُّل الألم والصلاة والتضرُّع، قد زَادَ من ثقة غاندي والأشخاص المُسالمين في سعيهم لاستقلال الهند. وقد حفَّزهم أيضًا على المُشارَكَة في النضال الوطني ضد زيادة الضرائب على المزارعين.
تنظيم الاحتجاجات في جميع أنحاء الهند
إن إنشاء مَقَر مركزي للقيادة الاحتجاجية ومكاتب محلية في جميع أنحاء الهند، بالإضافة إلى تنظيم التجمعات والخطابات وتوزيع النشرات، يَتَطلَّب تنظيم مُهَيَّأ ومَدعوم بأُسُس فكرية وقوية. وكان ذلك يَهدِفُ إلى تشجيع الشعب الهندي على مقاومة زيادة الضرائب. وقد أَدَّى ذلك في نهاية المَطاف إلى نقطة تحوُّل حاسمة في المعركة ضد الضرائب.
ومع استمرار المزارعين في مقاومتهم وانضمام بعض موظفي الضرائب إلى قوى الشعب، اتَّخَذَت الحكومة أشكالًا جديدة في استخدام العنف. وقد وَصَلَت الضغوط المُتزايِدَة إلى درجة كبيرة من الشدة حتى أَصبَحَت الهجرة هي الخيار الوحيد المُمكِن للشعب، مما أَدَّى إلى تفريغ منطقة سُكانية واسعة بشكل مفاجئ. في النهاية، لقد حَقَّقَ نضال الشعب ضد زيادة الضرائب عن مجموعة من النتائج، مما أَجبَر الحكومة على التراجع عن مطالبها. بعد مذبحة عام 1919، شَعَرَ غاندي ببعض الراحة من معاناته للمرة الأولى.
مسيرة الملح!
بَدَأَ غاندي مسيرة الملح كخطوة محورية في حركة استقلال الهند الوطنية. وكان هدفه الاحتجاج على ضرائب الملح من خلال قيادة مسيرة شُجاعة استمرَّت لمدة 24 يوم إلى ميناء داندي. حيث إن حركاته بين القرى وخطبه ومحاضراته جذبت آلاف الأشخاص الذين انضمُّوا إليه. عندما التَقَطَ غاندي كَفًّا من ملح البحر بشكل رمزي، أَشعَلَ ذلك حماسة وإثارة بين الناس. وذلك أَدَّى إلى زيادة جمع الملح من البحر، مما أَسفَرَ عن ازدهار تجارة الملح.
وكانت استجابة الحكومة للاحتجاجات مليئة بالعنف والاعتقالات. كما امتَلأت السجون بالأشخاص العاديين وقادة المؤتمر الوطني الهندي، بما في ذلك غاندي ونهرو. وبعد عام من الإفراج عنه من السجن، تَلقَّى غاندي دعوات للتفاوض في دلهي ولندن. على الرغم من خيبة أمله في الاتفاقات، أَعلَنَ استئناف الحركة، ولكنه اُحتُجِزَ مرة أخرى.
ومع ذلك، دافَعَ عن الوسائل السلمية ولَجَأ إلى إضرابات الجوع المتتالية للدفاع عن حقوق الطبقات الاجتماعية والسياسية للطبقات الدنيا، ومنع استمرار تفاقم الانقسامات الطبقية.
لقد عاشت حركة الاستقلال الهندية ذروتها وانحدارها عندما غادر غاندي المؤتمر الوطني الهندي بسبب اختلاف في الأيديولوجيا السلمية بين قادة الحزب. وقد زارَ غاندي قرية متفشية الفقر لاستئناف عمله الثقافي والتعليمي بين القرويين. مع بداية الحرب العالمية الثانية، وانهيار فرنسا، ومشاركة اليابان في الحرب، اتَّخَذَت هذه الفترة شكلًا مُختلف.
حيث لم تَستَجِب الحكومة البريطانية لاقتراح المؤتمر لتقديم المساعدة مقابل استقلال الهند. وفي تحول مهم، اعترف غاندي، للمرة الأولى، بأن العنف سوف يُبرِّر الدفاع عن الوطن ضد الحكومة الغازية.
