خامنئي یصرّح بمواصفات العدو الرئیسي مرغماً
خامنئي یصرّح بمواصفات العدو الرئیسي مرغماً – بعد الکلمة التي أدلی بها خامنئي یوم الأربعاء، هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح علی كل من يتابع التطورات الأخیرة في المنطقة وخاصة النزاع بين النظام الإیراني والولايات المتحدة في الأیام القلیلة الماضیة، وهو:
لماذا تغیّر موقف خامنئي دون سابق إنذار وبالتحدید في اليوم التالي من الهجوم الصاروخي لقوات الحرس على قاعدتین أمریکیتین في العراق ، رغم إلحاق خسائر مادیة طفیفة بها بینما یتشدّق بتحقیق النصر ویحذّر الولایات المتحدة من ارتکاب الأخطاء؟
لماذا توجه بحدیثه إلی منظمة مجاهدي خلق الموجودة في “بلد صغیر یُدعی ألبانیا”( علی حد تعبیره) وما الذي جعله يعتبر اللقاء الذي تمّ في 17 نوفمبر الماضي في أشرف الثالث (مقرّ منظمة مجاهدي خلق في ألبانیا) والذي جمع السیدة مريم رجوي بالجنرال جيمز جونز مستشار الأمن الوطني للرئیس الأمریکي السابق أوباما بأنه مصدر الاضطرابات في إیران؟
تغییر موقف خامنئي إزاء الولایات المتحدة وتصویب السهام نحو منظمة مجاهدي خلق في خضم ما یُسمی بالحرب ضد “الشيطان الأكبر” ببساطة يعني أنّ الحرب ضد أمريكا حتى لو أدّت إلی التضحية بعناصر هامة للغایة أمثال قاسم سليماني والمهندس أبو مهدي واستبعادهم من الساحة، ستبقی حرباً فرعیة ثانویةً، أمام الحرب الرئیسیة ضد العدو الرئيسي والتي تدور في مكان آخر.
دعم ألبانیا الکامل لمنظمة مجاهدي خلق
ردّاً علی الهجوم الذي شنّه خامنئي علی دولة ألبانيا في خطابه بسبب ترحیبها بمجاهدي خلق واصفاً إیاها بأنها “دولة أوروبیة صغيرة وشریرة”، أدلی كبار المسؤولين في ألبانیا من الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الداخلية وصولاً إلی الأحزاب السياسية في البلاد بتصریحات شدیدة اللهجة متّخذین مواقف حازمة وفریدة من نوعها في هذا الصدد.
بعد ساعات قلیلة ردّ إلیر میتا رئیس جمهوریة ألبانیا علی خامنئي قائلاً:
«ألبانیا لیست دولة شریرة، بل دولة دیمقراطیة عانت من دیکتاتوریة شریرة ومن ثمّ تعتبر حقوق الإنسان أمراً مقدساً».
بدوره قال رئیس الوزراء الألباني إدي راما بشأن وجود مجاهدي خلق في ألبانیا:
«لقد فعلنا شئیاً يدعو للفخر في ألبانيا ويتماشى مع تقالید ألبانیا. لقد عشنا في دیکتاتوریة ونعلم جیداً کیف یتصرّف الدیکتاتوریون وکیف یتحکّمون في کل شيء لتدمیر أي معارضة في جمیع أنحاء العالم».
من جانبه أکّد رئیس الوزراء السابق ووزیر الدولة باندیلي مایکو:
«باستضافتنا لمجاهدي خلق في بلدنا قمنا بواجب قائم علی تقالید الضیافة السائدة في المجتمع الدولي. يخضع جميع الأشخاص الذين استضفناهم لبروتوكولات الأمم المتحدة. لقد توصّلنا إلى اتفاق خاص وثنائي بين ألبانيا ومجاهدي خلق». مضیفاً: «هذا القول (حضور مجاهدي خلق يمكن أن يهدد ألبانيا) سخيف وصبیاني ویدلّ علی جهل عميق بالقوانین الدولية».
