على المجتمع الدولي أن يسلط الضوء على تورط رئيسي في مذبحة السجناء عام 1988–أدى اختيار خامنئي لإبراهيم رئيسي ليكون الرئيس الجديد لنظام الملالي من خلال “انتخابات” وهمية إلى تجديد الاهتمام بالإعدامات الجماعية في صيف عام 1988. أثناء ذلك الصيف، قتلت سلطات نظام الملالي ما لا يقل عن 5000 سجين سياسي تحت إشراف لجنة الموت المكونة من أربعة أعضاء، من ضمنهم إبراهيم رئيسي. كما شاركت سلطات نظام الملالي، بالطبع، في عمليات إعدام سياسية منذ توليها السلطة في عام 1979، وكانت هذه الفترة هي الأكثر كثافة من حيث عدد الإعدامات اليومي – حوالي 100 أو أكثر في اليوم على مدار شهرين تقريبًا. بالإضافة إلى أن عمليات الإعدام الحديثة والمعاصرة، استهدفت شخصيات معروفة. لكن دور إبراهيم رئيسي في تلك الفترة السابقة بدأ في الظهور على مدار سنوات، من عائلات القتلى وكذلك أولئك الذين نجوا أو هربوا من السجون، وحتى بعض مسؤولي النظام الذين حاولوا إيقاف المذبحة.
قلب الظلام
وفقًا للعديد من الشهود، عيّن آية الله روح الله خميني، رئيسي في لجنة مكونة من أربعة أعضاء (لجنة الموت) في عام 1988 لتنظيم المجازر والإشراف عليها. كان رئيسي قد أثبت ولائه لخامنئي من خلال خدمته في سن العشرين كمدعي عام في منطقة كرج، وهي مدينة كبيرة بالقرب العاصمة طهران، ثم كمدعي عام لمحافظة همدان، وفي عام 1985، تولي رئيسي منصبه كنائب للمدعي العام في العاصمة طهران.
أولئك الذين سيتم إعدامهم من قبل اللجنة حُكم عليهم بالفعل بالسجن لسنوات – ولكن ليس بالإعدام – خلال فترة الثمانينيات لمعارضتهم حكم الملالي بقيادة خميني. تم القبض على العديد منهم لمجرد توزيع أو قراءة مقالات سياسية تنتقد النظام.
يتضح من الصور العائلية لأولئك الذين تم إعدامهم، أن معظمهم كانوا في أوائل العشرينات من عمرهم. كما يتضح أنه كان هناك أقلية من المراهقين الشباب أو في الثلاثينيات من عمرهم. صور القتلى تشبه الكتاب السنوي للمدرسة الثانوية أو الجامعة، لكن هؤلاء “الخريجين” انتهى بهم الأمر في جولاج (الاسم الذي كان يطلق على معسكرات الاعتقال السوفييتية) نظام الملالي.
في أواخر شهر يوليو / تموز، أنهت سلطات السجن جميع الزيارات العائلية للسجناء السياسيين وأمرت باستجوابهم. عادةً ما يسأل المحققون السجناء عما إذا كانوا سيعترفون علنًا بـكونهم “مذنبون” بالخيانة، أو القيام بالتنديد بأفعال زملائهم، أو التجسس لصالح نظام الملالي، أو المشاركة في فرق إطلاق النار التابعة للنظام، أو الركض عبر حقول الألغام في جبهة الحرب العراقية الإيرانية. إذا أجاب السجين بالنفي على أي من هذه الأسئلة، فسيتم الحكم عليه أو عليها بالإعدام. تم قتل المدانين إما رميا بالرصاص أو شنقًا. وروى أحد الشهود أن الحراس كانوا يتعلقون بالجثث وهم يعقدون الأنشوط (عقدة حبل المشنقة) لإتمام عمليات الإعدام. وتكهن البعض بأن الشنق كان الوسيلة المفضلة، نظرًا لأنه كان أكثر هدوءًا ولم يلفت الانتباه. وانتهت عمليات الإعدام الجماعية في شهر سبتمبر / أيلول.
وفي أواخر شهر أكتوبر / تشرين الأول من ذلك العام، تم استدعاء أفراد عائلات أولئك الذين تم إعدامهم، إلى السجون لكي يتسلموا المتعلقات الشخصية لأحبائهم، ثم طُلب منهم المغادرة على الفور وعدم “إثارة المشاكل” بشأن عمليات الإعدام. تسربت بعض المعلومات حول مواقع المقابر الجماعية في النهاية، ولكن حتى يومنا هذا لم يتم إخبار العائلات عن المواقع الحقيقية للدفن. علاوة على ذلك، قامت السلطات في بعض الأحيان بتفريق التجمعات التذكارية في مواقع الدفن المفترضة. يوفر تقرير شامل لمنظمة العفو الدولية نافذة على هذه الفترة بتفاصيل مستفيضة.
