سيثمر الربيع الإيراني
نظرة واقعية لربيع ايران وبقية البلاد
بقلم عبدالرحمن مهابادي*
بمراجعة للثقافة السياسية في العقود الماضية، نشهد اليوم ربيعا حقيقيا لشعب أو بلد أو مرحلة لم
يقطف ثماره. الربيع العربي في العقد الماضي هو مثال شاهد على هذه الحقيقة. ربيع بمثابة بذرة
زرعت ولكن ريها و قطف ثمارها يمكن أن يكون القسم الأصعب ويستوجب وجود قوة أساسية شعبية
جديرة بتحقيق هذا الربيع وإيران هي المثال البارز عن هذه الحقيقة.
ربيع إيران تفتحت زهوره في عام ١٩٧٩ بسقوط الشاه ولكن مع قدوم خميني وتياره الرجعي والملالي
للسلطة تساقطت أوراق هذه الزهور. وقد تم استبدال دكتاتورية بدكتاتورية أفظع منها. ربيع جميل
وحلو ولكنه كان سريعا. ومن أجل الوصول لثوابت الحرية يجب إسقاط هذه الدكتاتورية أيضا. وهذا هو
القسم الأصعب في الأمر بسبب عوائق كثيرة وعلى رأسها سياسات التماشي الغربية في العلاقة مع
النظام اللاشرعي الحاكم في ايران التي طال أمدها حتى اليوم.
ولضرب مثال عيني عن هذه الحقيقة لنأخذ بناء جديدا بعين الاعتبار ونريد أن نبنيه فوق بناء قديم.
فتخريب البناء القديم سيكون أسهل وأسرع من بناء المبنى الجديد. الشعب الإيراني أسقط نظام الشاه
ولكنهم لم يريدوا إطلاقًا أن يحكم الملالي بلادهم. ولذلك واجه الشعب الإيراني بعد سقوط الشاه عائقا
أكثر خطرا يدعى الديكتاتورية الدينية. ٤٠ عامًا من القمع والذبح والاغتيال و٤٠ عامًا من الفساد والنهب
والتهديد.
وقد كشف الشعب الإيراني سريعا الطبيعة الرجعية والمتخلفة لخميني والملالي وقد نفروا منها
وكرهوها وطالبوا بإسقاط هذا النظام. ولكن سياسات التماشي الغربية مع الملالي كانت تشكل عائقا
كبيرا ساعد الملالي على البقاء حتى اليوم.
الشعب الإيراني اختبر في ٤٠ عامًا احزابا سياسية متعددة والبعض منها اندمجت في جسم واحد مع
الملالي الحاكمين. والبعض أيضا وقف ضد الشاه لكن بسبب تعقيد وصعوبة المواجهة مع الملالي
خرجوا من الساحة وبعد مدة تم جرهم للتعاون مع الملالي. والبعض الأخر مشى في دروب التفاوض
مع هذا النظام وعلموا أو لم يعلموا فقد مشوا في طريق إضفاء الشرعية على هذا النظام اللاشرعي.
نعم لقد اختبر الشعب الإيراني في الأربعين عاما الماضية بالإضافة لكسب التجارب الكثيرة في مواجهة
الملالي العديد من الأحزاب السياسية. ولكن ما أثبت وجوده بجدارة في الأربعين عاما الماضية كان
مجاهدو خلق الذين يشكلون القوة المحورية للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. هذا المجلس الذي
يعتبر أقدم ائتلاف سياسي في تاريخ ايران الان يمثل البديل اليمقراطي الوحيد لنظام الملالي.
إذا رأينا اليوم أن الانتفاضة من أجل الحرية في داخل ايران لم تنطفئ وما زالت ثوابت الثورة المناهضة
للمكلية حية أو إذا رأينا بأن المجتمع الدولي قد وقف للمرة الأولى لجانب الشعب الإيراني ضد
دكتاتورية الملالي فهذا أمر ليس بديهيا أو حدث بالصدفة. وكل هذا نتاج ٤ عقود من نضال الشعب
الإيراني في ظل قوة أساسية وشعبية تتطلع للمستقبل تمثلها الآن السيدة مريم رجوي.
