إيران ما بعد حرب الـ12 يوماً: الحل يكمن في “الحل الثالث“
كشفت التطورات الأخيرة والحرب التي شهدتها المنطقة حقيقة ساطعة لا يمكن تجاهلها: إن مصير الشعب الإيراني يتقرر فقط وحصراً بأيدي أبنائه ومقاومتهم المنظمة. فلا قوة خارجية تريد أو تستطيع إحداث التغيير المنشود. لقد أثبتت الوقائع أن الحرب والقصف ليسا الحل لمسألة إيران، وأن سياسة المهادنة التي انتهجتها الحكومات الغربية لسنوات طويلة لم تكن سوى تربية للأفعى في العش، مما أدى إلى تأجيج نيران هذه الحرب وسد الطريق أمام إسقاط النظام وتغييره.
لقد تأكد صواب الموقف الذي تبنته المقاومة الإيرانية على مدى سنوات، وهو أن الحل لمسألة إيران لا يكمن في الحرب الخارجية ولا في المهادنة، بل في “الحل الثالث”: التغيير الديمقراطي بأيدي الشعب الإيراني ومقاومته.
فشل البدائل الزائفة: من الحرب الخارجية إلى الإصلاحيين
لماذا لا تمثل الحرب الخارجية حلاً؟
الحرب الخارجية تسلب الشعب الإيراني ومقاومته دورهم الأساسي في تحقيق الاستقلال والحرية. فالحروب هي ساحة تفاعل بين الحكومات والقوى لتحقيق مصالحها، والطرف المنتصر يسعى دائماً لفرض بدائل تابعة وعميلة تخدم مصالحه طويلة الأمد، وهي بدائل لا صلة لها بالشعب والوطن، وتريد الاستيلاء على سيادة الشعب بالاعتماد على القوى الأجنبية، مما يؤدي إلى التضحية بحرية الأمة واستقلالها.
التاريخ الإيراني حافل بالتجارب المريرة مع البدائل المرتبطة بالخارج. في عام 1920، بعد احتلال أجزاء واسعة من إيران، فرض البريطانيون رضا شاه لضمان مصالحهم، ودفع الشعب الإيراني ثمنًا باهظًا لعقدين من الزمن. وفي نموذج آخر، عندما احتلت روسيا القيصرية تبريز، منعت ستار خان من فتح طهران، وحالت دون قيام بديل شعبي، مما أفسح المجال لبدائل أخرى جلبت نتائج كارثية على إيران وتاريخها.
مواقف مدعي الإصلاح وخيانتهم
أما الإصلاحيون المزعومون، فهم أولئك الذين تملقوا “الولي الفقيه” لسنوات، وعملوا جاهدين على منع نضال الشعب من أجل إسقاط النظام، ودعموا سياسات النظام المثيرة للحروب، وكانوا سبباً في إشعال فتيل الحرب الأخيرة. بهذا، خانوا الشعب الإيراني والمصالح الوطنية، ولا تزال سياساتهم تمثل خيانة للسلام العالمي.
ما هو “الحل الثالث”؟ جوهر الاستقلال والحرية
“الحل الثالث” هو تعبير لامع في ثقافة المقاومة من أجل الحرية، يرسم خطوطاً فاصلة واضحة بين نهج المقاومة الأصيلة وكافة التوجهات الانتهازية اليمينية أو تلك التي تخدم مصالح الرجعية والاستعمار.
- صلته بالاستقلال والحرية: ينبع الحل الثالث مباشرة من مبدأي “الاستقلال” و”الحرية”. فهو يعتمد حصراً على الشعب الإيراني وقدراته الذاتية لإسقاط النظام، مجسداً مبدأ “ما حك جلدك مثل ظفرك”.
- امتداد تاريخي وسياسي: يعتبر الحل الثالث امتداداً لإرث استراتيجية “الموازنة السلبية” التي اتبعها الدكتور مصدق، ويعطي الأولوية لسيادة الشعب والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الديمقراطية.
- مرتكز على تجارب الشعب: يستلهم الحل الثالث من تجارب تاريخية للشعب الإيراني، مثل مقاومة الثوار في حي “أمير خيز” الذين اعتمدوا على أنفسهم فقط، أو شجعان “تنگستان” الذين صنعوا مقاومتهم التاريخية المجيدة، وصولاً إلى صمود أشرف الأسطوري على مدى 14 عاماً والذي تحقق بفضل تضحيات مقاتلي جيش التحرير الوطني الإيراني دون أي اعتماد على الخارج.
- مرزبندي واضح: يرسم الحل الثالث خطوطاً فاصلة مع:
- الهاربين من النضال والكفاح.
- أي حرب خارجية كوسيلة للتغيير.
- أي تصورات حول السقوط العفوي للنظام أو المسارات السلمية غير النضالية.
- أي أساليب أو أهداف غير ديمقراطية.
- نظامي الشاه والملالي معاً.
إن رفض الحرب والمهادنة دون تبني الحل الثالث يحول هذا الشعار إلى مجرد موقف سلبي لا ينتج عنه تغيير أو إسقاط، بل يؤدي حتماً إلى الانتهازية والاستسلام والترويج للمساومة.
خطوات عملية لتحقيق “الحل الثالث”
لم يكن “الحل الثالث” مجرد شعار، بل كان جوهر كافة أنشطة ونضالات مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية على مدى 46 عاماً في جميع الساحات العسكرية والسياسية والدولية.
- الحملات السياسية والقانونية: كانت الحملة الشرسة لشطب اسم مجاهدي خلق من قوائم الإرهاب الدولية في جوهرها تطبيقاً للحل الثالث. فعندما يتم وصم القوة الرئيسية الساعية لإسقاط النظام بالإرهاب، فإن ذلك ينزع الشرعية عن حق الشعب الإيراني في النضال.
