عدد القتلى في انتفاضة محافظة خوزستان آخذ في الازدياد- يبدو أن صبر الشعب الإيراني على الظروف المعيشية في عهد الملالي قد نفد. في الأشهر الأخيرة، كانت هناك مسيرات احتجاجية لشرائح مختلفة من السكان في معظم مدن إيران. الأجور المنخفضة والبطالة والارتفاع الهائل في الأسعار ونقص المياه وانقطاع التيار الكهربائي … كلها یشکل جزءا من قائمة طويلة من أسباب اندلاع هذه الاحتجاجات. في الأشهر الأخيرة، لم يمر يوم تقريبًا دون احتجاجات واعتصامات وتجمعات وإضرابات من المزارعين والعمال والممرضات والطاقم الطبي في المستشفيات والمعلمين والمتقاعدين، وما إلى ذلك.
في الوقت الحالي، يعيش أكثر من 50٪ من سكان إيران في فقر مدقع وفي ظروف معيشية صعبة للغاية. من ناحية أخرى، أدى انتشار فيروس كوفيد – 19 وارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن الفساد الحكومي وسوء الإدارة إلى زيادة بؤس الطبقة الدنيا من المجتمع. على الرغم من أن معظم المسؤولين الحكوميين وعائلاتهم والمرتبطين بهم قد تم تطعيمهم بالكامل، إلا أن حوالي 7 ٪ فقط من السكان الإيرانيين تم تطعيمهم بالجرعة الأولى. وبحسب مصادر موثوقة، فقد تجاوز عدد ضحايا هذا المرض في إيران الآن 336 ألف شخص.
لهذه الأسباب قاطع الشعب الإيراني بالإجماع الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران 2021 لإظهار استيائه وعدم رضاه عن النظام. وبحسب مصادر موثوقة داخل إيران، أدلى ما يقرب من 10بالمائة فقط من الشعب بأصواتهم. في الواقع، وفي نظر العديد من المحللين، يمكن ترجمة مقاطعة الناس للانتخابات إلى استفتاء شعبي. أيضًا، وفقًا للنظام نفسه، وهو بعيد كل البعد عن الحقيقة، كانت مشاركة الناخبين في طهران، التي يزيد عدد سكانها عن 8 ملايين نسمة، أقل من 26بالمائة.
لكن خامنئي تجاهل النتيجة السيئة للانتخابات الرئاسية ووصفها بأنها ملحمة دعم الشعب للنظام.
ونتيجة لذلك، في غضون يومين بعد الانتخابات الرئاسية، توقف عمال مصافي النفط والغاز والبتروكيماويات في مدن مختلفة عن العمل احتجاجًا على ظروف عملهم ومعيشتهم وتدني أجورهم التي تقل قيمتها عن ثلث خط الفقر. وبعد ذلك، نظم المزارعون في أصفهان احتجاجات حاشدة ضد إغلاق نهر زاينده رود، مما تسبب في إتلاف محاصيلهم. والآن، بعد حوالي شهر من الانتخابات الرئاسية الصورية، تشهد مدن مختلفة في محافظة خوزستان احتجاجات واسعة النطاق.
أدى نقص المياه في أنهار المحافظة، الذي نتج عن بناء العديد من السدود غير المدروسة علميًا من قبل الشركات التابعة لقوات حرس نظام الملالي، إلى فقدان المنتجات الزراعية والماشية في العديد من القرى. حتى مياه الشرب انقطعت في كثير من المدن.
ونتيجة لذلك، نزل الشباب في معظم مدن هذه المحافظة، مثل الأهواز، وسوسنکرد ، وشوش، وماهشهر، ودشت آزادکان، وشادکان ، وحميدية، وزرقان، وبهبهان، واميديه، ودزفول، وإیذة، ومسجد سليمان، وغيرها. مطالبين بفتح السدود وتدفق المياه في الانهار. لكن بما أن النظام، كالعادة، تجاهل مطالبهم تدريجياً، سرعان ما أصبحت الشعارات سياسية وتحولت إلى “الموت للديكتاتور” و”الموت لخامنئي”.