ومع ذلك، انتهت الحرب العالمية الثانية بالدمار الذي تبعها، بإعلان تقسيم الهند وباكستان إلى دولتين منفصلتين للهندوس والمسلمين. وقد أَثَّرَ ذلك بشكل عميق على غاندي بوصفه زعيم المؤتمر الوطني الهندي. ومع ذلك، فإن العنف الطائفي والقتل الجماعي في كلكتة، الذي أَسفَرَ عن مقتل أكثر من 4000 شخص، أَدَّى إلى اتفاق غاندي ومحمد علي جناح، زعيم الرابطة المسلمة، على إنشاء دولتين منفصلتين، باكستان والهند، في 15 أغسطس 1947.
استقلال الهند وانتصار غاندي
ومع خلفية الحرب العالمية الثانية والتضحيات الهائلة التي قام بها غاندي والكونغرس الوطني الهندي والشعب الذي كرس نفسه لأكثر من خمسة عقود من النضال المُستَميت والتعليم الشامل من أجل المُقاوَمَة السلمية، فقد أَصبَحَ استقلال الهند حقيقة، على الرغم من الخلافات العميقة بين القادة. كما أن غاندي اعتَمَدَ الأساليب السلمية كنهج قوي وبشكل يَتميَّز بالإيثار على نطاق واسع، ولكن بدون الاستسلام للتحيُّز الأعمى. من خلال التضحية الذاتية في 30 أبريل 1948، فقد قَدَّمَ نموذج لحبه للناس وتفانيه الثابت في الحرية.
“هل يمكن استخدام تجربة الهند في إيران؟“
للتلخيص، لقد أَظهَرَت الحركة الوطنية الهندية التي قادها غاندي وتعاليمه فعالية بعض الاستراتيجيات في حالة تمرُّد وطني، مع الاعتراف بأن بعضها قد لا يكون قابلًا للتطبيق في الظروف الحالية للديكتاتورية الدينية في إيران.
لقد ثَبُتَ أن تكتيك التدمير المُستَهدَف، مثل حرق ممتلكات الحكومة وتلف البنية التحتية، هو واحد من الاستراتيجيات الناجحة المُستَخدَمَة خلال الحركة الوطنية الهندية للضغط على الحكومة القمعية.
كما أن استخدام إضرابات الجوع، بدلاً من التظاهرات الفردية والجماعية، من قبل أفراد مُصمِّمين، يُمثِّل أداة فعالة ضمن حركات الشارع التي ستؤثِّر بشكل عميق على مستقبل الانتفاضة الإيرانية.
تعبئة الفئات المختلفة من المجتمع، بما في ذلك العمال والمعلمين والموظفين والطلاب والمتقاعدين ورجال الأعمال، للمشاركة في الإضرابات، سوف تُؤدِّي إلى تعطيل فعالية السلطة التنفيذية للحكومة. هذه التجارب قد أَثبَتَت نجاحها في الهند.
يَهدِف تنظيم مجموعات المقاومة بين مختلف الطبقات بأي اسم إلى تحرير إيران وتدمير جميع الأجهزة الفاسدة لحكومة ولاية الفقيه، حيث تُؤدِّي إلى توسيع النضال ضد القمع المُنظَّم بالتزامُن مع الهدف المُشترك.
ومع ذلك، فإن بعض الاستراتيجيات التي تَهدِف إلى التأثير وإيقاظ ضمائر المسؤولين عن الظلم في حكومة شهدت جرائم قتل ومجازر واسعة النطاق على مدى 44 عام غير عملية وغير منطقية. ومن أمثلة ذلك الخضوع للقمع والصمت لفترة طويلة.
حيث أن عدم الاستعداد للدفاع المشروع ضد المُضطَهِد أمر صعب جدًا، ومغفرة العدو الذي لا يتردَّد للحظة في قتل الناس، والثقة في المفاوضات والتسوية مع العدو النهم الذي يتمتع بطبيعة شريرة تتضمن الخداع والمكر، لن تَجِد مكانًا في هذه الحكومة.
