الخطأ الاستراتيجي لنظام الملالي في التطورات الأخيرة في أفغانستان- من الواضح أن خبر انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان يحمل في طياته بعض الأخبار الجيدة لإيران. فقد رحبّ خامنئي (المرشد الأعلى للملالي) بالفكرة، نظرًا لأن نظامه لم يعد يشعر بأي تهديد من القوات الأمريكية على حدوده الشرقية.
علاوة على ذلك، كان خامنئي يعتمد على التحالف بين حكومة أشرف غني وطالبان. يمكن لهذا التحالف الضعيف والهش نسبيًا أن يخلق فرصة ويمهد الطريق لزيادة نفوذ إيران داخل أفغانستان.
مع وضع هذا في الاعتبار، أمر خامنئي وزير الخارجية آنذاك، جواد ظريف، بدعوة الملا عبد الغني برادر إلى إيران بينما كانت طالبان لا تزال تعتبر جماعة إرهابية. كان واضحًا أن دعوة الملا برادر لم تكن لمقابلة وزير الخارجية ولا حتى الرئيس حسن روحاني.
الخطأ الاستراتيجي لنظام الملالي: أوضح خامنئي في خطابه الأخير يوم 2 مايو/ أيار من هذا العام أن “على الجميع أن يعرف أن السياسة الخارجية في أي مكان في العالم لا تختص بها فقط وزارة الخارجية. هناك مسؤولون رفيعو المستوى خارج وزارة الخارجية يعبرون عن سياسات إيران الخارجية. (وهو بالطبع يعني نفسه) وتابع: ” وزارة الخارجية ليست هي من يصنع القرار”. وزارة الخارجية ماهي إلا جهة تنفيذية”.
وكان خامنئي قد سعى للتوصل إلى اتفاق مع طالبان بشأن حكومة مستقبلية قبل مغادرة القوات الأمريكية لأفغانستان. لكن مع الرحيل المتسرع للولايات المتحدة، ومغادرة أشرف غني لأفغانستان، والانتصار الخاطف لطالبان في جميع أنحاء أفغانستان، تم تدمير جميع خطط خامنئي. خاصة بعد إعلان طالبان عن أعضاء حكومتها التي يتألف كل الوزراء فيها من البشتون التابعين لجماعة طالبان وجماعة حقاني التي تخوض صراعًا خطيرًا مع نظام الملالي في إيران، ولم تشمل الحكومة الجديدة أيًا من الشخصيات الموالية لنظام الملالي أو الأقلية الشيعية في أفغانستان والمعروفة باسم الهزارة.
وقد تسبب ذلك في حدوث انشقاق وانتقاد بين مسؤولي نظام الملالي بشأن السياسة الخارجية لإيران تجاه أفغانستان. لأنه كان من الواضح أنه على الرغم من أن القوات الأمريكية على الحدود الشرقية لإيران لم تكن على هوى نظام الملالي، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن تنوي أبدًا استخدام هذه القوات لمهاجمة إيران.
في الواقع، بعد تجربتي أفغانستان والعراق، لم تعد السياسة الأمريكية تقوم على أساس التدخل العسكري في الدول الأخرى. لم تكن الولايات المتحدة راغبة في القيام بمثل هذه المخاطرة ولم تكن تنوي القيام بذلك.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إيران تختلف اختلافًا جوهريًا عن العراق أو أفغانستان من حيث موقعها الاستراتيجي، والحدود مع روسيا، وقدراتها العسكرية وحجمها وعدد سكانها، لكي تحتلها القوات الأمريكية.
