ثورة أكلت أبناءها.. كيف انقلب الخميني على تطلعات الإيرانيين قبل 41 عاما؟
المصدر: الحرة
ثورة أكلت أبناءها.. كيف انقلب الخميني على تطلعات الإيرانيين قبل 41 عاما؟ – في الأول من فبراير 1979 عاد الخميني إلى طهران قادما من منفاه في باريس بعدما تعهد هناك بالحفاظ على مبادئ اتفق عليها الإيرانيون الذين كانوا يتوقون للتخلص من حكم الشاه محمد رضا بهلوي.
بعد الثورة توقع الجميع أن إيران ستشهد بناء نظام ديموقراطي يحمي حقوق الإنسان، لكن الخميني كان لديه مشروعه الخاص والذي تخلى من أجله عن وعوده.
خرج الإيرانيون في يناير عام 1978 في تظاهرات مناهضة لحكم الشاه محمد رضا بهلوي شارك بها يساريون وعلمانيون وإسلاميون وكان الخميني أحد قادتها موجودا آنذاك في العراق قبل أن ينتقل إلى باريس لاحقا.
في أوائل عام 1979، اشتدت حدة التظاهرات وسقط عدد كبير من القتلى ما اضطر الشاه إلى مغادرة إيران وتعيين حكومة بقيادة شهبور بختيار.
كان الخميني ومجموعة من مناصريه من مختلف الأيديولوجيات في باريس يتفقون على مبادئ النظام الجديد التي تتضمن إقامة ديموقراطية وحماية حقوق الإنسان، من بين هؤلاء كان أبو الحسن بني صدر الذي انتخب لاحقا أول رئيس للجمهورية الجديدة.
يقول بني صدر، في مقابلة مع وكالة رويترز العام الماضي، “عندما كان هناك في فرنسا، وافق على كل شيء أخبرناه به من دون تردد وبانفتاح وبابتسامة
وأعلن عنها كأنها آيات قرآنية من دون تردد. كنا واثقين من أن رجل دين سيلتزم بكل هذه المبادئ التي كنا سنشهدها لأول مرة في التاريخ”.
لكن وفي أول خطاب له بعد العودة بدا أن الخميني يريد الانفراد بالحكم من دون مشاورة الأطراف الأخرى، حتى أنه تعهد بإزاحة حكومة بختيار التي عينها الشاه قبل رحيله وتعيين حكومة جديدة يختارها هو.
يقول بني صدر الذي أقاله الخميني لاحقا: “التغيير حدث في إيران، عندما نزل من الطائرة، عندها انتهى عمل المفكرين، واستأثر به الملالي وأعطوه مسارا آخر، الذي استمر حتى الآن”.
ويروي بني صدر كيف ذهب لمقابلة الخميني الذي أصبح معروفا بلقب الزعيم الأعلى في مدينة قم بعد بضعة أشهر من العودة من فرنسا ليشكو إليه ضغوط السلطات الدينية من أجل إجبار النساء على ارتداء النقاب. وقال إن ذلك تعارض مع الوعود التي قطعها في باريس مؤكدا أن من حق النساء الاختيار.
وقال إن الخميني “قال لي إن الأمور التي ذكرها في فرنسا كانت ملائمة لكنه ليس ملزما بكل ما نطق به هناك وإنه سيقول العكس لو شعر أن ذلك ضروري”.
كانت فكرة “ولاية الفقيه” تراود الخميني، ولم يكن سيجد فرصة أفضل من تنفيذ مشروعه الخاص الذي سيمح له بحكم إيران منفردا مدى الحياة. هذا المشروع كان جمهورية إسلامية تقصي كافة الطوائف السياسية من غير الإسلاميين ولا تعطي حقوقا للأقليات غير الفارسية.
يقول حسين داعي الإسلام عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في تصريحات لموقع الحرة: “سرق خميني الذي كان ملا متخلف ومتطرف، ثورة الشعب الإيراني ضد دكتاتورية الشاه وأفرغها عن جوهرها أي الحرية والديمقراطية اللي كان يطالب بهما الشعب الإيراني”.
ويضيف: “لذلك استمرت الدكتاتورية بل في حالة أشدّ، ضد الشعب ولكن على شاكلتها الجديدة تحت عنوان ”ولاية الفقيه“ على يد خميني وخلفه خامنئي اللي دمروا إيران وأغرقا المنطقة في التطرف والإرهاب والحروب الضارية.
استغل الخميني الفراغ الذي أحدثته سياسيات الشاه محمد رضا بهلوي قبل الثورة فغالبية معارضي الشاه وعلى رأسهم قادة جماعة مجاهدي خلق اليسارية كانوا في السجون، بينما كان لدى الخميني شبكة من رجال الدين الذين يخطبون في مساجد إيران ويستطيعون التأثير على الناس بشكل فعال.
