نصف عائدات النفط الإيراني تذهب إلى الوسطاء والسماسرة
قبل فرض العقوبات الأميركية الصارمة في مايو 2011، كانت إيران تصدّر ما يقارب ثلاثة ملايين برميل نفط يومياً. ومع بدء عقوبات إدارة أوباما، انخفض هذا الرقم إلى أقل من مليون برميل بحلول فبراير 2012. وبعد تنفيذ الاتفاق النووي في 2015، ارتفعت صادرات النفط الإيرانية إلى نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً، لكن بعد انسحاب ترامب من الاتفاق، تراجعت الصادرات بشكل حاد لتصل إلى 190,000 برميل فقط في شتاء 2019.
ومع تولي بايدن الرئاسة في 2020، ارتفعت صادرات إيران النفطية مجدداً، متجاوزة حاجز المليوني برميل يومياً بحلول صيف 2023. وقد ساعدت سياسات بايدن في تخفيف الضغوط على إيران من حيث العقوبات.
التخزين العائم وتكاليف صيانة النفط
تضطر إيران لاستخراج النفط باستمرار بسبب افتقارها إلى التكنولوجيا المناسبة، على عكس منافسيها كالسعودية التي يمكنها إيقاف تشغيل الآبار دون مشكلة. ومع تدهور حالة الآبار وضعف الاستثمار، تضطر إيران إلى مواصلة الاستخراج، وعندما لا تُباع الكميات المنتجة، يُلجأ إلى استخدام ناقلات النفط كخزانات عائمة. وتصل تكلفة هذه الخزانات العائمة إلى 15,000-20,000 دولار يومياً.
خصومات كبيرة على مبيعات النفط
خلال فترة رئاسة إبراهيم رئيسي، التي تزامنت مع إدارة بايدن، ارتفعت صادرات النفط الإيرانية، لكنها جاءت مصحوبة بخصومات كبيرة. وذكر مجيد أنصاري أن إيران تقدم خصومات تتراوح بين 15 و30 دولاراً للبرميل، وهي خصومات موجهة لشركات وسيطة تثق بها الحكومة الإيرانية، بمتوسط خصم قدره 20 دولاراً للبرميل.
عملية مبيعات النفط الإيرانية المكوّنة من خمس خطوات
1. خصم بقيمة 20 إلى 30 دولاراً: يقوم الوسطاء بتأمين المشترين في الصين ويعرضون خصومات تتراوح بين 20 و30 دولاراً للبرميل.
2. النقل غير القانوني للنفط: يتم نقل النفط من ناقلة إلى أخرى في عرض البحر بعيداً عن الموانئ، باستخدام تقنيات برمجية لتعتيم مصدره. وتتراوح تكلفة النقل والتوثيق بين 5 و7 دولارات للبرميل.
3. الشحن إلى الموانئ في شرق آسيا وقناة السويس: تقوم شبكة التهريب بإرسال الشحنات إلى موانئ مثل ماليزيا وقناة السويس، بتكلفة تصل إلى 10 دولارات للبرميل.
عند هذه المرحلة، يتم خصم نحو 35 إلى 45 دولاراً من سعر البرميل البالغ 80 دولاراً. ولاستخدام هذه الأموال، تحتاج الحكومة الإيرانية إلى تقديم مستندات وتبييض الأموال عبر تحويلها إلى عملات أخرى، ما يعتمد على شبكة من مكاتب الصرافة المتصلة بشبكة واسعة من الإيرانيين مزدوجي الجنسية حول العالم.
وبحسب تقرير لمجلة إيكونيميست، يعمل في هذه الشبكة 200 إيراني مزدوج الجنسية على الأقل في أوروبا. وتستوفي هذه المكاتب معدلات تحويل مرتفعة. ومن المبلغ المتبقي البالغ 30 إلى 40 دولاراً، يُخصم حوالي 10 إلى 15 دولاراً للوسطاء وشبكات غسيل الأموال، وما يصل إلى الحكومة الإيرانية يكون أقل من نصف القيمة الفعلية للنفط، بينما يتم تقسيم الباقي بين المشترين كخصومات، والوسطاء كرسوم خدمات، ومعدلات تحويل العملات.
4. المقايضة بالبضائع: في بعض الحالات، لا يُحوّل النفط مباشرة إلى عملة صعبة؛ بل تُستورد بضائع من الصين إلى إيران مقابل النفط.
في يونيو 2023، صرّح وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف قائلاً إن “سياسة بايدن كانت لتخفيف القيود على مبيعات النفط.” وأكدت تصريحات ظريف تراجع صادرات إيران النفطية إلى أقل من 200,000 برميل في عهد ترامب، بينما ارتفعت عشرة أضعاف تقريباً خلال إدارة بايدن.
وتقوم هذه الشركات أيضاً بزيادة قيمة البضائع المستوردة عبر فواتير مضخمة للحصول على مكاسب إضافية، مما يفرض على الحكومة الإيرانية قبول مثل هذه المعاملات لتتمكن من الوصول إلى أموال مبيعات النفط.
برميل من كل ثلاثة يعود للقوات المسلحة
وفقاً لقانون الميزانية الإيرانية لعام 2024، تملك القوات المسلحة الإيرانية ثلث إنتاج النفط في البلاد. وخصصت ميزانية العام 2024 مبلغ 6.215 مليار يورو للقوات المسلحة، مقارنة بثلاثة مليارات يورو في عام 2023. وبالتالي، سيخصص حوالي 33% من إجمالي عائدات النفط لعام 2024 لصالح القوات المسلحة.
وثائق مسربة حول خصومات النفط
كشفت وثائق مسربة من شركة “ثندر ديزرت” التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية عن خصومات تصل إلى 25 دولاراً للبرميل في صفقات نفطية مع شركات وهمية في الإمارات. على سبيل المثال، في صفقة بقيمة 114 مليون دولار، تم تقديم خصومات بلغت حوالي 2.7 مليون دولار. وفي رسالة مؤرخة في 7 مارس 2023، حصلت عمليات الشراء الكبيرة للنفط على خصومات إضافية على خمس مراحل بمتوسط قدره 16 دولاراً للبرميل.
تكلفة التهرب من العقوبات وحصة الوسطاء
بحسب الإحصاءات، تصل تكلفة التحايل على العقوبات وتقديم الخصومات إلى حوالي 40 دولاراً للبرميل. وقدرت البرلمان النظام أن إيران ستبيع في 2024 نحو 1.055 مليون برميل يومياً بسعر متوسط يبلغ 70 دولاراً للبرميل. مما يعني أن حوالي نصف عائدات النفط، بما يعادل 13.5 مليار دولار، ستذهب إلى الوسطاء والشركات المرتبطة بالنظام الإيراني.