ماذا وراء طائرات ورسائل السلاح والكريستال
هناك موازين للتعامل بين الدول توزن بها الأمور كالقوانين والقيم وروابط المصالح وغيرها، وتستخدم كروابط وضوابط منظمة للعلاقات الدولية، وفي دولٍ كدول الشرق الأوسط يوجد فيما بينها من الروابط ما لا يتوفر بين دول أخرى إلا أن بعض الدول وبكل أسف لا تنضبط في إطارها وباتت عاجزة عن ذلك بعد أن تحولت إلى سلطة بطانات ومراكز قوى وفئات وجماعات وميليشيات لا تعي معنى سيادة الدول وما يترتب على انتهاكها، وقد لا يعنيها مفهوم السيادة في شيئ بقدر ما تعنيه لها المكاسب المادية، وفي سوريا لا تعني سيادة وكرامة الدولة السورية شيئا لميليشيات النظام الإيراني بقدر ما يعنيه مصالحها والأهداف المُكلفة بها.
نلتزم في الأردن بمفاهيم وحقوق السيادة كقيم أولاً واحتراماً للقوانين والأعراف الدولية ثانياً، ولم نعتدي يوما على سيادة دول الجوار أو أي دولة من دول العالم، وننفق ميزانية مرهقة حماية لحدودنا وسيادتنا وحريصين على أن لا يصيب الضرر أي من جيراننا إنطلاقاً من أراضينا ونسعى إلى ذلك دائماً قدر الإمكان، وفي إطار احترام علاقات الجوار نجد بدلا من ذلك تهديداً سافراً ومستمراً لحدودنا وقد صرحت قيادتنا بشأنه مراراً وتكراراً، وكان الأردن سباقاً على الدوام في تفعيل عملية التآخي العربي العربي ولم الشمل مضحياً في سبيل ذلك وكان من الأجدر أن يتم التعامل مع الأردن بالمثل على الأقل.
ماذا وراء طائرات ورسائل السلاح والكريستال القادمة من سوريا
تحرز الجيش الأردني المرابط لحماية الحدود على طائرة مسيرة محملة بكمية من مادة الكريستال وهي من أخطر أنواع المخدرات التي باتت تحصد في أرواح الشباب وأموالهم وأموال ذويهم، وأخرى تحمل أسلحة، وليست هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها مهربي الميليشيات في الجانب السوري للطيارات المسيرة، وتدرك قيادتنا مدى تهديد هذه الطائرات لنا ليس في جانب تهريب وترويج المخدرات فحسب بل في الجانب الأمني أيضا إذ تحمل هذه الطائرات أجهزة تصوير يمكن استخدامها في أغراض ثنائية كالتجسس والتهريب في آن واحد خاصة وأن عصابات التهريب هذه تنتمي لميليشيات تابعة لحرس النظام الإيراني وكذلك تتعاون مع جهات أمنية سورية تقدم لها التسهيلات على الأرض، كما أن نقل أسلحة بطائرات مسيرة إلى أراضينا يعد تهديداً صارخاً ومباشراً يستوجب المساءلة والردع، وبالطبع لا غرابة في ذلك فغياب مفهوم الدولة على الحدود السورية يسمح بقيام كل تلك المكونات العصابية بإرتكاب انتهاكات من شأنها تهديد الأمن بالوكالة وانتهاز الفرص للثراء والكسب غير المشروع الذي يتنافى مع القوانين والشرائع وهيبة الدول.
كم من التساؤلات يرهقنا فلقد ضقنا ذرعا ولم نعد نعرف لمن السيادة في سوريا اليوم ومع من نتعامل، وكيف يكون سعينا لإعادة العلاقات وهل ستبقى سيادة الدولة مفقودة في سوريا، وهل يصدق النظام الإيراني في مسعاه نحو التطبيع، وإن كان جاداً صادقاً في مسعاه للتطبيع فلما لا يكبح جماح تلك العصابات، والحقيقة لقد طال صبرنا ونفذ، وكلفنا ذلك الكثير! فهل سيستمر استنزاف طاقاتنا وأموالنا ودماء أبنائنا في ظل سياسة حكم الميليشيات التابعة لإيران في سوريا.
بعد تجارب السنين الطوال تأتي هذه الأسئلة التي من الضروري طرحها والإجابة عليها في ظل هذه التناقضات الفجة، فيدٌ تصافح مدعية المحبة والرغبة في الصلح والتطبيع والسلام ونعلم جيداً أن ذلك ليس حباً فينا وإنما هروباً من الثورة في إيران والخشية من السقوط؛ ويد أخرى تدس السموم في دولنا ومجتمعاتنا وتستنزف أموالنا وطاقات شبابنا وتناور وتساوم! فهل يمكن اعتبار رسالة طائرة الكريستال بندا من بنود المساومة على طاولة الحوار من أجل التطبيع أم أننا نصطاد هواءاً في شبك من خلال هذا مشروع هذا التطبيع.
بديهيا ندرك جيدا أنه لا يمكن لأنظمة مراكز قوى دأبت على نهجها لأكثر من 45 سنة أن تغير من سلوكها خاصة وأنها تستمد وجودها من خلال صناعة وإدارة الأزمات وفن المناورة والمساومة، وهذا ما يجعلنا ندرك أيضاً أنه لا حلول إلا من خلال الشعوب وأن نجاح الثورة الوطنية الإيرانية سيكون خلاصاً لإيران والمنطقة وشعوبها.
أما رسالة الكريستال والسلاح فقد أحرقناهما وسنحرق غيرهما وقادرون على ما هو أبعد من ذلك لكننا سنبقى دعاة سلام وحرية لشعوب العالم أجمع، ونتوق لرؤية حرية الشعب الإيراني ونفض ركام الغبار عن الدول العربية المحتلة وعودة سيادتها كاملة غير منقوصة، ومن غير المعقول أن تسمح الأردن كدولة رصينة بأن تهدد أمنها ثلة من العصابات على الحدود، والمؤسف كل الأسف أن ذلك يتم على مرأى ومسمع السلطات السورية.
عائشة الحسنات / نائبة برلمانية أردنية.