شيئا فشيئا بدأ الخميني يستبعد أشخاصا وفصائل من تحالف الثورة وبدأ جناح الثورة المتطرف الذي يقوده يمسك بزمام الأمور، حتى هاجم طلاب إيرانيون موالون للخميني السفارة الأميركية واحتجزوا موظيفها رهائن لمدة 444 يوما، في ما يعرف بأزمة الرهائن الأميركيين.
أوقد الهجوم على السفارة الذي بدا عفويًا الحماسة عند الإسلاميين، وهمّش القادة الدينيون المتشددون رئيس الحكومة الانتقالية المعتدل مهدي بازركان الذي كان من الممكن أن يتفاوض مع الولايات المتحدة.
وفي السادس من نوفمبر، استقال بازركان ليتولى مجلس الثورة الإسلامية الذي يهيمن عليه رجال الدين الحكم.
بعد الثورة، ألغيت نقابات عمالية وأغلقت صحف إيرانية وتم التضييق على وجود المرأة في المساحات العامة ومنعت النساء من سلك القضاء.
لاحقا تم إعدام آلاف من معارضي الخميني على رأسهم اليساريون الذين شاركوا الإسلاميين الثورة ضد الشاه.
يقول حسين داعي الإسلام: “وما إن مسك خميني زمام السلطة، حتى قام بقمع المجموعات السياسية والحريات الاجتماعية وأقليات الكرد والعرب والبلوش والتركمان والأذريين و… والأقليات الدينية المختلفة وطمس حقوق النساء وعطّل جميع الجامعات لمدة ثلاث سنوات، رغم كل الوعود اللي أطلقها باحترام الحريات وحقوق الشعب”
وبدأ الخميني من عام 1981 أعمال القتل والمجازر وحملات الاعتقال والإعدامات على نطاق واسع. وكان أحد أبرز من تم إعدامهم وزير الخارجية الأسبق صادق قطب زاده
الرجل الذي كان يجلس بجوار الخميني في رحلة العودة إلى إيران، بعد أن اتهم بمحاولة الانقلاب على النظام الجديد.
حتى الإسلاميين الذي اختلفوا مع الخميني لاقوا المصير ذاته، من بينهم رجل الدين عبد الرضا حجازي الذي أعدم عام 1983.
استمر النظام في سياسيات الإعدام التي بلغت ذروتها عام 1988 عندما أعدم
نحو 3800 شخص في السجون الإيرانية، وهي الحادثة التي تقدر بعض المصادر ضحاياها بنحو 30 ألفا.
كانت منظمة العفو الدولية قد قالت في 28 أغسطس الماضي إنه لا يزال هناك آلاف ضحايا القتل غير مسجلين، وهناك آلاف الجثث المفقودة مدفونة في مقابر جماعية مجهولة في جميع أنحاء البلاد.
رجل الدين الإيراني الراحل علي منتظري كشف لأول مرة في عدد من مذكراته عن إعدام آلاف السجناء الإيرانيين أثناء فترة عقوبتهم، مقدرا عدد الذين تم إعدامهم في عام 1988 بين 2800 إلى 3800، مشيرا إلى أن “لجنة الموت الرباعية” أشرفت على “تطهيرهم” وكان من بين أعضائها رئيس القضاء الحالي إبراهيم رئيسي.
ولحماية نظامه الجديد بعد التخلص من المعارضين شكل الخميني قوات الحرس الثوري لتكون قوة موازية للجيش مهمتها حماية النظام الإسلامي في إيران، وهي القوة الإيرانية الرئيسية حاليا التي تسعى لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
درب الحرس الثوري ميليشيات في كل من العراق ولبنان واليمن، وحتى الآن ما زالت هذه الميليشيات تسعى للسيطرة وبسط نفوذها في عواصم هذه الدول.
وتدعم طهران هذه الميلشيات بمليارات الدولارات في وقت يعاني الاقتصاد الإيراني بشكل حاد وعلى حساب متطلبات الشعب الإيراني.
ولا يزال نظام ولاية الفقيه الذي ورثه المرشد الثاني لإيران على خامنئي يأكل أبناءه حتى الآن ويدفع بآلاف الإيرانيين خارج البلاد بحثا عن مستقبل أفضل.
ولعل آخر الأدلة على ذلك إسقاط طائرة أوكرانية تحمل عشرات الإيرانيين الزائرين بخطأ من الحرس الثوري غير المدرب على التفريق بين الأهداف المدنية والعسكرية.
وانتفض الإيرانيون ضد هذا النظام أكثر من مرة خلال العقد الأخير كان أبرزها عام 2009 لكن النظام يواجه أي تظاهرات بقمع غير مسبوق حفاظا.
يقول حسين داعي الإسلام: “ظل هذا النظام مكروهًا ومبغوضًا من قبل الشعب الإيراني على مدى عمره ونرى الآن وصوله إلى نهاية سلطته بفضل الانتفاضات الشعبية المستمرة ونشاطات منظمة يقوم بها أعضاء معاقل الانتفاضة وسيتم إسقاطه على يد الشعب الإيراني لا محالة”.