النظام الإيراني وتنفيذ آلية الزناد..
بداية عصر جديد من العقوبات الدولية ضد إيران وآفاقه المتشابكة
في فجر حدث دولي ذو وزنٍ استراتيجي كبير تمّ تفعيل آلية الزناد (Snapback) المنصوص عليها في القرار رقم 2231 لمجلس الأمن الدولي.. حيث دخلت العقوبات السابقة على اتفاق برجام حيّز التنفيذ.. أعاد هذا القرار الذي أُعلن مع التداخل في تسميتي التوقيت (فجر يوم الأحد 6 أكتوبر 2025 — مع الإشارة أيضاً إلى 28 سبتمبر 2025 في بعض الروايات) إلى الواجهة حزمة قرارات دولية سابقة – منها القرارات 1696، 1737، 1747، 1803، و1929، وأعاد فرض قيودٍ صارمة وملزمة على جميع الدول.
إن تفعيل آلية الزناد ليس إجراءً روتينياً بل إنه إعلان عن عودة منظومة عقوباتٍ شاملة تضم حظراً على تصدير واستيراد الأسلحة، وقيوداً على البرامج الصاروخية والنووية، وتدابير مصرفية تصل إلى تجميد الأصول، وهي التزامات تُحمّل جميع الدول الـ 193 في الأمم المتحدة مسؤولية تنفيذها.
معنى التفعيل: لماذا «الزناد» مهمّ؟
إن أهمية تفعيل آلية الزناد تكمن في طابعها القانوني والعملي معاً: فهي آلية تضغط على إيران عبر إعادة العمل بجملة من القرارات السابقة بصورة فورية وملزمة من دون الحاجة إلى التفاوض طويل الأمد أو إلى العودة إلى مسارات دبلوماسية قد تكون عقيمة.. هكذا يصبح تفعيل آلية الزناد أداة قانونية متقنة لإعادة ضبط الأمور الدولية بشأن الملف الإيراني، ويحوّل الضغوط إلى إطار مؤسسي واضح ومسؤولية دولية مشتركة.
الآلية القانونية: ماذا يقول القرار 2231 عن “الزناد”؟
ينص القرار 2231 (2015) الذي صادق على خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) على وجود آلية خاصة أُطلق عليها اصطلاحاً “آلية الزناد” (Snapback) ، ووفق الفقرة (11) وما بعدها من الملحق “B” للقرار فإن أي دولة مشاركة في الاتفاق النووي – وتحديداً «الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، الصين، إيران، والاتحاد الأوروبي” – يحق لها إخطار مجلس الأمن بما تعتبره “عدم امتثال جوهري” من قبل إيران، وبموجب ذلك الإخطار:
- يلتزم المجلس بالاجتماع فوراً للنظر في الشكوى.
- في حال لم يتمكّن المجلس من اعتماد قرار يواصل رفع العقوبات خلال30 يوماً (وهو ما يتطلب توافقاً دولياً) فإن جميع العقوبات التي كانت مفروضة قبل توقيع الاتفاق تعود تلقائياً ودون الحاجة إلى تصويت جديد.
- هذه العودة التلقائية لا يمكن تعطيلها باستخدام حق النقض (الفيتو) لأن الآلية بُنيت على قاعدة “العودة التلقائية” إذا لم يتم التصويت على استمرار رفع العقوبات.
هذا ما يميز تفعيل آلية الزناد عن غيرها من الآليات: فهي تحصّن العقوبات ضد التعطيل أو العرقلة داخل مجلس الأمن وتجعل أي طرف مشارك في الاتفاق قادراً على إعادة المنظومة العقابية بأكملها عبر إخطار وحيد.
كيف يؤثر التفعيل على موازين القوى داخل إيران؟
مع تفعيل آلية الزناد تتصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية على قيادة نظام الملالي.. لذا يجد الولي الفقيه علي خامنئي نفسه أمام قفزةٍ نوعية في الحصار الدولي: اقتصاده منهك فعلاً، والاحتجاجات الشعبية متواصلة، والتحالفات الدولية والإقليمية لا تبدو كفيلة بتعويض الخسائر.. وبهذا المعنى لا يمكن فصل تفعيل آلية الزناد عن هشاشة الموقف الداخلي؛ فالآلية تضيف بُعدين جديدين على الأزمة ” بُعدًا قانونيًا دوليًا يجعل الالتفاف أكثر صعوبة، وبُعدًا عمليًا يؤثر مباشرة على واقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد.”