- مواجهة إثارة الحروب: كان الحل الثالث نقيضاً لسياسات النظام الحربية. ففي حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق، واجه المجاهدون سياسة خميني الحربية بشعار “السلام والحرية”، وفي النهاية أجبر جيش التحرير الوطني خميني على تجرع كأس سم وقف إطلاق النار. ولمواجهة إثارة الحروب من قبل خامنئي في المنطقة، روجت المقاومة لشعار “خلع يد النظام من المنطقة”.
- فضح البرنامج النووي: من أهم خطوات المقاومة لمواجهة نزعة النظام الحربية كانت حملة فضح برنامجه النووي السري. فلو حصل النظام على القنبلة الذرية، لكان ذلك سبباً في فتح أبواب الجحيم والحرب على إيران من كل حدب وصوب.
مشاركة مجاهدي خلق في الحرب الإيرانية-العراقية
عندما بدأت الحرب عام 1980 بتحريض من خميني، وبما أن الهجوم كان على إيران، شارك مجاهدو خلق في الدفاع عن وطنهم وشعبهم وقاتلوا القوات العراقية وقدموا عدداً كبيراً من الشهداء. لكن في يونيو 1982، عندما انسحبت القوات العراقية من خرمشهر ودعت إلى وقف إطلاق النار والسلام، فقدت الحرب أي شرعية وتحولت إلى حرب إجرامية معادية للمصالح الوطنية. عندها، وقف المجلس الوطني للمقاومة ومجاهدو خلق ضد استمرارها بكل شجاعة، وأعلنوا أنها حرب معادية للشعب، ونجحوا في إنهائها عبر جيش التحرير الوطني. ورغم هذا الموقف الوطني، اعتبر النظام وكل التيارات التابعة له هذا الموقف من أكبر “جرائم” المقاومة، وشن حملة شيطنة واسعة لا تزال مستمرة حتى اليوم.
مأزق النظام وتهاوي أيديولوجيته – لماذا يختار خامنئي الحرب؟
قد يتساءل البعض: لماذا اختار خامنئي مسار الحرب رغم معرفته بعواقبه الاستراتيجية الوخيمة؟ لماذا لم يتجنب الحرب خلال خمس جولات من المفاوضات مع أمريكا؟ لماذا أشعل حرب 7 أكتوبر 2023 وهو يعلم أنها ستورطه مع إسرائيل وأمريكا والعالم الغربي؟
الجواب يكمن في حقيقة واحدة: النظام في مرحلة السقوط.
لقد وصل خامنئي إلى قناعة بأنه لمواجهة استمرارية انتفاضة 2022، عليه تغيير المشهد العام عبر إشعال حرب خارجية. ففي نوروز 2023 أعلن عن تفعيل “جبهة المقاومة”، ثم أشعل الحرب في 7 أكتوبر. إن قرار الحرب ليس مجرد خطأ تكتيكي أو استراتيجي، بل هو خيار واعٍ ومضطر له النظام للهروب من خطر الانتفاضة والإطاحة به. إنه يضحي بالضرر الأصغر (الحرب) لتجنب الضرر الأكبر (السقوط).
تأثير الحرب على معارضة الخارج
لقد كشفت الحرب الأخيرة حقيقة الكثيرين في الخارج. “الفاشية الجديدة الملكية” بقيادة ابن الشاه، والتي كانت تراهن بشكل وقح على حرب خارجية للوصول إلى السلطة، منيت بهزيمة غير مسبوقة، وتدهور وضعها إلى مجرد أداة استخباراتية وأمنية تتواصل اليوم مع قادة حرس النظام الإيراني. كما فضحت الحرب “المعارضين المصدرين” من قبل النظام، الذين تظاهروا لسنوات بمعارضة النظام، لكنهم في ساعة الحقيقة عادوا إلى أصلهم.
لجوء خامنئي إلى القومية: إعلان النهاية
بعد الحرب، لجأ خامنئي إلى خطاب قومي زائف، ففي مراسم عزاء، يتم عزف نشيد “إي إيران”، وفي ساحة آزادي يتم تقديم عرض لنشيد “إي إيران أيها الوطن المليء بالجواهر” بمشاركة عازفات. هذه الإجراءات ليست سوى خداع، لكن الوجه الآخر لعملة الخداع هو حقيقة إفلاس أيديولوجية النظام وأساطيره. النظام الذي بنى بقاءه على “الإسلام الرجعي” كأداة قمع، يجد اليوم أن كل ذلك قد تحول إلى ضده، فاضطر إلى اللجوء لقومية كرتونية مخادعة، وهو بذلك يعلن عن نهاية نظامه.
الحل في “الحل الثالث” وبرنامج النقاط العشر
النظام اليوم غارق في مستنقع حرب لا يملك القدرة على الاستمرار فيها، ولا يستطيع الانسحاب منها دون أن يعني ذلك سقوط هيمنة خامنئي. استراتيجيته القائمة على القوات بالوكالة والعمق الاستراتيجي قد فشلت وتحولت إلى عبء عليه. برنامجه النووي الذي كان ضمانة لبقائه أصبح لعنة تطارده. والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتفاقم دون أي أفق للحل.
إزاء هذا الواقع، فإن الحل الوحيد يكمن في “الحل الثالث” وبرنامج السيدة مريم رجوي ذي النقاط العشر لمستقبل إيران. هذه الاستراتيجية نابعة من تجربة مقاومة الشعب الإيراني الدامية، وترتكز على قاعدة اجتماعية واسعة. إن نظرة على تاريخ نضالات الشعب الإيراني على مدى 120 عاماً تؤكد أن “الحل الثالث” هو الطريق الذي كُتب النصر الحتمي على جبينه.


