الوعي العالمي بمذبحة إيران عام 1988 يتزايد، لكن المساءلة لا تزال بعيدة المنال- أثناء تقديمه تقريرًا عن حقوق الإنسان في إيران إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، سلط الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الضوء مرة أخرى على استمرار انعدام المساءلة فيما يتعلق بمذبحة عام 1988 ضد السجناء السياسيين الإيرانيين، فضلاً عن القضايا المعاصرة الناشئة مباشرة عن تلك المذبحة.
لم يعترف نظام الملالي رسميًا أبدًا بحجم المذبحة، على الرغم من أن العديد من مسؤولي النظام دافعوا علنًا عن الجهود المبذولة للقضاء على جماعة المعارضة الإيرانية المؤيدة للديمقراطية، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. وكجزء من جهد طويل للتشويش على هذه القضية، حاولت سلطات النظام مرارًا وتكرارًا تدمير أدلة المقابر الجماعية السرية ومضايقة أسر العديد من الضحايا بشكل ممنهج، فضلاً عن تجريم جهود تخليد ذكرى الموتى أو المطالبة بالمساءلة من مرتكبي المجزرة.
وقد ورد ذكر هاتين الظاهرتين في التقرير الأخير الذي وصف مريم أكبري منفرد بأنها إحدى ضحايا حملة المضايقات التي يمارسها النظام. تقضي السيدة منفرد حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً لمشاركتها في احتجاجات مناهضة للنظام في عام 2009، وفي عام 2016 قدمت شكوى رسمية إلى القضاء بشأن مذبحة عام 1988، التي فقدت فيها اثنين من إخوتها. منذ ذلك الحين، تعرضت للعديد من التهديدات وأعمال الإساءة من قبل مسؤولي السجن، فضلاً عن حرمانها من الإجازة الطبية والزيارات العائلية وغيرها من الحقوق الأساسية.
قصة مريم أكبري ليست سوى واحدة من قصص عديدة، وإساءة معاملتها ليست سوى مثال واحد على الاستراتيجيات التي يستخدمها مسؤولو النظام لقمع الوعي بالمذبحة في الداخل والخارج. كما يشير تقرير حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة إلى قيام النظام بإخفاء المقابر الجماعية، مثل تلك الموجودة في خاوران “التي يعتقد أنها تضم ضحايا الاختفاء القسري والإعدام بإجراءات موجزة في صيف عام 1988”.
الوعي العالمي بمذبحة إيران عام 1988
حددت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، التي كانت الهدف الرئيسي لمذبحة عام 1988، أماكن مقابر مماثلة في 36 مدينة على الأقل، لكن لم يقم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولا أي هيئة دولية أخرى بإجراء تحقيق للتأكد من صحة هذا الكلام. وبناءً على ذلك، حذرت منظمة العفو الدولية في عدة مناسبات من أن جهود النظام لرصف هذه المقابر وبناء مبانٍ كبيرة فوقها ستجعل في النهاية من الصعب للغاية التأكد من الحجم الدقيق للمذبحة وتفاصيلها.
أمرت “لجان الموت” الإيرانية ونفذت 30.000 عملية إعدام على مدى ثلاثة أشهر في عام 1988. لكن بعض الناجين من المذبحة قدموا تقديرات أعلى بكثير أو أكدوا عدم تأكدهم من تلك الأرقام نظرًا لأنه قد تم إفراغ العديد من أجنحة السجون بالكامل، ولم يتركوا ا أحدا على قيد الحياة ليحكي ماحدث فعلًا في تلك المواقع.
أحد هؤلاء الناجين، هو محمود رويايي، الذي قال في بيان مصور الشهر الماضي، ” في حين أن العديد من الباحثين الإيرانيين … في ذلك الوقت قالوا إن عدد القتلى تجاوز 30.000. أشار نائب وزير الاستخبارات وقت المجزرة، رضا ملك، إلى أن العدد الفعلي كان 33700 فرد”. تم نشر الفيديو على الموقع الرسمي للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الشهر الماضي، إلى جانب أكثر من عشرة مقاطع فيديو أخرى لسجناء سياسيين سابقين شهدوا أيضًا أحداث عام 1988 بشكل مباشر.
في الأسبوع التالي، استضاف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مؤتمرا افتراضيًا حول المذبحة شارك فيه أكثر من 1000 سجين سياسي سابق إلى جانب عدد من صانعي السياسة الأوروبيين والخبراء في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي. كرر المتحدثون في ذلك الحدث، مناشداتهم للعمل الدولي قبيل عرض غوتيريش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأمر الذي أدى إلى رفع شأن الصورة الدولية للقضية.
