تحويل الأماكن المقدسة العراقية إلى مراكز تجسس من قبل النظام الإيراني- وكان موقع المشرق قد نشر مقالاً بهذا الصدد ، كشف تفاصيل مفصلة للغاية عن إساءة النظام الإيراني لهذه الأماكن.
العتبات الشيعية بالعراق أصبحت مراكزتجسس
حاصرت إيران السوق الخاص بالعتبات الشيعية في العراق وتحقق أرباحا طائلة من الأعمال التجارية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وتستخدمها كبوابة تنخرط من خلالها في أنشطة استخباراتية.
تعد السياحة الدينية وزيارات الحجاج إلى المزارات الشيعية ركيزة أساسية للاقتصاد العراقي، حيث يتوجه أكثر من 20 مليون شخص كل سنة إلى كربلاء للمشاركة في زيارة الأربعينية التي تبدأ مساء الاثنين، 27 أيلول/سبتمبر.
وتقام الأربعينية بعد 40 يوما من عاشوراء، إحياء لذكرى مقتل الإمام الحسين، حفيد النبي محمد (ص) والإمام الثالث للشيعة.
وتشكل زيارة الحج هذه إحدى أكبر التجمعات الدينية في العالم وتستقطب أعدادا أكبر من الحجاج، وقد أنتجت صناعة داعمة ضخمة، من الضيافة إلى الهدايا التذكارية الدينية وغيرها.
كذلك، ينتج عن أعمال إعادة التأهيل والإصلاح والتوسيع في مدينتي كربلاء والنجف المقدستين تدفقا ثابتا من عقود البناء المربحة.
وهنا تدخلت إيران التي استغلت الإعفاءات الضريبية الدينية للمطالبة بحصة كبيرة من السوق لربحها الخاص وكطريقة لتوسيع رقعة نفوذها في العراق.
وجاء في تحقيق خاص لوكالة رويترز في كانون الأول/ديسمبر، أن “تدخل إيران الوثيق في السياحة الدينية يؤمن لطهران قوة ناعمة ويرسخ وجودها في المراكز الدينية العراقية التي تشكل نواة النفوذ الإقليمي الشيعي”.
ولفت إلى أن “السياحة الدينية قيمتها مليارات الدولارات كل سنة في العراق، وهي ثاني أكبر مصدر دخل للبلاد بعد قطاع النفط”.
وذكر أن المشاريع الدينية تعطى امتيازات خاصة من قبل الحكومة العراقية، “بما في ذلك إعفاءات ضريبية على واردات الإسمنت والفولاذ وغيرها من المواد الإيرانية الأخرى” التي يتم استيرادها ظاهريا لتطوير العتبات.
وقد عزز ذلك الفساد على نطاق واسع، علما أنه يتم استيراد المواد بكميات كبيرة من إيران وإعادة بيعها في السوق. وفتح ذلك المجال أمام الشركات الإيرانية والمقاولين الإيرانيين، علما أن لبعضهم علاقات مشكوك بأمرها.
أنشطة استخبارية إيرانية ومراكز تجسس
وفي آذار/مارس 2020، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شبكة واسعة من المسؤولين والشركات الواجهة التابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في العراق وإيران، بما في ذلك منظمة مرتبطة بالعتبات الشيعية في العراق.
وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، كان القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني وراء تعيين قادة لجنة إعادة إعمار العتبات المقدسة في العراق الخاضعة لسيطرة فيلق القدس.
وذكرت وزارة الخزانة أنه “على الرغم من كونها ظاهريا مؤسسة دينية، فقد قامت لجنة إعادة إعمار العتبات المقدسة في العراق بتحويل ملايين الدولارات إلى شركة بهجت الكوثر للبناء والتجارة المحدودة في العراق والمعروفة أيضا باسم شركة كوسار”.
وشركة كوسار هي كيان مقره في العراق يسيطر عليه فيلق القدس ويشكل قاعدة لأنشطة المخابرات الإيرانية في العراق، بما في ذلك شحن الأسلحة والذخيرة إلى الميليشيات المدعومة من إيران.
وتلقت هذه الشركة تحويلات بملايين الدولارات من البنك المركزي الإيراني الذي يخضع بدوره لعقوبات لدوره في تأمين الدعم المالي لفيلق القدس وحزب الله اللبناني.
وقالت وزارة الخزانة إنه “بالإضافة إلى ذلك، استخدم مسؤولو فيلق القدس أموال لجنة إعادة إعمار العتبات المقدسة في العراق لدعم ميزانيات فيلق القدس، وربما قد اختلسوا التبرعات المخصصة لإنشاء العتبات المقدسة في العراق وصيانتها”.
وفرضت عقوبات أيضا على شخصيات بارزة في اللجنة، بما في ذلك محمد جلال مآب الذي عينه سليماني وخلفه حسن بلارك.
وكان سليماني قد اختار بلارك كمساعد خاص له في لجنة يديرها فيلق القدس ومهمتها الالتفاف على العقوبات. وعمل بلارك أيضا مع مسؤولين في فيلق القدس لنقل الصواريخ والمتفجرات والأسلحة الخفيفة إلى اليمن.
