تنصيب إبراهيم رئيسي يجعل الحملات القمعية الحالية أسوأ- كانت خوزستان في جنوب غرب إيران موقعًا لاحتجاجات واسعة النطاق منذ 15 يوليو/ تموز. وخلال الأسبوعين الماضيين، امتدت الاحتجاجات أيضًا إلى عدد من المناطق الأخرى، بما في ذلك “طهران وتبريز وبوشهر وأصفهان”. وهذه الاحتجاجات ستظل مستمرة في مواجهة الحملات القمعية العنيفة من قبل مسؤولي النظام. وستتكثف تلك الحملات خلال الأيام والأسابيع المقبلة، خاصة بعد تنصيب الرئيس الجديد للنظام، “إبراهيم رئيسي”، يوم 3 أغسطس / آب.
وتم “اختيار” رئيسي في 18 يونيو/ حزيران، لكن الغالبية العظمى من الشعب الإيراني قاطع تلك العملية السياسية، مدركين أن سلطات النظام قد مهدت الطريق بالفعل لفوزه بعد أن أوضح المرشد الأعلى لنظام الملالي “علي خامنئي” أنه استقر على “رئيسي” كبديل لخلافة رئيس النظام المنتهية ولايته “حسن روحاني”. وبكل المقاييس، كان هذا الاختيار بسبب تاريخ رئيسي الطويل في دعم النظام ومشاركته في قمع المعارضة، لا سيما تلك المرتبطة بجماعة المعارضة المنظمة، “منظمة مجاهدي خلق الإيرانية“.
وفي صيف عام 1988، كانت “منظمة مجاهدي خلق الإيرانية” الهدف الرئيسي لحملة الإعدام الجماعي التي أودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص. وعندما بدأت تلك الحملة، كان رئيسي نائب المدّعي العام في طهران، وسرعان ما أصبح أحد الشخصيات الهامة في “لجنة الموت” الرئيسية للنظام. وبهذه الصفة، استجوب السجناء السياسيين في “سجن إيفين” وبعد ذلك في العديد من المنشئات في جميع أنحاء البلاد من أجل تحديد أي منهم لا يزال يتعاطف مع”منظمة مجاهدي خلق الإيرانية” أوإذا كانوا ساخطين على نظام الملالي. وحُكم على كل من رفض إظهار الخضوع المذل لحكم الملالي “بالإعدام شنقاً أو رمياً بالرصاص”.
لسنوات بعد مذبحة عام 1988، ضاعف رئيسي إرثه كقاضي إعدامات ومدافع عن جميع أشكال العقاب البدني. وعلى الرغم من الغياب التام للدعم الشعبي، فقد سلّم خامنئي “لرئيسي” السيطرة على القضاء الإيراني في عام 2019. وقد أدى ذلك القرار إلى تمهيد الطريق أمام “رئيسي” لإحياء حملته الرئاسية في مجال غير تنافسي تمامًا.
وقدمت سيطرة رئيسي على القضاء مصالح النظام على مصالح الشعب، وحتى لو أنها قد ساعدت في إشعال فتيل ثورة على مستوى البلاد في غضون أشهر من تعيينه، فقد ساهمت أيضًا في اشتداد قمع النظام وأجبرت الحركة الاحتجاجية على العودة إلى العمل السري لعدة أسابيع. وفي حين أسفرت الانتفاضة السابقة في يناير/ كانون الثاني 2018 عن مقتل ما يقرب من 60 شخصًا على مدار شهر تقريبًا، قوبلت انتفاضة نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بإطلاق نار جماعي على الفور، مما أدى إلى مقتل أكثر من 1500 شخص في غضون أيام.وعلاوة على ذلك، تم اعتقال ما لا يقل عن 12000 شخص، وبدأ قضاء النظام برئاسة “رئيسي” على الفور حملة تعذيب واستجواب مطولة استمرت لعدة أشهر.
وأفادت منظمة العفو الدولية عن تلك الحملة القمعية في تقرير بعنوان ” سحق الإنسانية “، وعندما بدأت سلطات الملالي في قمع احتجاجات خوزستان الأخيرة، أصدرت منظمة حقوق الإنسان بيانًا أكدت فيه أنها شهدت أصداء مخيفة لتلك الاحتجاجات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عندما قتلت قوات الأمن بشكل غير قانوني”. مئات المتظاهرين والمارة لكن لم يتم محاسبتهم “.
