آية الله علي خامنئي مصمم على عدم ترك مستقبل الجمهورية الإسلامية للناخبين- في مسرح العرائس الفارسي المعروف باسم شاه سليم بازي، أعطت الحكايات المأساوية عن مؤامرات الأنظمة الحاكمة لمحة للجماهير عن عقول الحكّام وأساليب إدارتهم. خلف الكواليس، يتم اللعب بالخيوط من قبل “المرشد”، أو الزعيم الروحي، الذي يقوم أيضاً بدور الراوي. الأمر الذي سمح له بالتلاعب، ليس فقط بالدمى المتحركة، ولكن بالرأي العام أيضًا.
من الغريب النظر إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية على أنها شىء مختلف عمّا ذكرناه بالأعلي، حيث يلعب الحاكم نفسه دور المرشد. وخلال العقود الثلاثة الماضية، كان المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي هو من يدير العملية الانتخابية من خلال قصر المنافسة على المرشحين الملتزمين بتعاليم جمهورية الملالي والموالين له شخصياً. مثل هنري فورد، فقد منح الناخبين الحق لاختيار أي لون – طالما أنه أسود.
وليس بالمعنى المجازي فحسب، فقد كان خامنئي يميل إلى تفضيل المرشحين الذين يرتدون ثياب الملالي الأشرار. الاستثناء الوحيد لتلك القاعدة، هو محمود أحمدي نجاد، عوض عن افتقاره للمؤهلات اللاهوتية (والتوافق مع المظهر) بإظهار نفسه على انه تقي أكثر من معظم الملالي.
لكن المرشد الأعلى لم يحرك الخيوط بإحكام هذه المرة كما كان الحال في النسخة التاسعة من عرض الدمى المسمي بالانتخابات الرئاسية. التصويت يوم الجمعة. استخدم خامنئي سيطرته على مجلس صيانة الدستور، الذي يشرف على العملية الانتخابية، للقضاء على أي طامحين ربما يكونون قد تحدوا مرشحه المختار – إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية المتشدد الذي يرتدي زي الغراب.
حتى المستفيدون السابقون من قصر الأمر على أشخاص بعينهم، عبّروا عن قلقهم من أن سيد الدمي (يقصد خامنئي) قد ذهب بعيداً هذه المرة. وحث الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني خامنئي على توسيع المجال، كما قال أحمدي نجاد إنه لن يصوت يوم الجمعة.
كانت هناك دعوات للمقاطعة، ومن المتوقع أن تكون نسبة المشاركة منخفضة للغاية. وهذا من شأنه أن يضر ليس فقط بمصداقية الانتخابات، ولكن أيضًا بشرعية خامنئي.
ما السبب في أن المرشد الأعلى مستعد للمخاطرة بكل ذلك من أجل ضمان فوز رئيسي؟ ليس لأن خامنئي يعتقد أن القاضي مؤهل بشكل أفضل من المرشحين الآخرين لإصلاح الاقتصاد الإيراني المنكوب بالعقوبات، وإحياء اتفاقها النووي مع القوى العالمية، وتخفيف التوترات مع الجيران.
قطعاً لا، تلعب الكثير من الأمور دوراً أكثر من الاقتصاد أو السياسة الخارجية أو حتى الرئاسة نفسها: فمستقبل المنصب الذي يشغله خامنئي وجمهورية الملالي على المحك.
من خلال تقديم معلوماتي، أوافق على سياسة الخصوصية وشروط الخدمة وتلقي العروض والعروض الترويجية من بلومبرج.
بلغ خامنئي لتوه 81 عامًا، ويٌشاع أنه في حالة صحية سيئة. وتختار هيئة من الفقهاء المسلمين تعرف بمجلس الخبراء خليفته. وفي الفترة الانتقالية، سيدير البلاد مجلس مؤقت يضم الرئيس الحالي ورئيس المحكمة العليا وممثل عن مجلس صيانة الدستور. ولسنوات عديدة، كان خامنئي يعبئ هذه المناصب بالموالين له، للتأكد من أن المرشد الأعلى القادم علي نفس شاكلته.
وهذا يعني شخصًا بخلفية دينية، ولديه رؤية رجعية للعالم، ولديه خبرة عملية في مؤسسات جمهورية الملالي، وتربطه روابط قوية بالمؤسسة الأمنية. بعبارة أخرى، شخص مثل إبراهيم رئيسي.
في الواقع، لطالما افترضت الأوساط السياسية في جمهورية الملالي أن خامنئي يعتبر رئيسي خليفته المنطقي. بالنسبة للمبتدئين، يتمتع الاثنان بخلفيات متشابهة. فكلاهما أتى من الريف بالقرب من مدينة مشهد الشرقية، وتلقيا بعض التعليم في المعاهد الدينية في مدينة قٌم المقدسة، ومن الواضح أنهما قد انخرطا في السياسة أكثر من اللاهوت.
ونتيجة لذلك، فإن كونهم رجال دين هو أمر مشكوك فيها إلى حد كبير. في عام 1989، تم ترقية خامنئي على عجل إلى مرتبة آية الله لدعم مؤهلاته كمرشد أعلى. وقد يتطلب صعود رئيسي نفس التسلسل القانوني.
