الشعب الإيراني .. والمؤامرات المحيطة به 2
(الجزء الثاني)
الأوضاع السياسية في إيران
كما تمت الإشارة إليه في الجزء الأول أن نظام الملالي هو نتاج مؤامرة غريبة ضد الشعب الإيراني وقواه الوطنية، وقد ولد نظام الملالي متازماً من الأساس، وتتناقض الحكومة المدعية بإسم الإسلام من حيث المحتوى مع الخصائص التاريخية والثقافية للمجتمع الإيراني في القرن العشرين إذ لم يعد ممكنا حكم الشعب بطريقة الإحتيال والخداع كحال العقود الغابرة، وقد مكنت القدرة الدعائية والدبلوماسية للدول الغربية ووسائل إعلامها من صياغة خميني وسوقته كشخصية قيادية وكرجل مرحلة وبعد أن وضعته في الموضع المراد له بدأت بالتطبيل طبلت لنظام الملالي ومن ثم تسويقه وخلق قبولٍ دوليٍ له لا بل وتعاون دولي أيضاً، وفي نهاية المطاف الأخير أرسلت أمريكا ذاتها شخصاً ليجلب دعم وتاييد جيش نظام الشاه للسلطان الجديد المكنى بإسم الإسلام، وما أن استلم نظام خميني زمام السلطة حتى اكمل رسالته التاريخية المتمثلة بقمع الثورة باسم الثورة ونجح في هذا الأمر إلى حد أنهى فيه مبرر صنيعته وقيامه؛ هذا بالإضافة إلى تكشف جميع أوراقه فلم تعد لديه ورقة صالحة للمناورة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وقد كانت مناورة ما أسماه بتيار الإصلاح مؤامرة أخرى بمباركة غربية إلا إنها في النهاية باءت بالفشل ولم يعد بالإمكان أن يعول الغرب على أي مناورات النظام السياسية داخلياً ما دفع بخامنئي إلى المجيئ بإبراهيم رئيسي الشخص المُدان بجرائم إبادة جماعية في عدة مواقف منها مجزرة الإبادة الجماعية لـ 30 ألف سجين سياسي معظمهم من منظمة مجاهدي الإيرانية، جاء به ووضعه على سدة رئاسة الجمهورية ظنا منه أي من خامنئي أن رئيسي نظراً لتجربته وولائه الشديد للنظام الذي إن هلك سيهلك رئيسي وخامنئي وزمرهم معه، وبالتالي فقد وضع خامنئي شخصاً يخشى على حياته ووجوده من الهلاك ما يجعله يقدم على أشد الممارسات الإجرامية بحق الشعب وهذا ما حدث مع الثوار المنتفضين في كل أنحاء إيران، ولتكن الصورة واضحة للقارىء والمتابع الذي قد تختلط الأحداث فإن ما يسمى بـ تياري المحافظين والإصلاحيين هما وجهان لعملة النظام وجودهما ومصيرهما واحد يتقاسمان الأدوار من أجل البقاء.
نظرية المؤامرة… لعبة النّظام الإيراني للقمع والإنتقام
انطلقَت فيما مضى موجاتٌ احتجاجية عديدة ضد نظام الملالي السلطوي الفاسد في إيران؛ لكن هذه الموجة الأخيرة مختلفة تماماً فهي حركةٌ لاستعادة الحياة، ومهما حدَث فلن تعود إلى الوراء.
لا يريد النظام المتسلط بإسم الدين في إيران الاعتراف بحقيقة انتفاضة الشباب التي اندلعت منذ مقتل الشابة مهسا أميني في 16 أيلول (سبتمبر) الماضي بعد اعتقالها على يد دورية شرطة الإرشاد (الأخلاق)، واعتمد النظام على آليات أمنية للتشويش على الاحتجاجات وتطويقها وذلك من أجل إظهارها بصورة مؤامرةٍ خارجيةٍ على إيران من الداخل.