وشدد البيان على ضرورة إنهاء “الإفلات من العقاب” الذي تتمتع به طهران منذ فترة طويلة في ظل عدم وجود إجراءات دولية جادة لمعاقبة كبار المسؤولين أو المؤسسات على مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان. وفي السابق، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا رداً على الانتخابات الإيرانية الزائفة قالت فيه: “إن وصول “إبراهيم رئيسي” إلى الرئاسة بدلاً من التحقيق معه في جرائم ضد الإنسانية مثل القتل والاختفاء القسري والتعذيب، هو تذكير مروع بأن الإفلات من العقاب يسود في إيران.
وسيتم تعزيزهذا الإفلات من العقاب بشكل أكبر بتنصيب رئيسي، مما سيؤدي إلى زيادة قمع الاحتجاجات المستمرة في خوزستان والمناطق المحيطة بها. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك الكثير من التساؤلات حول ما إذا كانت تلك الاحتجاجات ستستمر بعد تولي رئيسي منصبه. فحتى الآن، تحمّل النشطاء المعارضون تأثيرات مقتل ما لا يقل عن اثني عشر قتيلاً بالرصاص وربما أكثر من ذلك بكثير.حيث أنه لم يتم تحديد المدى الكامل لتك لحملة القمعية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن النظام قد قطع الإنترنت من أجل إبطاء انتشار المعلومات.
وفي 10يوليو، ألقت رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية “السيدة مريم رجوي” كلمة في الجلسة الأولى للملتقى العالمي لإيران الحرة 2021 وقالت: “في العصر الجديد، ستشتد العداوة بين نظام الملالي والمجتمع أكثر من أي وقت مضى . ”
تحدثت السيدة “رجوي” أيضًا عن التنصيب الوشيك لرئيسي باعتباره “اختبارًا حقيقيًا” للالتزام المجتمع الغربي بمبادئ حقوق الإنسان العالمية والسيادة الشعبية في جميع أنحاء العالم. ويمكن القول إن الاحتجاجات الإيرانية الحالية هي معاينة لهذا الاختبار.
ومن الواضح أن احتجاجات خوزستان اندلعت بسبب نقص المياه الذي تزامن مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، لكنها بشكل خاص لفتت الانتباه إلى عدم اكتراث النظام بالسياسات الصناعية والبيئية التي ساهمت في هذا النقص. وهذا بدوره يشير إلى الاعتراف باللامبالاة الكبيرة للنظام وفشل أي سلطة قيادية تقديم رد يحمل حلولًا لمشاكل الشعب.
وعلى الرغم من أن خامنئي ألقى مؤخرًا خطابًا عبّر فيه بشكل سطحي عن تعاطفه مع المتظاهرين، إلا أنه انتقد حركتهم وقال إنه يتم استغلالها من قبل “الأعداء” وتجاهل شكاواهم باعتبارها شيئًا سيتم مناقشته في ظل الإدارة الرئاسية المقبلة. ولم يغب عن الشعب الإيراني أن تلك الإدارة يتم تنصيبها لغرض صريح وهو إسكات المعارضة، وليس الاستماع إليها. ويجب أن يكون المجتمع الدولي مدركًا تمامًا لهذا الوضع وأن يتخذ الإجراءات التي من شأنها إيقاف طهران عن تصعيد قمعها أكثر بعد 5 أغسطس/ آب.
وكذلك قدم “المؤتمر السنوي العام للمقاومة الإيرانية لإيران الحرة 2021″ توصيات محددة حول كيفية تحقيق ذلك. حيث شجع العديد من المتحدثين في هذا الحدث الذي استمر لثلاثة أيام، بما فيهم صناع السياسة من مختلف الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا، الحكومات الغربية على الضغط من أجل إنشاء لجنة تحقيق رسمية في الأمم المتحدة، مع التركيز على دور رئيسي في مذبحة عام 1988، وتوسيع مهام تلك اللجنة خارجًا لتشمل مسؤولين آخرين وجرائم أخرى. مثل هذا التحقيق من شأنه أن يقطع شوطًا طويلاً في أن يُظهر العالم لنظام الملالي أن عهده المقبل يمثل نهاية حقبة الإفلات من العقاب وأنه إذا تطورت احتجاجات خوزستان الحالية إلى انتفاضة أخرى، فسيحظى الشعب الإيراني بدعم العالم هذه المرة.