قال محسن أمين زاده، نائب وزير خارجية نظام الملالي أثناء فترة رئاسة محمد خاتمي، في مقابلة مع صحيفة اعتماد يوم 1 سبتمبر/ أيلول: “في الأحداث الأخيرة، كانت حركتا طالبان في أفغانستان وباكستان في المنطقة هما الرابحان الرئيسيان في الانسحاب المتهور للقوات الأمريكية من أفغانستان. بينما الرابحون القادمون هم حلفاء باكستان، والدول الخلیجیة”. وأضاف زادة “في رأيي الخاسرون الرئيسيون في هذا الحدث المرير داخل أفغانستان هم شعب أفغانستان، وجمهورية الملالي في المنطقة بشكل عام”.
وأثناء تسميته للجناة الأجانب، قال إنه يلوم حكومة الملالي، وخاصة قوات الجيش، على ذلك. لم يؤدوا واجبهم في إدارة الأمن القومي الاستراتيجي لإيران، لأنهم لم يديروا الوضع كما ينبغي بعد انسحاب الولايات المتحدة.
في هذه الأيام، ومع تزايد وضوح مواقف وسياسات طالبان، نشهد مظاهرات في مدن مختلفة من إيران تندد بتورط طالبان وباكستان في أفغانستان. ورددوا هتافات “الموت لباكستان وطالبان” في هذه الاحتجاجات. من الواضح، على الأرجح، أن سلطات الملالي هي من نظمت تلك المظاهرات لأنه في إيران يتم قمع أي مظاهرات غير مرخصة بشكل سريع، لكن هذه المظاهرات لم تكن مرخصة ولم تتوقف.
الخطأ الاستراتيجي: قال وزير خارجية نظام الملالي الجديد، أمير عبد اللهيان، في اجتماع افتراضي لوزراء خارجية الدول الست المجاورة لأفغانستان يوم 8 سبتمبر/ أيلول: “إن جمهورية الملالي تتابع بجدية التطورات في أفغانستان وتتابع قضية تشكيل حكومة شاملة بمشاركة جميع المجموعات العرقية. ونأمل أن تفي طالبان بوعودها”، مضيفًا أن” إيران قلقة للغاية من تنامي انعدام الأمن والإرهاب في أفغانستان “.
في محادثة هاتفية في 7 سبتمبر/ أيلول مع تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، مع إبراهيم رئيسي، أشار الرئيس الجديد للنظام الذي كان من المفترض أن يركز على محادثات فيينا النووية أيضًا إلى أفغانستان وأعرب عن قلقه بشأن الوضع الحالي هناك. وقال إن “احترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل من الشواغل الخطيرة لجمهورية الملالي في أفغانستان، وسنبذل قصارى جهدنا لحماية الحقوق الشعب الأفغاني”.
في الوقت نفسه، يعلم الجميع أن حقوق المرأة والأقليات الدينية والعرقية في جمهورية الملالي يتم تجاهلها بسهولة وأن معظم هذه الانتهاكات ضدهم تحدث بشكل منهجي بأمر من المرشد الأعلى.
والسؤال الآن كيف أصبحت إيران قلقة بشأن حقوق النساء والأطفال الأفغان؟
بالطبع، على الرغم من أن من يسمون أنفسهم بالمحافظين في جمهورية الملالي ما زالوا يدعمون حكومة طالبان وفكرة إنشاء الدولة الإسلامية، وذلك للتقارب بين رؤيتهم ورؤية طالبان للإسلام، فإن ردود الفعل هذه تظهر بوضوح خلافًا عميقًا بين السياسيين في نظام الملالي حول الوضع في أفغانستان.
إن وجود مثل هذه الحكومة على الحدود الشرقية لإيران، والتي يبلغ طولها 935 كيلومترًا، هو أمر مقلق، ويعتقدون أن نظام الملالي هو الخاسر الرئيسي في التطورات الأخيرة في أفغانستان.
خاصة في الوقت الذي تكون فيه إيران نفسها في أسوأ وضع اقتصادي ويعيش ما يقرب من 80٪ من الإيرانيين تحت خط الفقر، فقد لجأ ما يقرب من 4 ملايين أفغاني إلى إيران، ومن المتوقع حدوث زيادة في المستقبل القريب.