من غير المحتمل أن يؤدي حظر النظام لتعدين العملات المشفرة إلى تفادي نقص الطاقة، أو إيقاف الاحتجاجات
أفادت التقارير الصادرة يوم الثلاثاء الماضي، أن سلطات نظام الملالي فرضت حظراً على تعدين العملات المشفرة حتى 6 مارس/ أذار، في محاولة لمنع نقص الطاقة طوال فصل الشتاء. إنها المرة الثانية خلال العام الجاري، التي يتم فيها فرض مثل هذا الحظر، على الرغم من أن الأسئلة لا تزال تدور حول مدى إنفاذ الحظر السابق، نظرًا لأن العديد من الكيانات المسؤولة عن عمليات تعدين العملات المشفرة المرخصة وغير المرخصة مرتبطة بقوات حرس نظام الملالي الإرهابية.
وكان الحظر السابق قد فُرض في أعقاب احتجاجات واسعة النطاق بشأن انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف. وأسفرت الاحتجاجات عن اشتباكات خطيرة وقاتلة في بعض الأحيان بين المواطنين الإيرانيين وسلطات النظام، وساعدت على تأجيج المخاوف في العاصمة طهران بشأن التأثير المستمر للانتفاضات الوطنية في يناير/ كانون الثاني 2018 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2019. يُفترض أن الدافع الأخير للحظر الثاني كان نتيجة لمخاوف النظام من احتمال حدوث مزيد من الاضطرابات إذا وجد الإيرانيون أنفسهم دون كهرباء لتدفئة المنزل أو الإضاءة خلال فصل الشتاء.
من المعلوم أن تعدين العملات المشفرة يحتاج إلى استخدام مكثف للطاقة، حيث تتضمن عملية التعدين التشغيل المستمر لخوادم الكمبيوتر المكلفة بالتحقق من المعاملات عبر سلسلة من الحسابات المعقدة. ولكن بالنظر إلى أن العملة المشفرة غير مرتبطة فعليًا بأي سلطة قانونية أو مالية محددة، فقد استغلها نظام الملالي في العام الماضي كوسيلة محتملة لتوليد الإيرادات والمشاركة في التبادلات الدولية دون مخاطر جدية من فرض العقوبات.
حتى قبل أن ترخص الحكومة رسميًا بعض عمليات تعدين العملات المشفرة، انخرطت قوات حرس نظام الملالي في صناعة تعدين العملات المشفرة كوسيلة لتوسيع إمبراطورية مالية تضم بالفعل مساحات شاسعة من السوق السوداء وتمثل الغالبية العظمى من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ساعدت الطبيعة غير المشروعة لإمبراطورية قوات حرس نظام الملالي على تجاوز آثار العقوبات الاقتصادية حتى مع تدهور الاقتصاد الوطني. كما أدّى تعدين العملات المشفرة ونقص الطاقة إلى تفاقم التوترات بين مصالح الأمة ومصالح قوات حرس النظام ومؤسسات النظام الأخرى.
من المؤكد أن هذه التوترات ستستمر في النمو إذا لم يحد الحظر الجديد فعليًا من عمليات التعدين المرتبطة بقوات حرس نظام الملالي. لكن حتى لو حدث ذلك، فليس هناك ما يضمن أن نظام الملالي سيكون قادرًا على درء النقص المخيف هذا الشتاء. يتضح هذا من حقيقة أن حظر تعدين العملات المشفرة ليس سوى واحد من عدة تدابير يتخذها النظام في محاولة للحد من الاستهلاك.
أعلنت سلطات النظام مؤخرًا عن برنامج يسمى “الوقود للجميع”، والذي يتضمن توفير 15 لترًا من البنزين شهريًا بتكلفة مدعومة قدرها 15000 ريال للمستهلكين الأفراد. في إطار هذا البرنامج، سيتعين شراء كميات إضافية بسعر السوق، والذي يبعد كثيرًا عن السعر المدعوم.
قبل تنفيذ هذا البرنامج، تم دعم حوالي 70 بالمئة من استهلاك المواطنين في إيران، ولكن الآن سينخفض هذا الرقم إلى أقل من نصف الاستهلاك الشهري. وفقًا لتحليل أجراه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، يمكن توقع أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف الوقود للغالبية العظمى من المستهلكين، إلى جانب زيادة عائدات حكومة الملالي بمقدار ستة أضعاف. في الوقت نفسه، سيؤدي ذلك إلى زيادة السيولة مما سيساعد على زيادة التضخم الخارج عن السيطرة بالفعل.
من الممكن توقع تأثيرات مماثلة من ارتفاع وشيك في تكلفة الكهرباء. على الرغم من أن الحكومة تخطط حاليًا للإبقاء على السعر الحالي في مكانه للأسر والشركات ذات الاستهلاك المعتدل، فإن شركة الكهرباء ستضع حدودًا مختلفة للطاقة لمختلف المناطق، بحيث إذا تم تجاوز هذا الحد بمقدار مرة ونصف ستتم زيادة الأسعار بمقدار 50 بالمئة للكميات المتجاوزة. أولئك الذين يستخدمون ضعف الكمية المخصصة للكهرباء ستصبح أسعار الكهرباء بالنسبة إليهم 1.5 ضعف المعدل الأساسي، أو 10000 ريال بدلاً من 4000.
مما لا شك فيه، أن الطلب على الوقود والكهرباء سيتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل التي لا يمكن السيطرة عليها في الأشهر المقبلة، بما في ذلك شدة طقس الشتاء ومرونة البنية التحتية المدنية المتهالكة في إيران. سلّطت الاحتجاجات على مدار العام الماضي الضوء على أوجه القصور في البنية التحتية كدليل على أن كيانات مثل قوات حرس نظام الملالي تحوّل الثروة الوطنية بعيدًا عن الاحتياجات الحيوية للشعب ونحو المشاريع الصغيرة مثل دعم الوكلاء شبه العسكريين في لبنان، والعراق وسوريا واليمن.
إذا فشل النظام في معالجة النقص الجديد في الطاقة، فإن نقاط الحوار هذه ستظهر بلا شك في احتجاجات جديدة وقد تحيي في نهاية المطاف الرسالة الصريحة لتغيير النظام التي نادت بها انتفاضات 2018 و2019. تتضح المخاوف البارزة بشأن هذا الاحتمال من التصعيد المستمر في الأنشطة القمعية مثل عمليات الإعدام واعتقال أو مضايقة أولئك الذين يحضرون جنازات السجناء السياسيين مثل حيدر قرباني، وهو عضو في جماعة معارضة كردية تم إعدامه في 19 ديسمبر / كانون الأول على الرغم من الاحتجاج الدولي بشأن الافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة ومزاعم التعذيب.