الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

زيارة علي لاريجاني إلى لبنان: محطات التوتر وإعادة رسم موازين القوى الإقليمية في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والضغوط السياسية المتزايدة على لبنان، جاءت زيارة علي لاريجاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني

زيارة علي لاريجاني إلى لبنان: محطات التوتر وإعادة رسم موازين القوى الإقليمية

زيارة علي لاريجاني إلى لبنان: محطات التوتر وإعادة رسم موازين القوى الإقليمية
مقدمة :
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والضغوط السياسية المتزايدة على لبنان، جاءت زيارة علي لاريجاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إلى بيروت في الفترة من ۱۳ إلى ۱۵ أغسطس ۲۰۲۵، كرسالة إيرانية سياسية وعسكرية لها أبعاد استراتيجية عميقة. هذه الزيارة التي جاءت ضمن جولة إقليمية شملت العراق، تسلط الضوء على الدور المتشابك لإيران في الملف اللبناني، لا سيما في ظل النقاشات الساخنة حول ملف سلاح حزب الله ومستقبل المقاومة، إلى جانب محاولات الحكومة اللبنانية تنظيم هذا الملف في ظل تحديات داخلية وخارجية متعددة.
أهمية الزيارة وحضور لاريجاني
تزامنت زيارة لاريجاني مع نقاش لبناني داخلي حاد حول مستقبل المقاومة ودور إيران في الإقليم. لاريجاني التقى بجميع رؤساء السلطات اللبنانية: رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس البرلمان نبيه بري، بالإضافة إلى نخبة سياسية ودينية من مختلف الطوائف اللبنانية (شيعية، سنية، مسيحية، درزية وعلوية). لم تقتصر اللقاءات على الطابع الرسمي؛ فقد شارك لاريجاني كذلك في تكريم رموز المقاومة وزار ضريح سيد حسن نصر الله، حيث أكد أن إيران لا تتدخل في شؤون الدول، لكنها تدعم خط المقاومة أمام الاحتلال الصهيوني.
موقف الحكومة اللبنانية والشخصيات السياسية
رئيس الحكومة نواف سلام عبّر بصراحة عن رفضه لتصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين في الفترة الأخيرة، واعتبرها تدخلاً في شؤون لبنان وتجاوزاً للأعراف الدبلوماسية، مع التأكيد على سيادة لبنان وحريته في اتخاذ قراراته وفق المصالح الوطنية وليس بحسب ضغوط خارجية. كما شدد أن لبنان لا يحتاج دروساً في المقاومة، إذ كان دائماً في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية ودفع أثماناً باهظة لهذا الخيار، ورفض بشكل قاطع التحول إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية أو الدولية.
من جهة أخرى، أبدى رئيس البرلمان نبيه بري مرونة أكثر في التعامل، إذ يُعد جسراً هاماً بين المقاومة الإيرانية وحزب الله والسلطة اللبنانية، وقد استقبل لاريجاني بحفاوة خاصة نظراً لدوره الحيوي في الطائفة الشيعية ووساطته التقليدية في الأزمات الداخلية.
موقف الشعب اللبناني وردود الأفعال
على الصعيد الشعبي، شهدت الزيارة حضوراً وتجمعات ملحوظة في استقبال الوفد الإيراني، خصوصًا من بيئة المقاومة والطوائف المؤيدة لحزب الله. بينما عكست بعض الأوساط الإعلامية والشخصيات الليبرالية والمدنية رفضاً لمظاهر تدخل إيران في المشهد اللبناني وتوجساً من تصاعد حدة الصراع الطائفي والمناطقي نتيجة الاستقطاب القائم.
موقف حزب الله وشيخ نعيم قاسم
رداً على مبادرة الحكومة لتقييد المقاومة، خرج الشيخ نعيم قاسم، نائب أمين عام حزب الله، بسلسلة تصريحات قال فيها: إن أي محاولة لمواجهة حزب الله أو نزع سلاحه ستُعد خطأً قاتلاً يفتح باباً للحرب الأهلية. وأكد قاسم أن لا إمكانية للحديث عن سيادة لبنان من دون المقاومة، وأن الدولة إن حاولت مواجهة المقاومة، فهي عملياً تنفذ المشروع الإسرائيلي وستتحمل المسؤولية الكاملة عن أي انهيار محتمل في البلاد. كما شدد أن سلاح المقاومة هو الضمانة الأساسية أمام العدوان الإسرائيلي، وأن حزب الله باق في موقعه ولن يستسلم مهما كان الضغط.
التحليل الاستراتيجي والنتائج المحتملة
هذه الزيارة تحمل أبعاداً إستراتيجية تتجاوز الحدود اللبنانية الداخلية؛ فهي تأتي في ظل سباق سياسي بين إيران وأمريكا والسعودية على النفوذ في لبنان، وتُعد رسالة واضحة بأن طهران لن تتخلى عن دعمها لحزب الله والمقاومة وإن تغيرت الظروف الإقليمية. هناك أيضاً رسالة تحذيرية للدول العربية بأن أي محاولة لإنهاء وجود المقاومة ستنعكس اضطراباً عميقاً على مستوى الأمن الإقليمي وحتى الداخلي اللبناني.
من الناحية الإيرانية، تُعزز هذه الخطوة عمق التحالف مع حزب الله، وتمنح إيران أوراق ضغط في معادلة الردع الإقليمي. بالنسبة للبنان، تُحافظ هذه العلاقات على الوزن النوعي للمقاومة وتضيف تحديات للحكومة في إيجاد توازن بين المتطلبات الدولية والمحلية. أمّا بالنسبة لحزب الله، فهي تحمل تأكيداً على استمرار الدعم الإيراني وتذكيراً بأن سلاح المقاومة خط أحمر.
خلاصة القول، إن زيارة لاريجاني تمثل مشهداً دبلوماسياً يحتدم حوله الصراع الداخلي اللبناني والتجاذبات الإقليمية والدولية، وقد تكون نبراساً لمزيد من التصعيد أو ربما بداية لتسويات صعبة تفرضها قوانين القوة والمصالح في المنطقة.

