الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

الاختناق والمأزق: لماذا حوّل نظام ولاية الفقيه الإعدام والتضخم إلى سلاح للبقاء؟ تلاقي الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة وموجة الإعدامات يضع المجتمع الإيراني على عتبة قفزة ثورية؛ الطريق الوحيد للخروج هو استراتيجية "وحدات المقاومة" و"لا للإعدام".

الاختناق والمأزق: لماذا حوّل نظام ولاية الفقيه الإعدام والتضخم إلى سلاح للبقاء؟

الاختناق والمأزق:

لماذا حوّل نظام ولاية الفقيه الإعدام والتضخم إلى سلاح للبقاء؟

د. سامي خاطر

تلاقي الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة وموجة الإعدامات يضع المجتمع الإيراني على عتبة قفزة ثورية؛ الطريق الوحيد للخروج هو استراتيجية “وحدات المقاومة” و”لا للإعدام”.

يجد المجتمع الإيراني نفسه عند نقطة غليان تاريخية. وبالنظر إلى التطورات الأخيرة، يتضح أن بقاء نظام ولاية الفقيه مرتبط برافعتين رئيسيتين: سلاح التضخم وسلاح الإعدام. هذان هما وجهان لعملة واحدة تهدف إلى شلّ الإرادة الاجتماعية وتأجيل الانتفاضة الحتمية. بيد أن استراتيجية المقاومة تُظهر أن هاتين الرافعتين ليستا مجرد أدوات للبقاء، بل أصبحتا الآن مُسرّعاً لسقوط النظام.

في البعد الاقتصادي، البلاد غارقة في أزمة هيكلية. إن الاعتراف الرسمي بمعدل تضخم يبلغ 48 بالمئة ما هو إلا جزء من الكارثة. الحقيقة هي أن الاقتصاد الإيراني أسير نظام نهب وفساد مؤسسي، تسود فيه مصالح أقلية حاكمة (عصابة الولي الفقيه وقوات حرس خامنئي) على معيشة الأغلبية. إن الفساد المالي الضخم الذي شهدناه في حالات مثل بنك آينده يوضح أن أيدي قادة النظام متغلغلة بعمق في جيوب الشعب. هذا السلب والنهب قضى على الثروات الوطنية ودفع بمعيشة المواطنين إلى حافة الانهيار. عندما يضرب عمال المقاولات في مصافي بارس الجنوبي في بوشهر، ومتقاعدو النفط في الأهواز، وسائقو الشاحنات في زابل، فليس هذا مجرد احتجاج مهني؛ بل هو تعبير عن الغضب العام ضد نظام اقتصادي يُجوّع الناس بشكل منهجي. هذا الاستياء الاقتصادي يوفر التربة الأكثر عمقاً للانفجارات الاجتماعية وتشكيل الكاونات الثورية (کانون‌های شورشی). كما أن هذه الأزمة الاقتصادية، إلى جانب عوامل مثل التلوث البيئي (مثل حرق المازوت في أراك) وأزمة الإسكان (مثل تجمع المتقدمين للإسكان الوطني في تبريز)، أوصلت مستويات ضعف المجتمع إلى ذروتها.

في مواجهة هذا الغضب الاجتماعي، لا يملك النظام سوى رد واحد: تصعيد القمع والقتل. تُظهر التقارير الدولية الصادمة، بما في ذلك بيان سارا حسين، رئيسة بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة، وكذلك بيان ماي ساتو، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، التي تتحدث عن “موجة إعدامات غير مسبوقة” وتنفيذ أكثر من 1000 حكم إعدام في عام 2025، حالة الإفلاس التام للدكتاتورية الحاكمة. لم يعد الإعدام في إيران عقوبة؛ بل هو أداة سياسية لنشر الرعب وقمع أي شكل من أشكال المقاومة داخل وخارج السجون. يسعى خامنئي وجهازه القضائي، باللجوء إلى هذه السياسة الدموية، إلى إيصال رسالة للمجتمع بأن تكلفة الانتفاضة تفوق الاحتمال. هذه الإعدامات هي جزء من القمع المنهجي ضد المعارضين والمحتجين وتشكل انتهاكاً صارخاً للحق في الحياة.

لكن في هذه النقطة الحرجة، أظهر المجتمع الإيراني رد فعل عكسياً تماماً. تشهد حركة “لا للإعدام” في السجون، التي امتدت الآن لتشمل 53 سجناً وأكملت أسبوعها الثاني والتسعين، قفزة نوعية: انضمام 1500 سجين غير سياسي إلى هذه الحركة. هذا التوحد الواسع في قلب الاختناق يثبت أن الإعدام لم يعد مخيفاً، بل تحول إلى شرارة للوحدة والمقاومة. السجن، الذي كان من المفترض أن يكون أداة للقمع، تحول هو نفسه إلى مركز لتنظيم الكفاح ضد الدكتاتورية. ويشير انضمام السجناء العاديين إلى فيضان الغضب العام من السجون السياسية إلى المجتمع المحتجز بأكمله.

من ناحية أخرى، فإن حضور وأنشطة الشباب داخل وخارج البلاد، وضع خطاً فاصلاً على دعاية النظام حول “عدم وجود قاعدة” للمقاومة. إن الأنشطة المستمرة لوحدات المقاومة في مختلف المدن والعمليات الثورية التي جرت الأسبوع الماضي، من طهران إلى مختلف المدن، تظهر العمق في ارتباط الجيل الجديد باستراتيجية الإسقاط. يرفض هؤلاء الشباب بشعارات مثل: “لا نظام الملالي ولا نظام الشاه” و”الموت للظالم، سواء كان الشاه أو خامنئي”، أي عودة إلى الاستبداد الشاهنشاهي، ويرون أن الطريق الوحيد هو إسقاط النظام بأكمله. كذلك، فإن الانضمام الواعي للشباب من أصول إيرانية المقيمين في أوروبا وأميركا إلى صفوف المقاومة، بالرغم من تمتعهم بحرية نسبية، يوضح أن مُثُل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية هي حركة عالمية للحرية تتجاوز الحدود.

تؤكد مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة، بإدراك دقيق لهذا التقاطع، أن النظام في أضعف نقطة تاريخية له. إن تضعضع الولي الفقيه، والشقوق الداخلية العميقة بين عصابات النظام، والإخفاقات الاستراتيجية مثل التراجع أمام قانون الحجاب، وكذلك انكشاف الضعف العسكري في “حرب الـ12 يوماً” التي فجّرت الغضب بدلاً من خلق الوحدة، كلها تشير إلى نضج استراتيجية المقاومة. لم يعد النظام يجرؤ على فرض إرادته بالكامل. إن انعدام المصداقية والمستقبل للنظام جعل أدوات قمعه قليلة الفعالية أو عديمة الفعالية.

إن إسقاط النظام هو ضرورة تاريخية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال بديل ديمقراطي ومنظم. ويؤكد الارتباط بين الجيل الجديد واستراتيجية وحدات المقاومة في الداخل، والدعم العالمي لخطة مريم رجوي ذات العشر نقاط كخارطة طريق لمستقبل إيران الديمقراطي، أن موازين القوى قد تغيرت لصالح المقاومة. المجتمع الملتهب مستعد للقفزة، وأدوات الخوف التي يستخدمها النظام (التضخم والإعدام) لا تزيد إلا من وقود هذه الثورة. هذه هي نقطة النضج النهائي لاستراتيجية الإسقاط؛ الشرارة التالية للانتفاضة لن يتمكن النظام من إدارتها بعد الآن.