الاحتجاج الأخير للمعلمين كان بمثابة قمة جبل الجليد لحالة السخط في المجتمع الإيراني
كان من المفترض أن تكون ثورة 1979 المناهضة للشاه في إيران، في نظر غالبية الشعب الإيراني، بداية حقبة جديدة بالنسبة لهم. غسق سلالة بهلوي وفجر هذه الحقبة الجديدة، قد جلب وحدة غير مسبوقة بين الشعب الإيراني، ووُضعت آمال كبيرة، ورُسمت الخطوط العريضة للمستقبل.
لقد زرعت وعود خميني الخادعة والجوفاء الكثير من الأمل والتفاؤل في قلوب الناس. من خلال إثارة الميول القومية والدينية للمواطنين البسطاء، حيث صورّ نفسه على أنه الرجل الذي سيعالج جميع المشكلات. ونزل ملايين المواطنين إلى شوارع العاصمة طهران ومحيطها للترحيب به بأذرع مفتوحة وقلوب سخيّة.
لم يكن على المرء أن ينتظر طويلاً ليدرك أن وعود خميني المعسولة والجميلة كانت أكاذيب جوفاء ومزيفة ومضللة. عادت أشكال مختلفة من القمع، وانتهاكات حقوق الإنسان، وعرقلة الحريات المدنية، والقيود على لباس المرأة والحريات، إلى الظهور مرة أخرى، ولكن هذه المرة باسم الدين ونظام الله. واستمرّت الأمور كما كانت عليه.
لمحة عن متوسط أجر المعلمين في إيران
في عام 2020، كان متوسط رواتب المعلمين في إيران 58 مليون ريال (حوالي 221 دولارًا) في الشهر. وكان محمد باقر نوبخت، الرئيس السابق لمنظمة التخطيط والميزانية، قد تعهدّ بالفعل بزيادة هذا الراتب في العام الدراسي التالي. ومع ذلك، لم يحدث شىء حتى الآن.
إن الظروف المعيشية لهذه الطبقة من المجتمع بعيدة كل البعد عن المعايير العالمية. أشهر من الحرمان من الرواتب والتمييز والظلم في تعديل رواتبهم وكذلك حرمانهم من المكافآت ومستحقات العمل الإضافي والتأمين والعلاج من بين القضايا التي تجعل الحياة صعبة حقًا على المعلمين في إيران. ونتيجة لذلك، يتركز اهتمامهم على سبل عيشهم ومعيشة أسرهم بدلاً من جودة تعليم الطلاب والمراهقين.
مع الرواتب التي يتلقاها معظم المعلمين في إيران، فإنهم يعيشون تحت خط الفقر، ويضطر الكثير منهم، وخاصة أولئك الذين لديهم عائلات، إلى إيجاد وظائف ثانية وحتى ثالثة لتلبية احتياجاتهم اليومية بصعوبة. وبالتالي، يضطر الكثير منهم إلى العمل 14 ساعة أو أكثر من أجل إعالة أسرهم.
قال حسام الدين بور ثابت، مسؤول تربوي في محافظة خراسان رضوي شمال شرق البلاد: “لا توجد مؤسسة حكومية أو وزارة بهذا الحجم من المتأخرات الرسمية”.
“عدم التوازن بين رواتب المعلمين ورواتب موظفي الوزارات الأخرى هو مصدر قلق آخر لمجتمع المعلمين. لا يريد المعلمون سوى أن يُنظر إليهم مثل موظفي الوزارات الأخرى بشأن الأمور المالية والمعيشية “.
المعلمون الإيرانيون يعبّرون عن مخاوفهم
تعد الطلبات التي لم يتم حلها ونمو المعضلات المالية من القضايا الأخرى التي تحفّز المعلمين على رفع أصواتهم باستمرار. ومع ذلك، يتعامل المسؤولون التربويون دائمًا مع مطالب المعلمين بلا مبالاة، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى طرق أخرى للحصول على حقوقهم الأصيلة.
الاحتجاج الأخير للمعلمين
نظمّ المعلمون في إيران إضرابات وتجمعات ومظاهرات في جميع أنحاء إيران لتكثيف جهودهم من أجل مطالبهم. وفي يوم الخميس الماضي، نظمّ المعلمون في أنحاء إيران عددا من التجمعات احتجاجًا على رفض الحكومة والبرلمان تلبية احتياجاتهم. وشملت التجمعات كلاً من المعلمين العاملين وأصحاب المعاشات، الذين تضرروا بشدة من الانكماش الاقتصادي وتردد النظام في إصدار القوانين وتخصيص الميزانيات لتحسين ظروفهم.
تم الإبلاغ عن احتجاجات في أكثر من 100 مدينة، بما في ذلك العاصمة طهران ومشهد وتبريز وأصفهان ورشت وسنندج والأهواز وأراك وكرج وكرمانشاه. ونظمّت وقفات المعلمين الاحتجاجية في مدن مختلفة بإيران، رغم حقيقة أن المؤسسات الأمنية والقضائية استدعت في الأيام الأخيرة بعض المدرسين الناشطين وأرسلت رسائل نصية إليهم في محاولة لتهديدهم بعدم التظاهر.
أفادت الشبكات الاجتماعية للمعلمين أن عملاء الأمن كانوا حاضرين على نطاق واسع، لا سيما في العاصمة طهران وشيراز ومشهد. رددّ المعلمون عددا من الشعارات، كان أبرزها “أطلقوا سراح جميع المعلمين المعتقلين”، “أطلقوا سراح جميع السجناء السياسيين” ، “لقد سمعنا الكثير من الوعود، لكن لا توجد عدالة”، “سبل العيش والكرامة حقنا غير القابل للتصرف”، “المعلمون مستيقظون، ويكرهون التمييز”، “أهتفوا أيها المعلمون وطالبوا بحقوقكم”.
وفي العديد من المدن، تم تنظيم التجمعات في جو سلمي بينما كانت قوات الأمن ومسؤولو النظام حاضرين لمنع أي شعارات مناهضة للنظام، لكن تم الإبلاغ أيضًا عن بعض المشاجرات في العاصمة طهران وشيراز، حيث استمرّت المظاهرات حتى ظهر اليوم.
يلقي مسؤولو النظام باللوم دائمًا على عجز الميزانية الحكومية. لكن الحكومة رفضت دفع المتأخرات والمطالب المالية الأخرى بحجة اختلاف الأعذار التي لا أساس لها. كل هذا يحدث في الوقت الذي تعاني فيه إيران من نقص في المعلمين والمدربين. وفقًا للتقارير الرسمية، تفتقر وزارة التعليم الإيرانية إلى حوالي 200000 معلم لتغطية شرح المناهج الدراسية لجميع المدارس في إيران. يتوقع العديد من المراقبين حدوث أزمة كبيرة داخل أهم وزارة في البلاد.
وماذا بعد
يجب على المرء أن يبحث عن سبب كل هذه المظالم في إيران، البلد المعروف بتربته الغنية وموارده الطبيعية الشاسعة. سيأخذك هذا البحث إلى ذروة هذه المشاكل، النظام الاستبدادي الموجود في السلطة. فلا يوجد سوى علاج واحد لهذا الألم، ألا وهو تغيير النظام.