رئيس النظام: قطعة شطرنج بلا حريات
في النظام الإيراني منذ تأسيسه عام 1979، لم يكن منصب الرئاسة سوى دور شكلي وهش، لا يملك سنداً دستورياً أو شعبياً قوياً لمواجهة سلطة الولي الفقيه المطلق. هذه الحالة السياسية المتأزمة جعلت من كل رؤساء الجمهورية مجرد “أحجار محترقة” في لعبة سياسية يهيمن عليها المرشد الأعلى، حيث يُتحكم بمصائر رؤساء الجمهورية من قِبل السلطة الحقيقية، وتتكرر ظاهرة عزله أو إذلاله بعد فترة قصيرة من توليه المنصب.
هذه التركيبة تجعل الرئيس عاجزاً عن صنع القرار أو تثبيت موقعه، ويُنتظر على الدوام أن يكون مطواعاً أو أن يٌقال من منصبه، كما نرى في عداوة النظام الداخلي ضد مسعود پزشکیان.بزشکیان بين مواقف السلطة وتحديات الداخل
مسعود پزشکیان، الذي يشغل رئاسة الجمهورية الحالية، أصبح محور صراع سياسي شديد داخل النظام. خطابه الأخير الذي جاء فيه: “إذا لم نتكلم، هل سنقاتل؟” استفز المحافظين والمتشددين، حيث اعتبروه إشارة إلى ضعف وانهيار في مواجهة الضغوط العسكرية والسياسية، فضلاً عن تلقيه انتقادات حادة وصلت إلى دعاوى بحجب الثقة عنه في البرلمان.
الخطاب أعاد إلى الأذهان الفجوة في شرعية النواب الحاليين مقارنة ببرلمان أوائل الثورة، حيث أكد مقال في صحيفة “هم ميهن” أن نواب النظام الحالي يحصلون على أصوات أقل بعشرة أضعاف من البرلمانات الأولى، ما ينعكس على ضعف تمثيلهم الشعبي وافتقارهم للحكمة الجماعية التي كانت سمة مميزة للسياق السياسي في بدايات النظام.
كما تطرق مقالات أخرى مثل ما كتبه عباس عبدی في صحيفة “اعتماد”، إلى تشخيص عميق لمشاكل النظام، حيث وصف خصوم پزشکیان بأنهم “مُتدينون طائفيون بعناد ورؤية قيامية، يؤمنون بالخرافات ولا يحترمون الكفاءة”، وهو نقد مباشر يسلط الضوء على الانقسامات العميقة حول رؤية الحكم والسياسة داخل النظام.مستقبل النظام بين الفوضى والتغيير
يتمحور جوهر المشكلة في نظام ولاية الفقيه بين تمثيلية محدودة ومسار تسلطي قهرى يتجاهل إرادة الشعب، مما يؤدي إلى تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بكل تفاصيل حياة الإيرانيين.
في مواجهة هذه الأزمة، تبقى الخيارات محدودة:

  • إما قبول بزشکیان ودوره كواجهة ضعيفة تعكس صراعات السلطة الحقيقية.
  • أو الاستعداد لإقصائه قريباً كما حدث مع رؤساء سابقين.
  • أو اللجوء إلى تغيير جذري يعيد للشعب حق تقرير مصيره ويكسر الحلقة المفرغة للحكم الديكتاتوري.

في كل الأحوال، هذه الصراعات التي أصبحت مرئية اليوم بين بزشکیان والمتشددين ليست مجرد معركة شخصية، بل مؤشر على أزمة أعمق تضع مستقبل النظام برمته على المحك.خلاصة
رئاسة الجمهورية في نظام ولاية الفقيه الإيرانية ليست سوى “لعبة شطرنج بلا أحجار” حقيقية يمكنها تغيير مصير البلاد. الصراع الحالي مع مسعود پزشکیان لا يعكس فقط خلافات سياسية بين أجنحته، بل هو تعبير عن أزمة هيكلية في نظام حكم يحكم بسُلطة مطلقة ويرفض التعددية أو التمثيل الحقيقي. تتعارض هذه القوى مع روح العصر ومتطلبات شعب يطالب بالحرية والإصلاح، مما يجعل الطريق أيًّا يكن معقدًا للغاي