إنكار وجود السجناء السياسيين في إيران: سياسة مشتركة بين نظام الملالي والشاه
في إيران، وعلى مدى عقود، ظل إنكار وجود السجناء السياسيين سياسة ثابتة تخدم منظومة القمع سواء في زمن الشاه أو نظام الملالي الحالي. هذا الإنكار المتزامن مع ممارسة القتل والتعذيب المتواصل للسجناء السياسيين لا يمثل سوى وجه من أوجه عمليات التنكر للواقع الوحشي الذي يعانيه المعارضون السياسيون داخل السجون الإيرانية.
سياسة الإنكار عبر التاريخ
في 17 سبتمبر 1978، كان كبير جلادي جهاز السافاك في عهد الشاه، برويز ثابتي، يكتب في رسالة رسمية قال فيها إنهم لا يعترفون بالسجناء السياسيين بل يسمونهم “سجناء معادين للأمن”، رغم أن في تلك الفترة تعرّض آلاف السجناء السياسيين لأبشع أنواع التعذيب والقتل. الشاه كان ينكر هذه الوقائع رسميًا، مصنفًا المعارضين كإرهابيين.
اليوم، يكرر عدد من كبار مسؤولي نظام الملالي هذا الإنكار، إذ جاء تصريح محسني إجلئي، المدعي العام والقاضي الأعلى في النظام عام 2025، مفضحًا زيف ادعاءات النظام بإنكار وجود “السجناء السياسيين”. فقد قال صراحة إن من يسمونهم سجناء سياسيين هم في واقع الأمر سجناء أمنيّون، مشيرًا إلى أنهم “ليس لديهم سجن سياسي واحد”، متجاهلًا آلاف المعتقلين الذين يقبعون في السجون بسبب معارضتهم السياسية.
الواقع المرير للسجناء السياسيين في 2025
رغم هذه الادعاءات، تكشف التقارير الدولية والمحلية عن ظروف مأساوية يعانيها آلاف السجناء السياسيين الذين يقبعون في أكثر من 47 سجنا إيرانيًا، تشمل تعذيبًا، وإعدامات ميدانية وسرية، ونقلًا قسريًا أدى إلى زيادة مخاطر الإعدام. ففي أغسطس 2025، نقل النظام خمسة سجناء سياسيين محكومين بالإعدام قسرًا إلى سجن قزل حصار، الذي يتصدر قائمة السجون التي تنفذ فيه أحكام الإعدام بشكل ممنهج وسري، ما أثار إدانات دولية حادة ومنظمات حقوق الإنسان التي حذرت من خطر إعدامهم الوشيك.
وقد كشفت منظمة العفو الدولية أن هؤلاء المعتقلين تعرضوا لاعترافات قسرية تحت التعذيب، بممارسات منها الضرب والتعذيب النفسي، رغم أن المحاكماتهم تنطوي على انتهاكات جسيمة للعدالة وقواعد المحاكمات العادلة.
إدانة دولية وتحذيرات من تكرار مجازر تاريخية
هذه الانتهاكات تتزامن مع موجة إدانات وبرلمانات دولية تطالب بوقف هذه الممارسات، مستذكرة مجزرة عام 1988 التي أُعدم فيها أكثر من 30 ألف سجين سياسي بناءً على فتوى خميني. فقد أعلن 13 نائبًا من البرلمان الأرجنتيني وغيرها من الهيئات الدولية عن رفضها التام للإعدامات الوحشية وسجلت مطالبات صريحة بوقفها فورًا.
الخوف من الكشف والاعتراف الرسمي
إنكار مسؤولين كبار مثل إجلئي ومحاولة وسائل الإعلام التابعة للنظام تقليل أعداد السجناء السياسيين إلى حد الاندثار، تأتي كدليل على خوف النظام من الكشف عن حجم القمع الحقيقي الذي يتجاوز حاليًا آلاف المعتقلين، بحسب بيانات المقاومة الإيرانية التي تشير إلى وجود أكثر من 3700 سجين سياسي بعد استبعاد ضحايا الإعدام والمجازر.
كما أن قيادات منظمة مجاهدي خلق وصوت المعارضة الصامد يدعون النظام إلى فتح أبواب السجون للرقابة الدولية مثل المفوض السامي لحقوق الإنسان، الصليب الأحمر، ومنظمات العفو الدولية للتحقق من أوضاع المعتقلين وكشف الحقائق.
استمرارية هذين النظامين في السياسة القمعية
سياسة إنكار وجود السجناء السياسيين، رغم يأسها من وجهة نظر العدالة والحقوق الإنسانية، هي مظهر قوي من مظاهر الرابط المشترك بين نظام الشاه ونظام الملالي الذي يتكبّد شعارهما “مئة عام من الجريمة” صدى مروعًا في تاريخ القمع الإيراني.
حيث تتسم هاتان الديكتاتوريتان بالاعتماد على إنكار الحقوق الأساسية، والمصادرة العنيفة للحرية، واجتثاث أصوات المعارضة، مع فرق وحيد هو نوع النظام الحاكم، لكن النتيجة واحدة: استمرار معاناة سجناء الرأي والسياسة في ظلمات السجون الإيرانية.