دوافع النظام
على الرغم من أن طريقة ونطاق عمليات الإعدام الجماعية مفهومة بشكل جيد إلى حد كبير، فإن الدوافع الحقيقية للنظام، بما في ذلك الدوافع الشخصية لرئيسي، وتوقيت عمليات القتل ليست مؤكدة وتستحق المزيد من الدراسة. لقد طرح المؤرخون والمراقبون عددا من الدوافع المحتملة. أولاً، هناك احتمال لوجود سبب نفعي بشع: ألا وهو السجون المكتظة. حيث أن النظام قد اعتقل آلاف السجناء في فترة الثمانينيات. بحلول عام 1987، أصبح الوضع سيئًا للغاية لدرجة أن السجناء تبنوا كلمة “سرديني” (في إشارة إلى علب السردين) لإضطرارهم للنوم ورؤوسهم متاخمة لأقدام الشخص الآخر. وبالتالي، قد تكون عمليات الإعدام وسيلة لخلق مساحة أكبر للسجناء الأقل خطورة.
وقال آية الله منتظري، الذي كان وريثًا للخميني حتى تمت تنحيته جانباً بسبب استقلاله عن النظام، في شريط تم تسريبه لوسائل إعلام غربية، لكبار المسؤولين في النظام، ومن بينهم رئيسي:
“كانت تلك [المجازر] تدور في ذهن مسئولي وزارة الاستخبارات وبدأت في تبني هذا الاتجاه، وكان نجل الخميني، أحمد الخميني، يدفع بإصرار منذ ثلاث أو أربع سنوات إلى إعدام جميع أعضاء منظمة مجاهدي خلق، حتى أولئك الذين كانوا فقط يقرأون الصحف والمجلات والمنشورات التابعة للمنظمة. لقد كانوا يفكرون في هذا الأمر بالفعل، وهم الآن يستغلون الفرصة التي أتاحها هجوم المجاهدين علينا.”
في الواقع، قاتل منتظري ورفاقه ضد مخططات المذبحة لكنهم فشلوا في فعل أي شىء. وذكر سجناء سياسيون ناجون، أن ممثلي منتظري كانوا حاضرين في المحاكم ويصرون على تقديم دليل معقول لإثبات الجرم أثناء المحاكمات. ودعت إحدى رسائل منتظري إلى خميني، والتي تم تسريبها أيضًا إلى الصحافة الدولية، إلى بعض التعاطف: “على الأقل قم بإصدار أوامرك بتنحية النساء اللواتي لديهن أطفال … إعدام عدة آلاف من السجناء في غضون أيام قليلة لن ينعكس إيجابًا ولن يكون خاليًا من الأخطاء….تم قتل عدد كبير من السجناء تحت التعذيب على أيدي المحققين … في بعض سجون الجمهورية الإسلامية، يتم اغتصاب الفتيات الصغيرات … ونتيجة للتعذيب الجامح، أصبح العديد من السجناء صم أو مشلولين أو مصابين بأمراض مزمنة.” تم وضع منتظري قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته عام 2009.
على المجتمع الدولي أن يسلط الضوء على تورط رئيسي في مذبحة السجناء عام 1988:دور إبراهيم رئيسي في المجازر
كسر رئيسي صمته ودافع علنا عن القتل الجماعي، وإن كان بلغة مشفرة، في محاضرة في 1 مايو/ أيار 2018 ووثقتها منظمة العفو الدولية. لم يعترض على وجوده في اجتماع بشأن هذه القضية – من المفترض أن يكون ذلك هو الاجتماع المسجل مع منتظري – لكنه أشار إلى أنه “خلال الفترة [المعنية]، لم أكن رئيس المحكمة … رئيس المحكمة هو من يصدر الأحكام بينما المدعي العام يمثل الشعب.” في الوقت نفسه، استخدم كلمة “مواجهة” في إشارة واضحة إلى القتل الجماعي، واعتبرها “أحد الإنجازات التي يفتخر بها النظام” وأشاد بخميني باعتباره “بطلًا قوميًا”، وبالتالي دفع عبء المسؤولية عن عمليات القتل تجاه الزعيم الميت.
