باتريك كينيدي: مستقبل إيران لن يُبنى على “ألقاب وراثية” بل على كفاح جماعي.
في مقال تحليلي هام نشره موقع “إنترناشيونال بوليسي” يوم الأحد 23 نوفمبر 2025 ، قدم باتريك جي. كينيدي، عضو الكونغرس الأمريكي السابق، قراءة معمقة للواقع الاجتماعي والسياسي في إيران تحت حكم الملالي، متناولاً فرضية “عودة الملكية” وتداعياتها. ورسم كينيدي صورة واضحة لمستقبل لا مكان فيه للاستبداد، سواء كان الشاه أو الملالي.
الذاكرة السياسية لإيران لا ترحم الطغاة
استهل كينيدي مقاله بتأكيد أن الذاكرة السياسية للشعب الإيراني لم تكن يوماً رحيمة بالظالمين. وانطلاقاً من هذا الفهم التاريخي، فند مشروع “رضا بهلوي” (ابن الشاه الأخير)، مؤكداً أنه مشروع يفتقد لأي أساس ديمقراطي. فما يقدمه بهلوي، بحسب كينيدي، ليس “سيادة الشعب”، بل “إحياء لسلالة حاكمة”، أو ما وصفه بـ “ملكية أُعيد تغليفها كخلاص حديث، وعودة للماضي في زي إصلاحي”.
وشدد كينيدي على أن الإيرانيين تعلموا الدرس بالطريقة الصعبة: “لقد حل استبداد مكان آخر، وفي هذه العملية، حُفرت حقيقة مرة في ذهن الأمة: الحرية لا تنمو من الألقاب الوراثية، بل تنبثق من الكفاح الجماعي”.
قورش الكبير وتناقضات بهلوي التاريخية
وفي سياق تفكيك ادعاءات بهلوي، استدعى كينيدي إرث “قورش الكبير” (مؤسس الإمبراطورية الأخمينية، 559-530 ق.م)، الذي لم يكن مجرد فاتح، بل “مهندس فكرة إمبراطورية قائمة على التسامح والتعددية واحترام الكرامة الإنسانية”. وأشار إلى أن “أسطوانة قورش”، التي تُعتبر أول ميثاق لحقوق الإنسان، وقفت كمعيار حضاري ضد منطق الهيمنة، داعية للحرية الدينية وإلغاء العبودية.
وانتقد كينيدي بشدة محاولة رضا بهلوي “الاستيلاء” على هذه الرمزية عبر تغريدة في ذكرى وفاة قورش، مقدماً نفسه كوريث حديث لهذا الإرث. واعتبر كينيدي أن المشكلة ليست مجرد “مبالغة لفظية”، بل “تناقض تاريخي صارخ”، مؤكداً أن “سلالة بهلوي لا تشبه بأي حال من الأحوال العالم الأخلاقي الذي مثله قورش”.
غياب عن المقاومة واتصالات مشبوهة بالحرس
لعل النقطة الأكثر إثارة للدهشة التي طرحها كينيدي هي “غياب رضا بهلوي التام عن واقع المقاومة الإيرانية الحديثة”. فهو لم يلعب أي دور في احتجاجات 2017-2018، ولا في انتفاضة 2022 الكبرى، حيث واجه الإيرانيون العاديون الرصاص والسجون والمشانق.
ورغم هذا الغياب، لا يزال بهلوي يقدم نفسه كـ “منقذ مقدر”، لاعباً دور رجل الدولة من منفاه الآمن، و”خالطاً بين الظهور الإعلامي والقيادة”. وانتقده كينيدي لأنه:
● لم يرفض استبداد والده بشكل صريح قط.
● لم يقدم خطة مؤسسية واضحة لتفكيك الثيوقراطية الحالية وبناء حكومة ديمقراطية.
● والأخطر، أنه أعلن علناً عن اتصالاته بشخصيات رفيعة في حرس النظام الإيراني (IRGC)، المؤسسة المسؤولة عن قمع وإعدام المحتجين. واعتبر كينيدي أن نظرية بهلوي السياسية، التي تقوم على “انشقاق النخبة”، وكأن “مهندسي القمع يمكن تحويلهم إلى حراس للديمقراطية”، هي نظرية مدمرة.
● وأشار إلى أن دائرة مستشاريه تضم أفراداً مرتبطين بكل من المؤسسة الدينية وجهاز “السافاك” (الشرطة السرية للشاه)، مما ينسف أي ادعاء بالابتعاد الأخلاقي عن أكثر مؤسسات إيران سوءاً في السمعة.
الخلاصة: المستقبل للمقاومة لا للورثة
اختتم باتريك كينيدي مقاله برؤية مستقبلية قاطعة: “المستقبل الذي تسعى إليه إيران لا يشبه العرش المستعاد. أفقه ليس في الماضي، بل في المستقبل – ليس في إعادة قراءة ملكية، بل في إعادة خلق شعبي”.
وأكد أن التغيير لن يأتي بمرسوم أو مغلفاً بشرعية وراثية، بل “سيُبنى من المقاومة: المنظمة، المنضبطة، والمتجذرة بعمق في التضحية”. وأشاد بالإيرانيين الذين دفعوا الثمن بأنهار من الدماء وبحار من الصمود، مقاومين شكلين من الاستبداد: “أحدهما مغلف بعباءة الإمبراطورية والمجد العسكري، والآخر ملفوف بزي رجال الدين والخطاب المتطرف”.
وختم قائلاً: “طريق الحرية ليس طريقاً ملكياً مفروشاً بالذهب، بل هو طريق وعر شقه أولئك الذين هم على استعداد للمخاطرة بكل شيء في مواجهة السلطة. مستقبل إيران لا ينتمي لأشباح الملكية ولا للورثة المنفيين الذين يتاجرون بالرموز. إنه ينتمي لأولئك الذين بقوا – بنات وأبناء إيران الذين، بلا تاج ولا لقب، يبنون تقليداً سياسياً لا يستجيب للدم، بل للكرامة والشجاعة والوعد الهادئ لكن العنيد بالفجر”.