لكن مؤهلاتهم السياسية لا تشوبها شائبة. حيث ارتقى كلاهما في صفوف الثيوقراطية من خلال إظهار ولائهما لثورة 1979 ولمصالح زعيمها آية الله روح الله الخميني، المرشد الأعلى الأول.
خدم خامنئي حكومة ثورة الملالي في مجموعة متنوعة من المناصب قبل أن يتولى الرئاسة في عام 1981. كان رئيسي موظفًا منخفض المستوى في القضاء في أوائل الثمانينيات. بحلول عام 1988، وصل إلى الهيئة القضائية التي أمرت بإعدام آلاف السجناء السياسيين.
تسارعت مسيرته المهنية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما أصبح نائب رئيس القضاة وانتُخب لعضوية مجلس الخبراء. ومع ذلك، لم يسمع سوى القليل من الإيرانيين عن رئيسي عندما تم تعيينه في منصب المدعي العام في عام 2014. وبعد عامين، اختاره خامنئي لإدارة أغنى مؤسسة دينية في البلاد، وهو منصب رفيع المستوى يتمتع بسلطة سياسية هائلة.
في عام 2017، ترشح رئيسي للرئاسة ضد روحاني. على الرغم من وصفه بأنه رجل المرشد الأعلى، فقد تعرض لهزيمة منكرة.
لكن هذه النكسة لم تغير نظرة خامنئي إليه. وبدلاً من ذلك، وجد له منصبًا بارزًا كرئيس للسلطة القضائية. في نظر الجمهور، قاد رئيسي حملات لمكافحة الفساد تصدرت عناوين الصحف. لكنه حرص على عدم التعمق في شؤون المؤسسة العسكرية التي أكسبته صداقات قوية في قوات حرس نظام الملالي.
تأثر موقف رئيسي مع المتشددين عندما اعترفت إدارة ترامب به كعضو في “الدائرة المقربة” لخامنئي وفرضت عليه عقوبات اقتصادية. وهذا أمر آخر مشترك بين رئيسي والمرشد الأعلى.
عندما ترشح رئيسي للانتخابات الرئاسية للمرة الثانية، كان رئيسي اسمًا مألوفًا في إيران. لكن كان يُعتقد على نطاق واسع أن الموالين للنظام مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني والنائب الأول للرئيس إسحاق جهانجيري من المنافسين الأقوياء. كانت هناك كل فرصة أن يفشل رئيسي في تحقيق الأغلبية في 18 يونيو/ حزيران.
وكان سيؤدي ذلك إلى جولة ثانية من التصويت بين المرشحين الرئيسيين، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها. في انتخابات الإعادة الرئاسية الأخيرة، في عام 2005، تعرض المرشح الأوفر حظًا في الجولة الأولى، أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس السابق لفترتين، للهزيمة من قبل المنافس غير المحتمل، أحمدي نجاد، عمدة طهران السابق.
ومهدت تنحية لاريجاني وجهانجيري الطريق أمام رئيسي لاكتساح الانتخابات يوم الجمعة. وستكون هناك حاجة لصدمة أكبر من تلك التي حدثت في 2005 لفرض جولة الإعادة. يجب أن يلعب عبد الناصر همّتي، الدور الذي لعبه أحمدي نجاد سابقاً، كمنافس بعيد المدى، الذي استقال من منصب محافظ البنك المركزي ليترشح للرئاسة.
لكن همّتي، وهو تكنوقراط ليس لديه مؤهلات ثورية أو سياسية، لا يرقى إلي لعب دور المنافس الذي لعبه أحمدي نجاد سابقاً. حيث تعتمد آفاقه الضعيفة على فكرة أن الإيرانيين، الذين سئموا الحالة المحفوفة بالمخاطر لاقتصادهم، يريدون أن يحصل رئيسهم القادم على بعض التدريب التجاري، وليس الديني.
كما يعتمد همّتي على الناخبين ليرونه محاوراً أفضل مع القوى العالمية، وخاصة مع الولايات المتحدة، في مفاوضات رفع العقوبات الاقتصادية التي ساهمت في وصولهم لتلك الحالة البائسة. بينما يتنافس معظم السياسيين الإيرانيين لإظهار تعنتهم تجاه أمريكا، وصرّح همّتي بأنه سيكون على استعداد للقاء الرئيس جو بايدن.
ربما تعتقد أن خامنئي يريد ذلك أيضًا. لكن الحفاظ على الثيوقراطية أهم بالنسبة للمرشد الأعلى من تخفيف آلام رعاياه. وكما سخر سلفه آية الله روح الله الخميني عندما سُئل عن حالة الاقتصاد، “لم تكن الثورة الإسلامية الإيرانية (ثورة الملالي) تتعلق بسعر البطيخ”.
بالنسبة لخامنئي، فإن انتخابات الجمعة تتعلق بشيء أكثر قيمة بكثير.
بقلم – بوبي غوش
المصدر: بلومبرگ