لكن خامنئي، مع علمه بأن الانصياع لمطالب الشعب والتراجع عنها سيؤديان إلى سلسلة من المطالب المشروعة الأخرى من قبل الناس في المحافظات الأخرى، لا ينوي وغير قادر من الأساس على الاستجابة لهذه المطالب.
كما هو الحال دائمًا مع أي ديكتاتوريات أخرى، لجأ خامنئي إلى الأساليب القمعية لإنهاء الانتفاضات الأخيرة، على غرار حملة قمع الانتفاضات الواسعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1500 متظاهر واعتقال أكثر من 12000 متظاهر من قبل قوات أمن النظام.
ولقمع انتفاضة محافظة خوزستان، أرسل النظام قواته الأمنية من المحافظات المجاورة، على أمل قمع المتظاهرين وإنهائها.
أطلقت الشرطة وقوات مكافحة الشغب النار وقتلت وأصابت العشرات في مدن مختلفة بالمحافظة واعتقلت وسجنت المئات.
وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن “ثمانية أشخاص على الأقل” قُتلوا على أيدي قوات الأمن حتى الآن، لكن العدد الفعلي أعلى بلا شك.
كما دعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشیل باشليت سلطات الملالي إلى معالجة أزمة المياه في خوزستان بدلاً من محاولة “قمع المحتجين”.
حاول النظام تبرير أعماله القمعية من خلال وصف المحتجین بأنهم انفصاليون وعناصر أجنبية. وكذلك من خلال نشر أخبار كاذبة عن أسماء القتلى ومن ثم إحضار بعض الأشخاص إلى التلفزيون والإعلان عن نشر أخبار وفاتهم زورًا من قبل مجموعات المعارضة، حاولوا تشويه مصداقية أخبار الضحايا الحقيقيين، وقاموا بمزيد من عمليات القتل.
كما حاول النظام قطع اتصال أهالي هذه المحافظة بمناطق أخرى عن طريق قطع شبكة الإنترنت عن هذه المحافظة. لكن محاولات النظام قد باءت بالفشل، وامتدت الانتفاضة إلى مدن خارج المحافظة مثل خرم آباد ومشهد وأصفهان وكرج والعاصمة طهران وخاصة تبريز مرکز محافظة أذربيجان. تعد تبريز مدينة مهمة للغاية حيث كانت تاريخياً النقطة المركزية للثورة الدستورية (1905-1909) والثورة المناهضة للشاه (1978-1979). لذا فالنظام خائف حقًا من أي انتفاضة في هذه المدينة. لكن أهالي تبريز، وخاصة الشباب، نزلوا إلى الشوارع بالآلاف لدعم أهالي خوزستان وهتفوا “لا للشاه ولا لخامنئي، نحن وطنيون”.
أدى انتشار الانتفاضة إلى محافظات أخرى وخاصة إلى أذربيجان إلى تخوف النظام من تكرار ما حدث في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. لذلك، من ناحية، من خلال فتح صمامات السدود وتدفق بعض المياه في الأنهار، تظاهر النظام بأنه يحل الأزمة، ومن ناحية أخرى، حاول بإرسال الحرسی حسين سلامي قائد قوات حرس نظام الملالي وإسحاق جهانجيري نائب رئيس النظام إلى المنطقة، لإعادة تنظيم قواها القمعية والاستعداد لسوء الأوضاع.
والآن بعد أن يتولى إبراهيم رئيسي رئاسة الحكومة الجديدة في 12 يونيو/ حزيران، بالنظر إلى خلفيته ومعرفتنا بأعماله القمعية بالإضافة إلى، مذبحة 30 ألف سجين سياسي في عام 1988، يمكن للمرء أن يتوقع منه زيادة الأجواء الخانقة لقمع هذه الانتفاضة.
لكن غالبية الشباب الإيراني الذين ليس لديهم ما يخسرونه والذين سئموا من هذا النظام، ويريدون تغييره، لن يتم إسكاتهم بسهولة. لذلك يجب أن نتوقع المزيد من الانتفاضات في المستقبل القريب في مدن أخرى في إيران.