يسعى نظام الملالي الفاشي إلى تصوير ردود أفعال الشباب الثائر الغاضب على أفعال القمع الإبادية التي ترتكبها قوات النظام الإجرامية سواء كانت ردود الأفعال تلك تجاه رموز النظام الإيراني ومؤسساته أو تجاه قوات النظام الإرهابية القاتلة على أنها إرهاب وعمالة للخارج، وقد قام النظام بعدها أيضاً باعتقال أجانب ليساوم بهم على إرهابييه المعتقلين في الخارج من جهة وليبرهن من جهة أخرى للشعب الإيراني على وجود عملاء مندسين بين صفوف المحتجين، وهنا نطرح تساؤلا للرأي داخل إيران وخارجها: هل يمكن تسمية رد فعل الإنسان المُضطهد والمحروم والمُهان والمُنتهكة حُرماته والمسفوك دماء أهله وأحبائه جرما أو إرهابا .. هل يُسمى المتظاهر الأعزل مجرما، أتعتقدون لو كانت هناك عمالة للخارج في الأنتفاضة ويبقى النظام على حاله؟ يعلم النظام نفسه أن أحدا لم يتلقى دعما من الخارج سواه والدليل بقائه في السلطة وعدم تصنيف ميليشيا حرسه الإرهابي على قائمة الإرهاب وتقديم تسهيلات عديدة للنظام هنا وهناك.
وجزءٍ من مؤمراته ومكره وضع النظام الإيراني جيل الشباب في مواجهة جيل الآباء؛ فقامت الآلة الإعلأمية للنظام ببث الخوف في نفوس الإيرانيين على مستقبل أبنائهم وبلادهم جراء ما أسماه النظام بأعمال شغب، وبعد أن قامت آلته الإعلامية بتبرئة قوات النظام القمعية من الجرائم العنصرية ضد المصلين والمساجد وجرائم قتل الأطفال والنساء وقتل الفتيات والتمثيل بأجسادهن وتسميم فتيات المدارس وتسويقها وإنسابها لمؤامرات خارجية، بالإضافة إلى التركيز على قتل عناصر إجرامية من ميليشيا البسيج الإرهابية التابعة للحرس.. أي قتل صاحب رأي أعزل حلال وقتل قاتل همجي دفاعاً عن النفس حرام وهذا هو الحلال والحرام في سياسة هذا النظام ومن يحالفونه.
اتّهام الخارج
اتهم الولي الفقيه علي خامنئي صراحةً القوى الأجنبية بالتآمر على بلاده قائلاً إنها “لا تستطيع أن تقبل فكرة أن إيران تكتسب القوة في جميع المجالات” متهماً بشكل مباشر الولايات المتحدة وحلفائها ومعارضين إيرانيين في الخارج بالوقوف وراء ما أسماه بأعمال الشغب والاحتجاجات المستمرة، وقد تغيرت عقيدة الجيش وبات خاضعاً لعقيدة النظام الحاكم؛ فهو يؤمن أيضاً بنظرية المؤامرة، ويؤمن بمشروع نظام ولاية الفقيه خاصة أن معظم قادته هم من الحرس أيضاً.
