نزول المتقاعدين للشارع في إيران – ضمن استمرارية الحركة الاحتجاجية الديناميكية في إيران، نزل المتقاعدون المحرومون والغاضبون إلى الشوارع في 28 مدينة في إيران وهتفوا بالغضب والاحتجاج صباح يوم الأحد 7 مارس، وفضحوا خداع الملالي من خلال هتافاتهم التي أشارت إلى النهب المؤسسي للحكومة، والذي هو الوجه الثاني لعملة الفقر والحرمان وأزمة معيشة الناس.
ويعد هذا التجمع الاحتجاجي السابع، في أقل من 3 أشهر، للمتقاعدين الذين يستغلهم الملالي اللصوص. حيث باتت الاحتجاجات تشهد انتشاراً على مستوى البلاد، وبشكل متكرر ومستمر في مزيد من المدن، كما يشهد عدد المحتجين المشاركين ازدياداً في كل مرة.
وخوفا من عواقب أعمال القمع حاول جهاز النظام الأمني القمعي التزام عدم الرد الهمجي على الاحتجاجات الأيام القليلة الماضية، حيث لم يكن يجرؤ على منع احتجاجات المتقاعدين على مستوى البلاد، وكان يحاول منع التجمعات والتظاهرات بالتهديد والترهيب.
غير أن النظام اضطر هذا الأسبوع لإرسال حرسه وعناصره بملابس مدنية في بعض المدن ومنها طهران وشاهرود لقمع المتقاعدين المحرومين والمتظاهرين، لكن هذه الهجمات قوبلت بمقاومة من المتقاعدين المغلوب على أمرهم، حيث تمكنوا من التصدي لها وهزيمتها.
غضب متصاعد
وتعتبر أعداد الاحتجاجات المتزايدة في جميع أنحاء البلاد مظهراً من مظاهر الغضب على نطاق واسع في مجتمع مقهور ومنهوب وصلت فيه “مبيعات الأطفال (بسبب الفقر) إلى أبعاد كارثية، وألغى المتقاعدون والموظفون من ذوي الدخل المنخفض اللحوم والدواجن والفاكهة من وجباتهم الغذائية”، بحسب صحيفة أرمان الصادرة في 6 آذار.
يحدث ذلك في بلد يعد “أحد أهم مالكي المعادن في العالم، حيث يحوي 68 نوعًا من المعادن، ويوجد فيه 37 مليار طن من الاحتياطيات المؤكدة، وأكثر من 57 مليار طن من الاحتياطيات الكامنة بقيمة 770 مليار دولار في عام 2014 من بين أكبر 15 دولة غنية بالمعادن في العالم”، هذا ما أشار إليه موقع إيران ديلي في يونيو 2015.
إلا أن النهب المؤسسي من قبل التنين ذي الرؤوس السبعة للحكومة، أدى إلى ما آلت إليه الحال من تردٍ للأحوال المعيشية، ومن ملامح ذلك أن “أصبح الزيت النباتي نادرا في البلاد”، كما أصبح شراء الخبز بالدين، وبات الشراء بالأقساط ممارسة شائعة وقاعدة عامة، بينما اعتادت أعين المسؤولين على مشاهدة الزحام على القمامات”، كما جاء في صحيفة (أرمان)، في عددها الصادر بتاريخ 7 آذار.
إن من نتائج الفقر والبؤس الذي لا يمكن تصوره والناجم عن 42 عامًا من الديكتاتورية الدينية، هو مجتمع ملتهب، ويشهد غلياناً شعبياً، حيث يتجلى ذلك اليوم في استمرار احتجاجات الطبقات المحرومة، والانتفاضة العارمة التي اندلعت الأسبوع الماضي في سيستان وبلوشستان.
وصفة للخلاص
منذ ثلاثة أشهر، يشهد نظام الملالي أنه حتى وباء كورونا الذي اتخذه درعاً يحميه من خروج الجماهير للشوارع، بات يفقد تدريجياً فعاليته في منع الاحتجاجات الاجتماعية، حيث يتعزز الشعور والقناعة لدى الشعب بأن خطر تنامي الفقر والجوع يهدد حياتهم أكثر بكثير من كورونا.
هذه المستجدات التي زادت من تدهور أوضاع المواطن الإيراني، وجعلته يوقن بأن النزول للشارع بات سبيله الوحيد للتعبير عن معاناته ورفضه لسياسات النظام، والخلاص من الوضع القائم، تضع نظام ولاية الفقيه أمام مساران:
الأول: إما قمع الاحتجاجات، حيث ستكون من نتائج ذلك المباشرة احتجاجًا أكثر راديكالية،
وهو أمر خطير جدًا على النظام، خاصة عندما جربه مؤخرًا في بلوشستان ورأى كيف أدى العمل القمعي (قتل المحرومين من الوقود) إلى انتفاضة مسلحة ونارية لأبناء إحدى المحافظات دامت أسبوعاً، مما نتج عنه في مراحله الأولى حرق عشرات المراكز والمركبات الحكومية ومعدات القوى القمعية، بنار غضب الشعب، والاهم من ذلك اظهرت الاحتجاجات ضعف النظام وانهيار أدواته القمعية أمام صمود ابناء الشعب الإيراني.
الثاني: تحمّل واقع الغضب الجماهيري مما يؤدي إلى تزايد انتشار الاحتجاجات،
وهذا ما حدث خلال فترة الأشهر الثلاثة الماضية، والتي شهدت العديد من الحيل القمعية والأمنية لمنع هذه الاحتجاجات، بينما يدرك النظام أن ديناميكية الاحتجاجات وتضخمها، ستكون قفزة في نقطة ما وستظهر بشكل أكثر زخماً وعنفاً عن مثيلاتها في انتفاضتي كانون الأول (ديسمبر) 2017 وتشرين الثاني (نوفمبر) 2019.
وبهذه الطريقة، سيؤدي كلا المسارين اللذين يواجههما الولي الفقيه للنظام إلى النتيجة ذاتها، انتفاضة وسقوط النظام، خاصة وأنه خابت آماله في مساعدة المهادنين له.
أما الشعب الإيراني فقد عرف طريقه إلى الحرية والتغيير من خلال ما نشهده من احتجاجات متصاعدة اليوم، وقد عبّر عنه المحتجون بشعاراتهم التي صدحت بها حناجرهم قائلةً: “المخرج الوحيد من الموائد الفارغة هو الصراخ في الشارع!”.