بعد ثلاثين عامًا من القتل، أصبح إبراهيم رئيسي رئيسًا لنظام الملالي، وعلى المجتمع الدولي تحديد كيفية التعامل مع هذا الرئيس وماضيه. رغم تلك الفظائع، يجب أن تظل أولويات واشنطن الرئيسية تحقيق اتفاق نووي مع الحد من البرنامج النووي لنظام الملالي ومحاولاته لإثارة الاضطرابات في العالم العربي. التعامل مع القضية النووية يعني التعامل مع رئيسي. ربما يؤدي الهجوم الأمريكي الشامل على سجله في مجال حقوق الإنسان، في الماضي والحاضر، إلى تمسك النظام بخططه ومعتقداته أكثر وبشكل أعمق.
ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة، بل ويجب عليها أن تدعم جهود الآخرين للتحقيق في عمليات القتل عام 1988 ودور رئيسي فيها. في يونيو/ حزيران 2021، دعا مقرر الأمم المتحدة للشؤون الإيرانية، جاويد رحمان، أستاذ الشريعة الإسلامية في لندن، إلى مثل هذا التحقيق. وفي 10 أغسطس/ آب، بدأت السويد في محاكمة الإيراني حميد نوري لدوره في عمليات الإعدام الجماعية – ومن المتوقع صدور حكم في أبريل/ نيسان 2022. كان نوري مساعدًا لأحد مديري السجون، ومن المرجح أن تسمح محاكمته للصحافة الأمريكية وجماعات حقوق الإنسان بالتعمق في هذه الفترة ودور إبراهيم رئيسي فيها.
على المجتمع الدولي أن يسلط الضوء على تورط رئيسي في مذبحة السجناء عام 1988
ربما ينجح هذا التحقيق أو غيره من التحقق من أن اجتماع منتظري المسجل شمل بالفعل إبراهيم رئيسي. وقد تسعى أيضًا إلى الاتصال بكبار أفراد عائلة النظام الذين يعيشون الآن في الغرب. ربما يكونون على استعداد لمناقشة ما يعرفونه عن عمليات القتل، على الرغم من المخاطر التي قد ينطوي عليها ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع الدولي أيضًا تضخيم العدد القليل من الأصوات في المنطقة ممن لديهم مخاوف بشأن هذه المسألة. نشر بعض المحللين في الشرق الأوسط، مثل الصحفي اللبناني حسام عيتاني، تحليلات توضح بالتفصيل الدور الكبير الذي لعبه رئيسي في جرائم القتل عام 1988. أوضح يلبغا الزهراني، الباحث الإيراني، أهمية حديث غير الإيرانيين في هذا الشأن، قائلاً إن محاكمة نوري في السويد – التي جاءت بعد اعتقاله في السويد عام 2019 أثناء زيارته لعائلته – قد تجعل قادة الملالي، مثل رئيسي ممن ارتكبوا هذه الجرائم يخشون السفر إلى الخارج في ضوء تلك السابقة. وبالمثل، دعت الناشطة الحقوقية لادن بازركان، التي أُعدم شقيقها في مذبحة عام 1998، إلى فرض قيود على سفر المتورطين في المذبحة. وأشارت إلى أنه في عام 1987، منعت الولايات المتحدة الرئيس النمساوي من دخول البلاد بسبب تورطه في جرائم نازية.
احتشد المغتربون الإيرانيون الآخرون في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة للفت الانتباه إلى تورط رئيسي في المذبحة، كما طالب صحفيون تابعون للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مثل حنيف جزائري، منذ فترة طويلة بمقاضاته.
ومع ذلك، في حين أن العديد من مصادر الأخبار العربية قد نشرت مقالات تشير إلى تورط رئيسي في مجزرة عام 1988، كان رد الفعل الشامل من المنطقة الأوسع هو الصمت. يجب أن يُفهم هذا على أنه رقابة ذاتية، تعززت في ظل المحادثات النووية والتقارب السعودي الإيراني المحتمل والتغلغل الإيراني في عدة دول عربية. لذلك، فإن دعم أولئك الذين يدعون إلى إجراء تحقيقات دولية في القضية، وما يترتب عليها من تداعيات، هو الأهم.
على المدى الطويل، لا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يكون هناك في يوم من الأيام متحف في العاصمة طهران مخصص لذكريات ضحايا النظام. تم بناء مثل هذه المتاحف بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية وأوروبا الوسطى لإحياء ذكرى الضحايا. هذه المتاحف لها تأثير عاطفي هائل، خاصة عندما تعرض صور الضحايا. تتطلع الوجوه إلى المراقب وكأنها تقول: لا تنسونا، ولا سيما أولئك الذين شاركناهم هذه الأرض.