قالت السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في كلمة ألقتها في ذلك المؤتمر، “أدعو الولايات المتحدة وأوروبا مرة أخرى إلى الاعتراف بمذبحة عام 1988 في إيران على أنها إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية”.
كما وصف كل من، إريك ديفيد، من جامعة بروكسل، وجيفري روبرتسون، محامي حقوق الإنسان البريطاني، مذبحة عام 1988 بأنها إبادة جماعية. وشددّ الرجلان على أن المذبحة تفي بالمعايير الرسمية لتصنيفها على أنها إبادة جماعية، حيث إنها كانت مدفوعة بالرغبة في قتل أي شخص أدى إيمانه بإسلام معتدل وغير سياسي إلى معارضة نظام الملالي.
اقتبس روبرتسون مباشرة من الفتوى الأساسية للمذبحة من أجل إقامة هذه القضية، مشيرًا على سبيل المثال إلى أن مؤسس النظام والمرشد الأعلى الأول، هخميني، اتهم أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وجميعهم تقريبًا من المسلمين، بأنهم مذنبون بـ “العداء لله”، ثم أمرت لجان الموت” بقتلهم بغضب وحقد ثوري، نظرًا لكونهم أعداء الإسلام.”
قال إريك ديفيد: “لذلك، لأسباب دينية، تم ذبح هؤلاء الأشخاص بسبب انتمائهم إلى أحد الأديان. فقد كانوا يرون أنهم مرتدين. لذلك فإن هذا يتناسب تمامًا مع تعريف المادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948.”
كما استشهد روبرتسون بهذه الاتفاقية في خطابه، كجزء من جهد لتحفيز المجتمع الدولي على العمل. ووصفها بأنها تلزم جميع الدول التي صادقت على الوثيقة بالتحرك من أجل وقف أعمال الإبادة الجماعية المستمرة أو محاسبة الجناة على اقترفته أيديهم. وتلفت هذه الملاحظات الانتباه مرة أخرى إلى حقيقة أن المجتمع الدولي كان في السابق مهملاً في واجبه المتمثل في دعم مبادئ حقوق الإنسان، بعد أن علم بعمليات القتل في عام 1988، ولكنه لم يفعل شيئًا بشأنها.
وقد تم انتقاد هذا التقاعس بشأن المذبحة في العام الماضي في رسالة موقعة من قبل سبعة من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وتم إرسالها إلى نظام الملالي في إجراء رسمي. وسلطت الضوء بشكل خاص على نفس قضايا المضايقات وتدنيس القبور التي ورد ذكرها في التقرير الأخير المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشددت على أن نظام الملالي ينظر في تبني سياسة جديدة للشفافية والتعاون مع التحقيقات الدولية في المذبحة.
بطبيعة الحال، فإن مطالبة النظام بالتصرف حيال مذبحة عام 1988 هو بمثابة مطالبة أحد مشعلي الحريق بإخماده. وبالتالي، كان الخبراء متشككين بشكل واضح في استعداد نظام الملالي لسماع تلك الانتقادات، وأشاروا إلى أن الوثيقة سيتم نشرها كدعوة إلى التحرك للمجتمع الدولي، إذا لم يقدم نظام الملالي أي رد، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
شكلت الرسالة تحقيقاً رسمياً محتملاً في مذبحة عام 1988 كوسيلة للتعويض عن “فشل سابق في فعل شيء ما” والذي “كان له تأثير مدمر على الناجين والأسر وكذلك على الوضع العام لحقوق الإنسان في إيران وشجع نظام الملالي على مواصلة … استراتيجية الانحراف والإنكار”.
ونتيجة لهذه الاستراتيجية، لم يتردد النظام في ترقية الجناة المعروفين بارتكاب مذبحة عام 1988 إلى مناصب أعلى داخل النظام، وإن دل هذا على شىء، إنما يدل على ثقة النظام في أن القوى الأجنبية والأمم المتحدة لن تتخذ أي إجراء. وجد هذا الافتراض بالإفلات من العقاب أكبر منفذ له حتى الآن في يونيو/ حزيران عندما تم تأكيد أن إبراهيم رئيسي، أحد المسؤولين الأربعة في لجنة الموت الرئيسية في عام 1988، هو الرئيس المقبل للنظام.
إن ترقية رئيسي إلى الرئاسة بعد تعيينه سابقًا كرئيس للسلطة القضائية يوضح أن منتهكي حقوق الإنسان لن يواجهوا أبدًا المساءلة في إيران ما لم تكن على يد محكمة دولية، أو دولة ديمقراطية تحت ذريعة الولاية القضائية العالمية، أو حكومة ديمقراطية جديدة تأتي كبديل بعد الإطاحة بنظام الملالي.