الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

مسرح القسوة: كيف أصبحت الإعدامات لغة النظام الإيراني الوحيدة في مواجهة ثورة لا تهدأ عندما يفقد نظام سياسي كل أدوات التواصل مع شعبه - لغة الاقتصاد، لغة السياسة، لغة الشرعية - فإنه لا يتبقى لديه سوى لغة واحدة يتحدث بها: لغة العنف المطلق.

مسرح القسوة: كيف أصبحت الإعدامات لغة النظام الإيراني الوحيدة في مواجهة ثورة لا تهدأ

مسرح القسوة: كيف أصبحت الإعدامات لغة النظام الإيراني الوحيدة في مواجهة ثورة لا تهدأ

عندما يفقد نظام سياسي كل أدوات التواصل مع شعبه – لغة الاقتصاد، لغة السياسة، لغة الشرعية – فإنه لا يتبقى لديه سوى لغة واحدة يتحدث بها: لغة العنف المطلق. وما نشهده اليوم في إيران ليس مجرد ارتفاع في أعداد الإعدامات، بل هو تحول استراتيجي متعمد نحو ما يمكن تسميته بـ”مسرح القسوة”. إن الإعدامات العلنية، والأحكام الجائرة، واستهداف الأقليات والنشطاء، ليست مجرد ممارسات قمعية، بل هي فصول متكاملة في مسرحية دموية مصممة بعناية لتحقيق هدف واحد: شل إرادة مجتمع تواق للثورة. هذا التحول نحو الوحشية المطلقة ليس علامة قوة، كما يحاول النظام أن يوحي، بل هو اعتراف صريح بالهزيمة السياسية والأخلاقية. إنه صوت نظام يصرخ من شدة الرعب، عالماً أن نهايته باتت وشيكة. وفي مواجهة هذا المسرح الذي يروج لثقافة الموت، يستعد العالم ليشهد مسرحاً آخر في بروكسل، مسرحاً يحتفي بثقافة الحياة والحرية.

استراتيجية الرعب المدروسة: تفكيك أهداف آلة القتل

إن تقرير الأمم المتحدة الأخير هو بمثابة الكشف عن سيناريو هذه المسرحية المروعة. فالأرقام – 841 إعداماً موثقاً في ثمانية أشهر – ليست مجرد إحصائيات، بل هي مؤشر على حجم الإنتاج في “مصنع الموت” الذي يديره النظام. لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، في الاختيار المتعمد للضحايا. فعندما تستهدف الإعدامات بشكل غير متناسب الأقليات العرقية من الأكراد والعرب والبلوش، فإن الهدف ليس مجرد العقاب، بل هو تنفيذ استراتيجية خبيثة لتمزيق النسيج الاجتماعي الإيراني، وبث بذور الشقاق لمنع تبلور هوية وطنية موحدة تتجاوز الانتماءات العرقية وتتوحد ضد العدو المشترك في طهران.

والفصل الثاني من هذه المسرحية هو استهداف رموز المقاومة. فعندما يواجه 11 شخصاً الإعدام الوشيك، بينهم ستة متهمين بالانتماء لمنظمة مجاهدي خلق وخمسة من المشاركين في انتفاضة 2022 مثل الناشطة شريفة محمدي، فإن الرسالة تكون موجهة إلى كل إيراني يفكر في التغيير. إنها تقول لهم: “يمكنكم أن تجوعوا، يمكنكم أن تيأسوا، لكن لا تجرؤوا على تنظيم أنفسكم، ولا تجرؤوا على الانضمام إلى بديل منظم”. إن الرعب الحقيقي للنظام لا يكمن في الاحتجاجات العفوية، بل في تحول هذه الاحتجاجات إلى حركة سياسية منظمة تملك قيادة ورؤية، وهذا هو بالضبط ما تمثله منظمة مجاهدي خلق.

أما ذروة هذه المسرحية فتتمثل في الإعدامات العلنية. وكما أشارت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة، فإن هذه الممارسة “تضيف طبقة أخرى من الإساءة لكرامة الإنسان”. إنها طقوس وحشية من العصور الوسطى تهدف إلى تحطيم الروح المعنوية للمجتمع، وخصوصاً الأطفال، وجعل الموت والعنف جزءاً طبيعياً من الحياة اليومية. إنها محاولة لقتل الأمل في مهده.

الرد الحتمي: عندما تواجه ثقافة الحياة ثقافة الموت

لكن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه. وفي مواجهة هذا المسرح الذي يروج لثقافة الموت، يستعد العالم ليشهد رداً قوياً في *بروكسل في السادس من سبتمبر*. إن المظاهرة الحاشدة التي ستُنظم هناك ليست مجرد رد فعل، بل هي عرض مضاد، مسرح عالمي يحتفي بثقافة الحياة والحرية والكرامة الإنسانية.

إنها المواجهة المباشرة بين لغتين: لغة المشنقة ولغة الحرية. ففي الوقت الذي يستخدم فيه النظام الحبال لشنق أبناء إيران، سيستخدم المشاركون في بروكسل أصواتهم ليعلنوا عن ولادة إيران جديدة. وفيما يستهدف النظام الأقليات لتمزيق البلاد، ستُظهر مظاهرة بروكسل وحدة الشعب الإيراني بكل مكوناته تحت راية واحدة.

والأهم من ذلك، أن هذه المظاهرة ستقدم للعالم رؤية بديلة وملموسة. ففي مواجهة القوانين الجائرة التي تستخدم تهماً فضفاضة مثل “الحرابة” و”الإفساد في الأرض” لإصدار أحكام الإعدام، سيقدم المشاركون في بروكسل دعماً قوياً *لخطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط*. هذه الخطة، التي ينص بندها الأول على إلغاء عقوبة الإعدام، هي النقيض المطلق لكل ما يمثله نظام الملالي. إنها رؤية لدولة تقوم على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، والعدالة.

الرسالة التي ستنطلق من بروكسل ستكون واضحة كالشمس: لقد فشل مسرح القسوة في تحقيق أهدافه. لم يتم كسر إرادة الشعب، ولم يتم القضاء على المقاومة المنظمة. وبدلاً من ذلك، فإن كل عملية إعدام لا تفعل شيئاً سوى زيادة الغضب وتعميق التصميم على التغيير. إن مظاهرة السادس من سبتمبر هي الإعلان الرسمي بأن الفصل الأخير من هذه المسرحية المأساوية قد بدأ، وأن الشعب الإيراني، بدعم من ضمير العالم، هو من سيكتب نهايتها.
د. قصي الدميسي نائب برلماني أردني سابق