الخيار الثالث: رؤية المقاومة الإيرانية لحل أزمة الشرق الأوسط
في خضم الحرب المدمرة التي تدور رحاها في المنطقة، والتي أشعل فتيلها النظام الإيراني، يتردد في ذهن كل من يتابع الشأن الإيراني سؤال ملحّ: ما هو الحل لإيران؟ هذا السؤال ليس وليد اللحظة، بل هو خلاصة أزمة تمتد على مدى أكثر من أربعة عقود، منذ أن أرسى خميني أسس نظام ولاية الفقيه، الذي قام على قمع الحريات، وتصدير الإرهاب، وإشعال الحروب. لقد حوّل هذا النظام الدين إلى أداة للسلطة، وضحى بمصالح الشعب الإيراني في سبيل تحقيق أهدافه التوسعية، بدءاً من حربه مع العراق، مروراً بتدخله لشق الصف الفلسطيني وإلباس قضيته ثوباً طائفياً، وصولاً إلى قمعه الوحشي للنساء والشباب، وجر البلاد اليوم إلى حرب كارثية يستخدم فيها شعبه درعاً بشرياً لحماية برنامجه النووي.
في مواجهة هذا الواقع، غالباً ما يتم حصر الخيارات المتاحة في ثنائية زائفة: إما الاستمرار في سياسة “الاسترضاء” الفاشلة، أو اللجوء إلى “حرب خارجية” مدمرة. لكن السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، قدمت في خطابها الأخير أمام البرلمان الأوروبي حلاً ثالثاً، مؤكدة أنه الطريق الوحيد القابل للتطبيق، حيث قالت: “إن حل هذه الحرب والأزمة يكمن في إسقاط هذا النظام وتغييره على يد الشعب الإيراني ومقاومته”.
يقوم هذا “الخيار الثالث” على رفض كامل للمسارين الآخرين. فهو يرفض سياسة الاسترضاء، لأن التاريخ أثبت، كما حذرت السيدة رجوي قبل أكثر من عقدين، أن هذه السياسة لا تؤدي إلا إلى تشجيع النظام على مواصلة عدوانه، وفي النهاية “تفرض الحرب على الدول الغربية”. كما يرفض هذا الخيار أي تدخل عسكري خارجي أو حلول تُفرض من الأعلى، لأنها تقوض السيادة الوطنية وتتجاهل إرادة الشعب، مذكّرة بالتجارب التاريخية المريرة مثل تنصيب بريطانيا للملكية أو الانقلاب المدعوم أمريكياً ضد حكومة مصدق الوطنية، والتي مهدت الطريق في النهاية لوصول الاستبداد الديني.
إن جوهر الخيار الثالث هو الاعتماد على القوة الكامنة داخل إيران: الشعب ومقاومته المنظمة. هذه المقاومة، التي كشفت للعالم عن البرنامج النووي السري للنظام، ليست مجرد فكرة، بل هي حقيقة على الأرض تتجلى في “وحدات الانتفاضة” التي تتحدى آلة القمع يومياً في المدن الإيرانية. إنها تمثل بديلاً ديمقراطياً جاهزاً، يمتلك رؤية واضحة لإيران المستقبل، وهي “الخطة ذات النقاط العشر” التي تطرحها السيدة رجوي، والتي تقوم على إقامة جمهورية ديمقراطية غير نووية، تفصل الدين عن الدولة، وتضمن المساواة بين الرجل والمرأة، وتلغي عقوبة الإعدام، وتحترم حقوق جميع القوميات.
إن دور المجتمع الدولي، وفقاً لهذه الرؤية، ليس التدخل العسكري أو تقديم الدعم المالي، بل هو دور سياسي وأخلاقي. وكما قالت السيدة رجوي بوضوح: “نحن لا نريد مالاً ولا سلاحاً، بل فقط نريد أن يتم الاعتراف بمقاومتنا”. هذا الاعتراف يعني التوقف عن سياسة الاسترضاء، وتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، والوقوف إلى جانب حق الشعب الإيراني في تقرير مصيره بنفسه.
لقد أكد العديد من البرلمانيين الأوروبيين، مثل ليو داتزنبرغ من ألمانيا وجون بيركو من بريطانيا، على هذه الحقيقة، داحضين أسطورة “لا بديل” التي يروج لها النظام، ومؤكدين أن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هو بديل ذو مصداقية وجذور عميقة داخل المجتمع. إن الحل لأزمة إيران، وبالتالي لأمن المنطقة والعالم، لا يمر عبر واشنطن أو بروكسل، بل عبر طهران وشيراز وكردستان وبلوشستان؛ إنه يكمن في دعم نضال الشعب الإيراني وأبنائه البواسل الذين يسعون لإسقاط مصدر الأزمات والحروب في المنطقة.