خامنئي أکبر أعداء إیران
أثبت خامنئي وخميني من قبله أنّه في کل مرة یتمّ الحدیث فیها عن العدو الرئيسي أي مجاهدي خلق، تصبح الحرب مع “الشيطان الأكبر” أي الولایات المتحدة أمراً ثانوياً.
لا یعتبر خامنئي ما تقوم به الولایات المتحدة لعرقلة مخططات النظام في العراق ومنعها لمدّ نفوذه في سوریا ولبنان والیمن تهدیداً رئیسیاً. لأنّ الولي الفقیه وفي إطار نهج المساومة المتبَع من قبل الملالي دائماً یعثر علی طریقة دیبلوماسیة للتعامل مع العدو الأجنبي وتجنّب المواجهة العسکرية معه، لكن عندما يتعلّق الأمر بمنظمة مجاهدي خلق تتغیّر حسابات خامنئي کلیاً لأنه يعرف جيداً أنّ النقاش والجدال حول مجاهدي خلق هو في الحقیقة نقاش حول وجود أو عدم وجود نظام ولایة الفقیه برمته، کما یعلم أنّ مجاهدي خلق ليسوا قابلين لأیة مساومة سياسية أو اقتصادية تتمّ خلف الکوالیس.
خلال خطبه الأخيرة، بدا واضحاً كيف تجرع خامنئي المرّ بخیبة أمل شدیدة جراء وضع النظام الخانق نتيجة الصفعات التي يتلقاها من منظمة مجاهدي خلق، باعتبارها من يقف وراء الاحتجاجات الشعبیة في إیران و من يدفعها إلی تدمیر البنى الإقتصادیة والعسکریة التابعة للنظام مثل مراکز الباسیج وقوات الحرس والبنوك من خلال معاقل الانتفاضة .
لكن خامنئي المتحمّس لاتهام منظمة مجاهدي خلق وتحمیلها مسؤولیة الدمار في إیران، لم يشعر أبداً علی مدار أربعة عقود وخاصة في 30 عاماً الأخیرة من حکمه باعتباره الرجل الأول الآمر والناهي والمتصرّف الكامل الصلاحیة في شؤون البلاد دون أي وازع، بأنّ عليه أن يشرح للناس لماذا وصل وضع البلاد وشعبه إلى هذا المستوى من البؤس والفقر المؤسساتي بعد أربعة عقود من حکمه؟ لماذا یعیش أکثر من 80٪ من السکان في إیران تحت خط الفقر في حین بلغت عائدات البلاد المليارات من الدولارات على مدى هذه السنوات, رغم أن إیران تتمتع بأراض شاسعة وخصبة، وتشکّل فئة الشباب غالبیة سکانها؟ لماذا أنفق أموال طائلة على مرّ السنين لصنع قنبلة ذرية أو صنع صواريخ أو دعم مشروع إنشاء الهلال الشيعي واحتلال الشعوب في بلدان أخرى مثل العراق أو لبنان؟
لماذا تخلّى 80٪ من سكان القری عن أراضيهم ولجأوا إلی ضواحي المدن حیث يعيش الآن أكثر من 20 ملیون إيراني في ضواحي المدن؟
هل مجاهدي خلق هم المسؤولون عن كل هذا الفساد الاقتصادي والقضائي والإداري المستشري في کافة مفاصل نظام ولایة الفقیه؟
الأزمات والحلول المحتملة أمام خامنئي
سلسلة الأزمات التي تضیّق الخناق علی النظام برمته هي في الحقیقة أكبر بكثير من قدرات النظام الغیر قادر علی مجابهتها والتغلّب علیها، الأزمات الاقتصادية، الفقر المدقع، البطالة، والتضخم قد حوّلت المجتمع الإیراني إلى قنبلة موقوتة و بركان قابل للثوران بأي لحظة، وهذا في الحقيقة ما جعل إمکانیة حدوث انتفاضة أخری تشبه انتفاضة نوفمبر أمراً واقعاً، يلقي بظلاله الکثیفة على المجتمع الإيراني بعیداً عن التکهّنات.