ومن هنا اعتقد بأن محاولة صنع بدائل مصطنعة لا أساس لها من قبل النظام وأعوانه من متبعي
سياسات التماشي الغربيين لم تؤد سوى إلى الضرر على دكتاتور ايران لأن البديل اليمقراطي الذي
نتحدث عنه هو متاح ويملك خصائص فريدة لايمتلكها الآخرون.
ومع هذا الموقف وهذه النظرة يمكن القول بأن مؤتمر وارسو الذي عقد بمبادرة من الرئيس دونالد
ترامب سوف يختم بهذه النتيجة والخلاصة التي تدور أساسا حول ذكر المقاومة الإيرانية المتجذرة.
وجدية أي ائتلاف ضد النظام الإيراني سيكون حول هذه النقطة أيضا بالنسبة لقائد ملالي إيران.
ولايجب أن ننسى بأن أي نوع من أنواع التغيير في إيران يجب أن يدور حول الاعتراف رسميا بالمقاومة
الإيرانية وإلا ستكون خطوة تكرارية ومؤقتة.
وبالنظر لهذه الحقيقة فإن حديث مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر الأمن والسلام في
الشرق الأوسط في وارسو يتمتع بأهمية كبيرة جدا. حيث قال مخاطبا الدول الأوروبية: “لقد حان الوقت
لخروج الدول الأوروبية من الاتفاق النووي، العالم فقد فرصة دعم الشعب الإيراني والسلام العالمي
في عام ٢٠٠٩ ولكن لا يجب حرق الفرصة هذه المرة وعلى العالم دعم الشعب الإيراني هذه المرة.
اقتصاد الجمهورية الإسلامية في ايران منهار والشعب الإيراني يحتج في الشوارع”. وأكد أن “الآن حان
الوقت لأن يقف شركائنا الأوروبيين بجانبنا وجانب شعبنا”.
مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي تحدث حول مؤتمر وارسو قائلا: “أنتم لاتستطيعون التحدث عن
الأمن والسلام في الشرق الأوسط بدون التحدث عن تهديد النظام الإيراني” ( تلفزيون بي بي اس ١٤
فبراير ٢٠١٩). هذه حقيقة واضحة تدور حولها الآن السياسة الأمريكية ذاتها. وأعلن أيضا في القاهرة بان
أمريكا لن تحمي بعد الآن الملالي الحاكمين في إيران ونحن مرتبطون بالشعب الإيراني الذي يطالب
بالحرية والحساب” ومن هنا فإن الفترة المخجلة التي أوجدتها أمريكا لنفسها وأيضا عصر السياسات
التي أدت لكل هذه الآلام والمعاناة قد انتهت.
وما يجب على مسؤولي الدول الغربية والعربية الانتباه إليه هو أنه لا يجب توقع أن ربيع الدول سيكون
له وضع مشابه من حيث التكتيكات والآليات. أهم الخصائص الموجودة في المشهد الإيراني هي أن
شعب هذا البلد قد قطع المرحلة الأولى من ربيعه في عام ١٩٧٩ والآن يتمتعون بقيادة جديرة وهيكل
ذو خبرة كبيرة وتشكيلات منسجمة تستطيع أن تضمن السلام والاستقرار في المنطقة.
وقد رحبت السيدة مريم رجوي بابتعاد الولايات المتحدة عن السياسات التي راح ضحيتها الشعب
والمقاومة الإيرانية بالدرجة الأولى وذكرت أن “طريق الحل الحاسم للخلاص من الفاشية الدينية هو
تغيير النظام اللاشرعي على يد الشعب والمقاومة الإيرانية. والاعتراف رسميا بالمجلس الوطني
للمقاومة الإيرانية كبديل ديمقراطي وحيد للدكتاتورية الدينية والإرهابية يستوجب تعويض وإنهاء
سياسات التماشي الكارثية في العقود الأربعة الماضية.
النظام الحامل للرقم القياسي للإعدام في العالم لا ولن يفهم سوى لغة الحسم والقوة”
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.