إیران: السياسات الخارجية تجاه دول الجوار- تنعكس هذه الأيام أنباء عن تصاعد التوترات بين نظام الملالي وجمهورية أذربيجان وتركيا في وسائل الإعلام الإيرانية والعديد من وسائل الإعلام العالمية. خاصة بعد المناورة العسكرية الأخيرة لجيش النظام على المنطقة الحدودية بين إيران وأرمينيا. انتقد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وعدد من أعضاء البرلمان الأذربيجاني تحشيد القوات العسكرية لنظام الملالي.
ومن ناحية أخرى، قدّم العديد من قيادات جيش الملالي ومسؤولي قوات حرس نظام الملالي ردودًا قاسية واستفزازية على انتقادات إلهام علييف وهددوا ضمنًا بأعمال عسكرية ضد أذربيجان. علاوة على ذلك، في خطابه يوم السبت 2 أكتوبر/ تشرين الأول، وجه خامنئي تحذيرًا غير مباشر لإلهام علييف بقوله “أولئك الذين يعتمدون على دول أخرى سيتم صفعهم قريبًا”.
بالطبع، لا أحد يتوقع صراعًا واسع النطاق أو حتى محدودًا بين نظام الملالي وأذربيجان، نظرًا لأن كلا الطرفين غير قادرين على تحمل مثل هذا الصراع. ومع وضع النفوذ الروسي في دول المنطقة في الاعتبار، فيجب على الأرجح أن يحصل أي نوع من الصراع العسكري على الضوء الأخضر من روسيا. وبما أن لروسيا علاقات وثيقة مع كلا البلدين، فإن الصراع العسكري بين نظام الملالي وأذربيجان أمر بعيد الاحتمال.
لكن التوتر الأخير بين نظام الملالي وأذربيجان هو شهادة أخرى على السياسات الخارجية العدوانية والتوسعية لنظام الملالي. إن تدخل النظام في شؤون الدول المجاورة له حقيقة مرة لا يمكن إنكارها. فخلال العقود الأربعة الماضية من حكم الملالي، يمكننا أن نجد العديد من الأمثلة تثبت تلك النقطة. لقد وصلت هذه القضية إلى حد أعربت فيه معظم دول المنطقة مرارًا عن مخاوفها.
إیران: السياسات الخارجية
هذا جزء من عقيدة السياسة الخارجية لنظام الملالي ليس فقط لنشر هيمنته في جميع أنحاء المنطقة ولكن أيضًا لتحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية لإيران. لأنهم لا يملكون القوة ولا النية لحل تلك المشاكل.
إن دعم النظام للإرهاب والاضطراب في البلدان الأخرى، والذي كان بالمناسبة مكلفًا للغاية بالنسبة للشعب الإيراني، حيث أجبر النظام على تخصيص الكثير من أموال وموارد إيران لدعم وكلائه في الدول المجاورة وخارجها.
من خلال القيام بذلك، كاد الاقتصاد المحلي أن يتدمر بالكامل، وعلى الرغم من كون إيران واحدة من أغنى الدول حول العالم، (من حيث الموارد الطبيعية، وذلك من خلال امتلاكها ثالث أكبر احتياطيات نفطية في العالم وثاني أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي) ، فإن أكثر من 80٪ من سكانها يعيشون تحت خط الفقر. يشهد الاقتصاد الإيراني معدل تضخم يزيد عن 50بالمائة وهو سابع أعلى معدل في العالم.
إذا ألقينا نظرة سريعة على السياسات الخارجية لنظام الملالي وعلاقاته مع الدول الأخرى، سنرى أنه بعد أقل من عامين على ثورة الملالي، بسبب استفزازات خميني وتدخله في العراق للإطاحة بالحكومة، فقد مهدّ الطريق أمام حرب استمرت ثماني سنوات بين البلدين، تسببت في أضرار وخسائر جسيمة لشعب إيران، وبالطبع لشعب العراق، حيث تكبّد كل منهما ما يقرب من مليون جريح حرب.
تقدّر الخسائر من حرب الثماني سنوات، والتي رفض خميني وقفها، بأكثر من 1000 مليار دولار على الجانب الإيراني وحده، ذلك بالإضافة إلى الخسائر البشرية. على الرغم من هذه الخسائر المالية والبشرية الباهظة، أصرّ خميني على مواصلة الحرب، على أمل إسقاط الحكومة العراقية. في النهاية، وافق رغمًا عنه على وقف إطلاق النار لأنه شعر أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى انهيار نظامه. اقترحت الدول العربية الأخرى مرارًا وقف مبكر لإطلاق النار بالإضافة إلى تعويضات للنظام.
