احتمالات انتشار انتفاضة خوزستان إلى أجزاء أخرى من إيران- كما كان متوقعًا، تراكم الغضب والاستياء لدى الإيرانيين، الذين نفذ صبرهم على الأوضاع الاقتصادية والسياسية الحالية، وتجلّى ذلك في الأشهر الأخيرة، أولاً في شكل إضرابات واسعة النطاق ومسيرات احتجاجية والآن في شكل انتفاضة عامة في مدن خوزستان.
ويعاني أهالي محافظة خوزستان، إضافة إلى ارتفاع الأسعار والبطالة ووباء فيروس كورونا، من انقطاع الكهرباء والمياه في ظل الحر الشديد الذي تشهده هذه المنطقة، حيث تزيد درجة الحرارة عن 120 درجة (فهرنهيت).
ويعود سبب نقص المياه وجفاف الأنهار إلى بناء العديد من السدود غير المنظّمة من قبل قوات حرس نظام الملالي، الذين قاموا بتشييدها على نهري “الكرخة وكارون” لمصلحتهم الخاصة وضد إرادة أهالي المحافظة، كما قاموا بتحويل المياه من هذه الأنهار إلى أماكن أخرى، مما تسبب في فقدان سكان خوزستان لمنتجاتهم الزراعية ومواشيهم، وفي العديد من القرى تم قطع مياه الشرب.
وخرج الناس في جميع مدن المحافظة تقريبا بمظاهرات حاشدة تُطالب بفتح صمامات السدود حتى تتدفق المياه إلي الأنهار. لكن خامنئي يعرف أن الانصياع لمطالب الشعب والتراجع سيؤديان إلى سلسلة من المطالب من قِبل الناس في مناطق أخرى وهولا ينوي ولا يستطيع تلبيتها. وهكذا لجأ مرة أخرى إلى الأساليب القمعية مثل ما فعله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عندما قُتل الكثير من الناس في مدينتي “بهبهان وماهشهر” لقمع الانتفاضة
باستخدام قوات الأمن القمعية وقوات حرس نظام الملالي واستقدام تعزيزات من مناطق أخرى لمحاولة تفريق الناس وقمع احتجاجاتهم.
وقد قامت هذه القوات بقتل وجرح واعتقال أشخاص في مختلف مدن المحافظة حتى الآن.
كما حاول النظام في البداية تبرير أفعاله القمعية من خلال وصف المتظاهرين بالانفصاليين والمنتسبين لقوات انفصالية وأجنبية، ولكن نظرًا لعدم وجود أي علامة على الانفصال في أي من شعارات المتظاهرين، حيث ركزّت جميع شعاراتهم على المطالب المشروعة والأساسية للشعب، فإن هذه الحيلة لم تكن فعّالة،على العكس من ذلك، فإن هذا الفعل القمعي لم يقمع الانتفاضة، بل عمل على توسيع نطاق الاحتجاجات.
ورغم أن النظام أغلق الإنترنت مرة أخرى لقطع الاتصال بين هذه المحافظة وبين المناطق الأخرى، إلا أن الانتفاضة انتشرت خارج هذه المحافظة، وترددت في هذه الأماكن شعارات مثل “الموت لخامنئي” و”الموت للديكتاتور”. كما احتجّت مجموعات عرقية مختلفة في إيران، مثل “اللور في خُرم آباد ولُرِستان وبختياري في مدينة مسجد سليمان”، بأعداد كبيرة.
من جهة، أدى الانتشار السريع للانتفاضة والعصيان إلى محافظات ومدن أخرى في إيران، وخاصة طهران، إلى إخافة النظام، ومن جهة أخرى، بالنظر إلى أن رئيسي سيتولى الرئاسة من روحاني خلال أقل من أسبوعين، وهناك بعض الخلافات بين السلطات مما يجعل اتخاذ القرار لحل هذه الأزمة أكثر صعوبة. لدرجة أن حتى بعض الملالي رفيعي المستوى في النظام مثل الملا “جرجاني” أصدروا بيانًا دعمًا لأهالي خوزستان ودعوا إلى حل مشاكل نقص المياه لديهم. أوعندما أشار رئيس النظام السابق أحمدي نجاد في خطاباته إلى العصابة الأمنية الفاسدة التي تريد حل المشاكل بالقمع وحذّرها من القيام بأي شيء لدفع الناس إلى الوقوف ضدهم. كما دعا “قاليباف” رئيس مجلس النواب و”شمخاني” المستشار الأمني للنظام إلى الإفراج عن المعتقلين لصرف انتباه الناس. وحذّر بعض أعضاء البرلمان، وخاصة من خوزستان، مرارًا وتكرارًا من أن الوضع سيزداد سوءًا إذا لم يتم حل مشكلة نقص المياه. وحاول “محافظ خوزستان” الاتصال بشيوخ العشائر العربية في المنطقة كما حاول إسكات الأهالي وخاصة انتفاضة الشباب عن طريق بعض الوعود.
لكن بما أن النظام بأكمله هو نظام ديكتاتوري فاسد بقيادة خامنئي، وطالما أنه في السلطة، فلا توجد إمكانية للإصلاح في نظام الحكم، فكل هذه الجهود ستفشل، وإن هذا الصدع سيؤدي فقط إلى إضعاف خامنئي وقوات حرس نظام الملالي وأيضًا سينشر الانتفاضة إلى مناطق أخرى في المستقبل القريب.