تعريض انتعاش العراق للخطر
وقد حذر مسؤولون أميركيون وعراقيون من أن نشاط لجنة إعادة إعمار العتبات المقدسة في العراق قد تعرض انتعاش العراق للخطر، في ظل سعيه لاستعادة مركزه عقب فترة حكم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وجائحة كورونا.
وقالوا إن الكيانات التابعة للحرس الثوري تستغل العتبات الشيعية في العراق لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، فتحصل على العائدات وعقود البناء وفرص العمل على حساب العراق وتمهد الطريق على الأرجح لعقوبات إضافية.
وتابعوا أنه في المقابل، تضخ الولايات المتحدة المال في العراق.
ففي منتصف العام 2015 وبطلب من الحكومة العراقية وبدعم من التحالف الدولي، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق بإنشاء مرفق التمويل من أجل الاستقرار على أن يبقى قائما حتى عام 2023.
ولمرفق التمويل من أجل الاستقرار ميزانية بقيمة 1.4 مليار دولار ويعمل في مناطق تضررت جراء حرب داعش من أجل تسهيل عودة النازحين العراقيين وتمهيد الطريق لإعادة الإعمار وتأمين الحماية ضد إعادة ظهور أعمال العنف والتطرف.
ويطال عمل المرفق 9 قطاعات أساسية هي الكهرباء والصحة والمياه والتربية والصرف الصحي وسبل العيش والبلديات والطرقات والجسور والتلاحم المجتمعي، ويعمل على إعادة تأهيل البنية التحتية العامة وتوفير الخدمات الأساسية للمجتمعات.
وتدعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هذه الجهود، حيث تعد أكبر جهة مانحة للبرنامج الذي يضم 28 جهة مانحة.
وقد قام حتى اليوم بإعادة تأهيل 130 مدرسة و57 عيادة للرعاية الصحية الأساسية و62 محطة لمعالجة المياه و17 محطة فرعية إلى جانب مشاريع أخرى.
كذلك، دعم استجابة العراق لجائحة كوفيد-19، فمول مراكز عزل صحي وأجهزة تخدم نحو 10 ملايين عراقي في مناطق عدة، منها النجف وكربلاء.
الميليشيات تنهب العراقيين
وفي سعيها لتوسيع نطاق هيمنها في مدينتي النجف وكربلاء الشيعيتين المقدستين، اعتمدت إيران أيضا على الميليشيات العراقية المدعومة من الحرس الثوري كحركة النجباء وسرايا الخراساني وعصائب أهل الحق وسرايا عاشوراء وكتائب حزب الله.
ولهذه الميليشيات انتشار كبير في مدن العتبات وقد واجهت انتقادا لاذعا على أفعالها التي تشمل الابتزاز وتخزين الأسلحة والذخيرة في المناطق السكنية.
وقال رئيس مجلس عشائر العراق الشيخ ثائر البياتي للمشارق إنها أصبحت “لا تطاق من قبل كل شرائح الشعب العراقي ومصدر بلاء، ذلك أن أفعالها لا تخدم إلا مصالح نظام طهران”.
وتابع أنها تنهب ثروة الشعب العراقي لتقوية زعماء إيران، لافتا إلى أن هؤلاء الزعماء يواجهون عزلة عالمية وغضبا محليا متزايدا على خلفية الأزمة الاقتصادية في الجمهورية الإسلامية.
وذكر أن “الميليشيات تعلن علنا وقوفها إلى جانب النظام الإيراني في كل الظروف، وليست مهتمة لمصير أو وضع العراقيين، أو للأضرار التي تلحق باقتصادهم”.
وقال البياتي إن الميليشيات تهدف إلى تعطيل كل مفاصل الدولة.
وأشار إلى أن “العراقيين غاضبون من كل التجاوزات والجرائم التي ترتكبها الميليشيات وتهديداتها المتواصلة لحياتهم ومستقبلهم وهم يرفضون وجودها بينهم”.
وبدوره، قال رئيس حزب المواطنة غيث التميمي إن “خدمات الميليشيات لإيران تضر باقتصاد الشعب العراقي وتهدد فعلا أمنه وسيادة بلده”.
وأضاف أن “هذه الجماعات تريد نشر الفوضى في كل مناطق العراق”.
وتابع أن وضع ترسانتها في الأماكن المأهولة بما في ذلك كربلاء، هو أمر “شديد الخطورة وقد يكون له تبعات أمنية خطيرة”.
وأكد أن ذلك “يضر بالاقتصاد المحلي” الذي يعتمد على عائدات السياحة الدينية.
وقال إن الميليشيات تشكل أيضا تهديدا لاقتصاد المدن العراقية المحررة من داعش، والتي تسعى إلى الانتعاش وإعادة بناء بنيتها التحتية بمساعدة المجتمع الدولي.
وذكر التميمي أنه على إيران مراجعة كل سياساتها وفتح صفحة جديدة مع العالم للخروج من عزلتها والأزمات التي يعاني منها شعبها.
وأكد على ضرورة أن “تتحول إلى بلد سلمي وتدخل في شراكات ومصالح مع العراق على أساس حسن الجوار والاحترام المتبادل، من دون الاعتماد على دعم الميليشيات لإلحاق الضرر بسيادة العراق ومصالحه ووحدة شعبه والقضاء على اقتصاده”.