لم يكن خميني بأي حال من الأحوال مستعدًا لقبول وقف إطلاق نار مبكر، لكن مرور الوقت أجبره على قبول وقف إطلاق النار بعد ثماني سنوات طويلة ودامية. بسبب جهله وإصراره على استمرار الحرب، لم تتحقق فكرة الحصول على تعويض. وفي مثال آخر، قامت بعض الميليشيات (من يسمون طلاب الجامعات) بدعم من خميني، خلافًا لكل الأعراف الدولية، بالاستيلاء على السفارة الأمريكية في العاصمة طهران عام 1979 واحتجزت طاقم السفارة كرهائن لمدة 444 يومًا. نتج عن هذا العمل عزل إيران عن العالم وخسائر مادية بمليارات الدولارات.
وفي مثال آخر، أدّى الهجوم على السفارة البريطانية في العاصمة طهران عام 2011 إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران وبريطانيا لفترة من الوقت وخسائر تقدر ببضعة ملايين من الدولارات.
حدث الشيء نفسه مع السعودية، عندما قام مجموعة من بلطجية النظام بمهاجمة سفارة العربية السعودية في العاصمة طهران وقنصليتها في مشهد في عام 2015. ونتيجة لذلك، أغلقت المملكة العربية السعودية سفارتها في طهران وقطعت جميع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام.
وقد تكررّت هذه القصة فيما يتعلق بدول أخرى مثل الكويت والبحرين… الأمر الذي أدى كذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول.
تجدر الإشارة إلى أن خامنئي ومسؤولي النظام لم يتعلموا من أي من هذه الحوادث التي أدّت إلى أضرار لا يمكن إصلاحها لإيران وشعبها. بل واستمروا في تكرارها بأنشطة إرهابية أخرى. ونتيجة لذلك، أصبحت إيران واحدة من أكثر الدول عزلة في العالم.
في الوقت الحالي، لا تتمتع إيران بعلاقات جيدة مع أي من الدول المجاورة لها تقريبًا. لو اختارت إيران معاملة الدول المجاورة لها على أساس المنفعة المتبادلة، لكان بإمكانها الاستفادة بشكل كبير في جميع المجالات.
مثال على ذلك: جمهورية أذربيجان بسبب روابطها التاريخية والعرقية والدينية العديدة مع إيران وحقيقة أن السكان الناطقين باللغة الآذرية في إيران يزيدون عن ضعف عدد سكان جمهورية أذربيجان وأن جمهورية أذربيجان لديها أكبر عدد من الشيعة بعد إيران، حيث أن أكثر من 85٪ من سكانها من الشيعة. وفي الواقع، حتى نهاية القرن التاسع عشر، كانت أذربيجان جزءًا من إيران، وكان الكثير من الناس هناك يعتبرون أنفسهم في الأصل جزءًا من إيران.
مع هذا التقارب الثقافي، كان من الممكن أن تستفيد إيران كثيرًا من جارتها الشمالية، أذربيجان، ولكن لسوء الحظ، وبسبب السياسات الخارجية غير الحكيمة لنظام الملالي، حاولوا الدعوة إلى تأثير ديني أكبر في أذربيجان وفقدوا فرصة كبيرة. استفادت تركيا من النهج الخاطئ لنظام الملالي، على الرغم من عدم وجود مثل هذه العلاقات التاريخية والثقافية مع أذربيجان، إلا أنها تمكنت من الاستفادة من ذلك.
يبقى أن نرى كيف سينتهي هذا التوتر بين إيران وأذربيجان على حساب الشعب الإيراني. وهذا سبب آخر وراء رغبة الغالبية العظمى من الإيرانيين في تغيير النظام وإقامة حكومة علمانية في إيران.
لقد أوضحوا ذلك بمقاطعة الانتخابات الرئاسية الزائفة في يونيو/ حزيران الماضي. لكن بما أنه لا توجد ديكتاتورية مستعدة للتخلي عن السلطة، فإن هذا النظام سيتغير حتماً بانتفاضة إيرانية أخرى.
بقلم: سيروس اليعقوبي
سيروس يعقوبي محلل أبحاث ومعلق إيراني للشؤون الخارجية يبحث في القضايا الاجتماعية والاقتصاد في دول الشرق الأوسط بشكل عام وإيران بشكل خاص.