يعتقد العديد من الخبراء أنّ النظام الإیراني لن يدخل في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة أو غيرها من دول المنطقة، وهي الحقیقة التي لطالما أکّدها خامنئي. السبب في هذا أنّ نظام الملالي يفتقر إلى القدرات الاقتصادية واللوجستية الضرورية للمواجهات العسکریة بینما یعاني من أزمة إقتصادية خانقة. تنازلات خامنئي أمام الولایات المتحدة علی أرض الواقع بالرغم من إطلاقه لشعارات رنانة فارغة ضدها، ليست سوى تكتيكات للماطلة وإضاعة الوقت لغرض إيجاد طرق للالتفاف علی العقوبات والتهرّب من الانهيار الاقتصادي الكامل.
مواصفات العدو الرئیسي
في غضون أيام قلیلة تنازل خامنئي بشكل غریب ومثیر للدهشة عن مواقفه وتهدیداته المدویة إزاء “الشيطان الأكبر”، مکتفیاً بردّ هزیل وکومیدي علی مقتل سلیماني والذي اقتصر علی إطلاق صواریخ باتجاه قاعدتین أمریکیتین لم یسفر إلّا عن “خسائر مادیة طفیفة”، مصوّبا مسار هجماته نحو العدو الرئيسي أي منظمة مجاهدي خلق. وهي الوحيدة التي أکّدت علی ضرورة الإطاحة بنظام الملالي المجرم علی مدار أربعة عقود دون أن تتراجع عن موقفها، ولن تتراجع عنه أبداً بعد أن أقسمت علی الإطاحة بالنظام وإقامة دولة حرة دیمقراطیة قائمة علی تصویت الشعب وضرورة الفصل بین الدین والدولة.
يعرف نظام ولاية الفقيه المتأزّم أنه طالما یوجد بديل واعٍ وعلی أهبة الاستعداد للإطاحة به، فهَو لايستطيع أن یرتاح ویهنأ للحظة وهو یری انهیاره وسقوطه علی ید هذا البدیل. وبالتالي فإنّ النظام يعتقد أنّ السبيل الوحيد للخروج من أزماته الخانقة یکمن في مهاجمة هذا البدیل الحقیقي وإلحقاق الضرر به. کما اعتقد خمیني في خضم أزمة 1988 أنّ الحل الوحید أمامه للخروج من الأزمة یکمن في تنفیذ قتل جماعي في حق 30000 سجين سياسي من الثوار ومن مجاهدي خلق. أو عندما أُجبر خامنئي بسبب الحصار الاقتصادي الناجم عن العقوبات، علی تجرّع سمّ الاتفاق النووي وحاول الحفاظ علی توازنه من خلال القتل الجماعي لمجاهدي خلق في أشرف بتاريخ 1 سبتمبر 2013.
بعبارة أخری، تُعتبر منظمة مجاهدي خلق العدو الرئیسي والتهدید الحقیقي لنظام الملالي، وعلى هذا الأساس قام خامنئي المقرف في الثامن من ینایر الجاري بصب جام غضبه من الانتفاضة ومعاقلها ومقتل قاسم سليماني علی منظمة مجاهدي خلق ودولة ألبانیا بشکل کامل قائلاً:
«مجاهدي خلق هم من حرّضوا الشعب، سیفعلون کل ما بوسعهم. لنعلم أیضاً أنّ العدو الذي ذكرته ليس آنیاً ومؤقتاً، هو عدو متأصل، عدو دائم يهجم كلما أمكنه ذلك».
وبالتالي فإنّ خامنئي یصرّح بمواصفات العدو الرئیسي ویعلن عن اسمه وعنوانه لأسباب واضحة.