الاتّجاه نحو التّصعيد
لم يقدم النظام الإيراني أي تفسير موضوعي لحركة الاحتجاجات الشبابية، وخاصة من جانب المرأة؛ بل اكتفى بالترويج لنظرية المؤامرة واستفادة أعدائه من وسائل التواصل الاجتماعي لتحريك الشباب ضد النظام، ولم يقدم أي تنازلات للمحتجين سوى أساليب تكتيكية لمحاولة امتصاص غضبهم والمناورة مع الغرب أيضا خاصة بعد أن خرجت بعض التصريحات المُدينة للنظام وجرائمه، ومن هذه الأساليب التكتيكية الإفراج عن المعتقلين في العفو المزعوم والإعلان عن متابعة التحقيق في قضية مهسا أميني وانتظار التقرير النهائي للطب الشرعي لبحث أسباب وفاتها، وعن عزم مجلس النظام مراجعة أسلوب عمل شرطة الإرشاد، ولكن سرعان ما تكشفت حقائق مراجعة المجلس تلك إذ خرج بما هو أسوأ، أما العفو الذي قام به النظام لعجزه في إدارة السجون المكتظة بسجناء الرأي من جهة ومن جهة أخرى العمل بتوصيات حلفائه في تيار الإسترضاء بالمناورة بخديعة العفو أمام المنظمات الدولية.. ولم يكن العفو عفواً بل كانت عفو إذلال وإجرام قيد به المعتقلين بقيود تتيح للنظام إعتقالهم في أي وقت وإيقاع أشد العقوبات بحقهم خاصة وأن عملية تلفيق الإتهامات أمراً يسيرا، وبعد إطلاق سراح المنكوبين وفق العفو المسموم قام النظام بملاحقة جميع من أطلق سراحهم من الإعتقال التعسفي وبمبررات مختلفة إعتاد الشعب على سماعها ليستمر في عملية قمع الشعب وإخماد نيران الانتفاضة الوطنية.
والحقيقة أن نظام ولاية الفقيه يدرك تمام الإدراك بأن الأمر في إيران قد تجاوز مسألة مقتل مهسا أميني التي تحولت أيقونة رمزية وتحول اسمها والشعار الذي وُلِد بعد مقتلها (“المرأة، الحرية، الحياة”) إلى مطالب شعبية نحو الحرية والخلاص وقد تجسدت تلك المطالب في تركيز المظاهرات على شعار “الموت لخامنئي”، من أجل التغيير والتحرر من قبضة نظام الولي الفقيه وهو ما يعني زوال النظام وقد يصل الأمر إلى سحل رموز النظام أرضاً في فورة غضب الجماهير المحتقنة وخاصة وأن معظم رموز النظام وقادة أجهزته مرتكبي جرائم قتل وتعذيب واعتداء على الحرمات، وأما النظام فلا خيار له كالعادة سوى مواجهة فشله في الهيمنة على الشارع الإيراني بالتوجه نحو التصعيد بالقمع والدم والإعتقالات والجديد قمع الطلاب وفصلهم من الدراسة.
ويرجع هذا التشدد في التعامل مع المحتجين إلى أن النظام لا يريد الاعتراف بالفشل أو بوجود أزمة؛ لأن ذلك يمس مصيره ومستقبله، فتنازله والاستجابة لهذه الاحتجاجات هو إعترافاً منه بالفشل في قيادة البلاد وخسران أنصاره من الـ 4% المنتفعين حول عرش السلطة كما سيخسر قطعانه المغرر بها هنا وهناك، ولا تزال سلطة الملالي تصر على أن دوافع هذه الاحتجاجات تتعلق بغضب الغرب من توجه الملالي جهة قوى الشرق (روسيا والصين) لا سيما بعد فشل المفاوضات النووية التي راهن غرب الإسترضاء عليها ولم تنجح بعد ولن تنجح ويبقى الأمر في إطار المداولة والمناولة وكسب والضحية الشعب الإيراني والدول المخدوعة.
وإذا نظرنا إلى الأعمال اثوريةب التي استهدفت مؤسسات ما يسمى بـ الحرس الثوري وخاصة مؤسساته الاقتصادية ومقارّه الأمنية وسجونه، وكذلك يُعد التعامل بردود أفعال حازمة مع قوات ميليشيا البسيج الإرهابية ومطاردة عناصرها في الشوارع وإحراق دراجاتهم البخارية وفضح وجوههم وتَخفيهم في زي مدني عبر نطاق وسائل التواصل الاجتماعي مؤشراً على أن الشعب في إيران لم يعد يثق في النظام ولم يعد يستجيب لدعواته، وقد وضع الولي الفقيه وجهازه الأمني وقوات حرس نظام الملالي على رأس قائمة أهدافه ولذلك استهدف الشباب خلال الاحتجاجات سيارات الإسعاف والإطفاء التي يتم استخدامها كوسيلة مخادعة يستخدمها النظام لنقل عناصره وقياداته الأمنية.