الانتفاضات الشعبية في إيران.. وشرخ أعمق في أُسس النظام
عبدالرزاق الزرزور
كيف يؤدي عجز النظام عن كبح الاحتجاجات إلى تمهيد الطريق للإسقاط
لقد مر ثماني سنوات على بداية الانتفاضات الشعبية الشاملة في إيران.. وهو حراك بدأ باحتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2017، وحتى اليوم، ورغم القمع الوحشي لم تتوقف فحسب بل تعمقت واتسعت في كل مرحلة؛ هذه الاحتجاجات ليست مجرد رد فعل بسيط على المشاكل الاقتصادية أو الاجتماعية بل هي مؤشر على أزمة أعمق في شرعية النظام وفعاليته تخلق كل يوم شروخاً جديدة في هيكل سلطته.. نظام ولاية الفقيه بكل قوته العسكرية والأمنية والإعلامية لم يتمكن من إخماد هذه النار الكامنة تحت الرماد فحسب وإنما أشعل نيران الغضب العام أكثر مع كل عمل قمعي.
إحدى النقاط الرئيسية في تحليل هذه الاحتجاجات هي تغيير طبيعتها وتوسع دائرة المشاركين فيها؛ ربما كان تركيز الاحتجاجات في البداية بشكل أكبر على القضايا المعيشية والطبقية، ولكن تدريجياً انضمت شرائح مختلفة من المجتمع من الطلاب وأساتذة الجامعات إلى المعلمين والمتقاعدين والعمال، وحتى المزارعين وسائقي الشاحنات إلى هذه الحركة.. هذا التوسع يشير إلى استياء عام ومنهجي تعود جذوره إلى المآزق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنظام؛ في الواقع كل مجموعة في المجتمع لسبب خاص تجد نفسها في مواجهة هذا النظام وتسعى إلى حل في تغيير جذري لهيكل الحكم.
من منظور النظام هذه الانتفاضات هي بمثابة كابوس مستمر، ولقد اتهم كبار مسؤولي النظام من خامنئي إلى قادة الحرس الثوري مراراً “العدو” الخارجي والداخلي بمحاولة الإطاحة بهم.. لكن الحقيقة هي أن الاستياء الداخلي قد وصل إلى حد لم يعد بالإمكان تقليصه لحصره وتوجيهه إلى عوامل خارجية.
الشعارات مثل “الموت للدكتاتور” و”الموت لخامنئي” في جميع أنحاء البلاد ليست مجرد مطالبة بتغيير الزعيم وإنما هي مطالبة بإنهاء نظام ولاية الفقيه بأكمله، وقد حطمت هذه الشعارات خطوط النظام الحمراء وتظهر أن الناس قد تجاوزوا عاملي الخوف والتهديد.
نقطة أخرى جديرة بالاهتمام هي سرعة انتشار هذه الاحتجاجات وتنظيمها النسبي على الرغم من قطع الإنترنت وتعطيل شبكات الاتصال، وتنتشر الأخبار والدعوات بسرعة في المجتمع.. وهذا يشير إلى وجود شبكات اتصال سرية ومنظمة قادرة على حشد الناس في اللحظات الحاسمة؛ هذه الشبكات وضعت النظام في موقف صعب ذلك لأنه لا يستطيع التحكم الكامل في الاتصالات العامة ويواجه في أي لحظة تهديد انتفاضات جديدة في مناطق مختلفة.
تأثير هذه الاحتجاجات على مؤسسات النظام ملحوظ أيضاً.. فمن ناحية تواجه الأجهزة الاستخباراتية والأمنية كماً هائلاً من العمل والقمع الذي يستنزف مواردها، ومن ناحية أخرى فإن هذا القمع ليس فعالاً فحسب بل يؤدي إلى زيادة الغضب العام وانضمام المزيد من الأفراد إلى صفوف المحتجين.
داخل الحرس الثوري والبسيج أيضاً هناك همسات استياء وشكوك، وعلى الرغم من أن النظام يقمع هذه الأصوات بقبضة من حديد إلا أن هذه الشكوك يمكن أن تؤدي في اللحظات الحاسمة إلى شروخ أكثر خطورة في جسد النظام، ويضع هذا الوضع النظام في مأزق استراتيجي.. فالمزيد من القمع لن يؤدي إلا إلى راديكالية الاحتجاجات ويجعل العودة أكثر صعوبة، ومن ناحية أخرى فإن إظهار المرونة يعني إعطاء الضوء الأخضر للمحتجين لتوسيع أنشطتهم، وفي مثل هذه الظروف لا يجد النظام مفراً من تشديد القمع وإغلاق جميع سبل الحوار مما يغذي بدوره دوامة العنف والغضب، وستؤدي هذه الدوامة في النهاية إلى إضعاف النظام بشكل أكبر وتسريع عملية سقوطه.
تلعب المقاومة الإيرانية وحركتها المنظمة دوراً محورياً في هذا السياق؛ هذه المقاومة بقيادة السيدة مريم رجوي ومن خلال تقديم بديل ديمقراطي والتزامها بالبرنامج ذي النقاط العشر تمنح الاحتجاجات الشعبية توجهاً وتماسكاً.. كما أن وحدات المقاومة في جميع أنحاء البلاد كمحرك لهذه الانتفاضات ومن خلال عملياتها الشجاعة والمنظمة تكسر أجواء الرعب والخوف، وتشعل شرارة الاحتجاجات في مدن مختلفة وتمهد الطريق لانتفاضات أوسع.
رسائل المقاومة التي تدعو إلى الحرية والعدالة وسيادة الشعب تعمل كضوء إرشادي للناس الذين يبحثون عن التغيير.. هذا التآزر بين الانتفاضات الشعبية ونشاط وحدات المقاومة، والقيادة المنظمة للمقاومة قد خلق قوة تدفع بالنظام يوماً بعد يوم نحو هاوية السقوط.. ومستقبل إيران بلا شك في أيدي هؤلاء الناس والمقاومة المنظمة الذين يقفون بكل قوتهم ضد الاستبداد.
عبدالرزاق الزرزور – محامي وناشط حقوقي وسياسي سوري


