الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

إيران بين السقوط والنهضة… فلسفة نضال شعب قرر أن لا ينكسر في التاريخ لحظات لا تتكرر تتقاطع فيها إرادة الشعوب مع هشاشة الطغيان فتتحول هذه اللحظات إلى منعطف يغير مصير أمة بأكملها وما نشهده اليوم في إيران هو واحدة من هذه اللحظات النادرة التحول من الخوف إلى الوعي ومن الوعي إلى الفعل

إيران بين السقوط والنهضة… فلسفة نضال شعب قرر أن لا ينكسر

إيران بين السقوط والنهضة… فلسفة نضال شعب قرر أن لا ينكسر

د. راهب صالح د. راهب صالح

 حقوقي وباحث في الشأن الإيراني

في التاريخ لحظات لا تتكرر تتقاطع فيها إرادة الشعوب مع هشاشة الطغيان فتتحول هذه اللحظات إلى منعطف يغير مصير أمة بأكملها وما نشهده اليوم في إيران هو واحدة من هذه اللحظات النادرة التحول من الخوف إلى الوعي ومن الوعي إلى الفعل

لقد بنى النظام الإيراني خلال أربعة عقود دولته على ثلاثة أعمدة القمع في الداخل والتمدد عبر الميليشيات في الخارج وخرافة القداسة في رأس السلطة لكن الزمن بما يحمله من قسوة وعدالة بدأ يزيل هذه الأقنعة واحداً تلو الآخر

الطغيان يهرم قبل أن يشيخ وهذه هي حقيقة النظام الإيراني اليوم فالدولة التي ملأت المنطقة بالميليشيات والسلاح تجد نفسها عاجزة عن توفير الخبز والماء لشعبها والنظام الذي ادعى حماية المستضعفين صار أكبر مستضعف لمواطنيه والسلطة التي رفعت شعارات الهوية الثورية تعيش اليوم بلا هوية ولا ثورة ولا شرعية

الأزمة في إيران لم تعد أزمة حكم بل أزمة وجود والخطر لم يعد في قوة النظام بل في ميوله الأخيرة نحو العنف العاري بعد أن فقد كل ما يمنحه شرعية أو رصيداً أخلاقياً

ما يميز الإيرانيين ليس قدرتهم على الاحتجاج فحسب بل قدرتهم على تحويل الألم إلى معنى والمعنى إلى مشروع نضالهم اليوم ليس مجرد غضب بل وعي فلسفي يقول إن الحرية لا تمنح بل تنتزع وإن الإنسان مهما قمع لا يفقد جوهره بل يستعيده عندما يعاني وإن الشعوب العظيمة لا تنهض من لحظات القوة بل من قاع الوجع وإن الطغيان يسقط عندما يفقد الناس خوفهم لا عندما يفقد جنوده

وهذا الوعي ظهر جلياً في مؤتمر إيران حرة 2025 إرادة جماعية تنظر للعالم وتقول نحن لا نبحث عن إسقاط رجل بل عن استعادة الإنسان

ولا شيء يرعب الأنظمة الشمولية مثل المرأة والشباب ولذلك كانت المقصلة موجهة لهذين الجسدين تحديداً لكن ما لم يدركه النظام هو أن المرأة التي تجلد في الساحات تتحول إلى رمز لا يمكن قتله وأن الشاب الذي يملأ ساحة الجامعة اليوم سيملأ ساحة الدولة غداً

إيران اليوم لا تقف على أعتاب ثورة سياسية فقط بل ثورة قيم تشارك فيها الأجيال الجديدة بروح لا تعرف الخوف ولا الإرهاب الفكري ولا عقدة قدسية السلطة

أما مشروع الدولة الميليشياوية الذي حاولت طهران فرضه على المنطقة فقد وصل إلى نهايته الطبيعية التمدد في العراق ولبنان وسوريا واليمن لم يكن قوة استراتيجية بقدر ما كان هروباً من مواجهة الشعب في الداخل لكن الزمن دار دورته وحين ينهار المركز تنهار الأذرع وحين يضعف النظام تسقط مشاريع الميليشيات وحين تشتعل طهران يخفت صوت وكلاء السلاح في الإقليم

اليوم للمرة الأولى تبدو الميليشيا أقوى من الدولة والدولة أضعف من الشارع وهذه معادلة لا يمكن أن تستمر طويلاً

ولهذا يخاف النظام من مؤتمر إيران حرة لأنه لأول مرة يواجه حقيقة أن البديل موجود ومنظم وصاحب رؤية واضحة وأنه لا يقف أمام انتفاضة فقط بل أمام مشروع دولة كاملة المعالم تقوم على فصل الدين عن الدولة واحترام الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة وديمقراطية غير خاضعة للأجنبي ودولة بلا ميليشيات ولا قداسة سياسية

الشعوب لا تنتصر دائماً لأنها الأقوى بل لأنها الأصدق مع حقيقتها والنظام الإيراني اليوم ليس في حالة ضعف سياسي فقط بل في حالة انهيار أخلاقي والأنظمة حين تفقد أخلاقها تفقد مبرر بقائها

الإيرانيون بصبرهم وإصرارهم ووعيهم يثبتون للعالم أن الحرية ليست مشروع نخبة بل غريزة شعب وأن الدولة التي تبنى على القمع تسقط مهما طال الزمن وأن الذين صبروا طويلاً هم وحدهم القادرون على صنع الفجر

هذه ليست نهاية نظام فحسب بل ولادة أمة جديدة