تأثير فوري ومباشر.. اقتصاد على شفا الانهيار
نتيجة لتفعيل آلية الزناد ستتجسّد آثار ملموسة على العملة المحلية وأسعار السلع وسير البورصات والقدرة على التعامل مع الشبكات المصرفية العالمية (مثل SWIFT) ).. في ضوء ذلك يزداد احتمال انهيار قيمة الريال وارتفاع الدولار، وتعطّل القنوات المالية الدولية مما يضع النظام أمام خيارين كلاهما مُر: إما الاستجابة والبحث عن تسويات أو مواصلة المواجهة وتحمل تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة مرّة أخرى، ويظهر أن تفعيل آلية الزناد ليس مجرد جملةٍ قانونية بل هو قرار عملي يترجم عاجلاً إلى ضيقٍ ماديٍ يختبر قدرة النظام على البقاء.
بُعد أمني واستراتيجي: محاولات الالتفاف وقيودها
قد يسعى النظام إلى التحايل على الآثار عبر تعزيز علاقاته مع روسيا والصين أو عبر إعادة تنشيط الوكلاء الإقليميين.. لكن تفعيل آلية الزناد يزيد من تعقيد هذه المعادلة؛ فالإلتفافات التقليدية لم تعد تملك نفس الفاعلية أمام إطار عقوباتٍ شامل وملزم دولياً، وهنا يتضح أن الزناد لا يضغط فقط على الاقتصاد بل يستهدف أيضاً تآكل هامش المناورة الدبلوماسية والعسكرية.
انعكاسات داخلية: تصاعد الشقاق وسيناريوهات الانفجار
عند قراءة المشهد الداخلي بعد تفعيل آلية الزناد تتعاظم الانقسامات بين الفصائل داخل النظام: بين من يدعو إلى التفاوض كمنقذٍ محتمل وبين من يصرّ على المواجهة كخط دفاعٍ أخير.. الضغوط الاقتصادية المتزايدة، والقصور في الموارد واحتدام الاحتجاجات الشعبية تجعل المشهد أقرب إلى انفجارٍ اجتماعي إذا لم تُجْهِد السلطة في إيجاد مخرجٍ حقيقي.. ومن جديد تظل آلية الزناد عاملاً مسرّعاً لهذه الديناميكية لا مجرد مُحَفِّزٍ نظري.
لماذا هذه اللحظة تاريخية؟
إن تفعيل آلية الزناد يمثل نقطة تحوّل؛ فالإجراءات لم تعد محكومة بتقلبات سياسية آنية بل أصبحت إطاراً مؤسسياً يُنفّذ بشكل فوري وموحد.. وهذه الحقيقة تمنح المجتمع الدولي زمناً واستراتيجية موحدة للتعامل مع ملف إيران، وتُقلّص هامش المناورة الذي اعتُمد عليه سابقاً.. لذلك فالتفعيل يفتح صفحةً جديدة من الضغوط متعددة الأوجه (سياسية – اقتصادية – ودبلوماسية) ويزيد معها احتمال تغييرٍ جذري في ميزان القوى داخل البلاد.
تفعيل الزناد فرصة ومخاطرة
ختاماً يبقى القول واضحاً: تفعيل آلية الزناد ليس مجرد خطوة تكنوقراطية بل هو فعلٌ حاسم يعيد رسم قواعد اللعبة.. إذ أنه يضع النظام الإيراني أمام اختبارٍ عسير بين الاستجابة أو التصلّب، وبين محاولة النجاة عبر التحايل أو المواجهة وتحمُّل ثمنٍ باهظ.. وفي مواجهة هذا الاختبار تتشابك فرص الثورة مع مخاطر التصعيد، وتبرز مسؤولية المجتمع الدولي في ضمان أن يؤدي هذا التفعيل إلى نهايةٍ تفضي إلى مستقبلٍ مستقرّ وشامل للشعب الإيراني .. لا إلى فوضى تُكبد الجميع خسائر إنسانية جسيمة.
د.سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي


