“كان العديد منهم من طلاب المدارس، لم تتجاوز أعمارهم 16-17 عامًا”– شهود عيان يتحدثون عن عمليات إعدام وحشية في سجون نظام الملالي- إيران، 15 أكتوبر/ تشرين الأول- كان يوم الخميس الماضي، الجلسة الثامنة والعشرين لمحاكمة حميد نوري، أحد مسؤولي السجون الإيرانية، المتهم بتعذيب نزلاء سجن کوهردشت (كرج) والمشاركة في مذبحة عام 1988 التي راح ضحيتها آلاف السجناء السياسيين. قامت السلطات السويدية باعتقال نوري خلال رحلة إلى البلاد. يُحاكم نوري الآن في محكمة في ستوكهولم، حيث يقدم العديد من ضحاياه شهادات مروّعة عن كيفية تعذيبه هو وغيره من مسؤولي النظام بوحشية للسجناء.
خلال جلسة يوم الثلاثاء، أدلت السيدة مهناز ميمنت، مرادفة الأمينة العامة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، بشهادتها عبر مؤتمر الفيديو من ألبانيا. قًتل خمسة من أفراد عائلة السيدة ميمنت على يد نظام الملالي، كما اختفى شقيق آخر بعد اعتقاله ولا توجد أخبار عنه حتى الآن. كما تعتبر السيدة ميمنت أحد المدعين في قضية نوري.
وقالت السيدة ميمنت في شهادتها ” كان شقيقي محمود طالبًا في الهندسة المعمارية بالجامعة الوطنية. بدأ محمود دعمه لمنظمة مجاهدي خلق في عام 1979. وتم اعتقاله عام 1982 وحكم عليه بالسجن أربع سنوات. خلال تلك الفترة، تعرض للتعذيب الوحشي في سجون إيفين، وقزل حصار، وكوهردشت. وبعد إطلاق سراحه، حاول الانضمام إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، ولكن تم اعتقاله في أبريل/ نيسان 1987. وبعد البحث عنه بدقة، وجده والدي في سجن إيفين. تم نقل محمود إلى كوهردشت في شهر فبراير/ شباط 1988، حيث حُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات أخرى لكونه من أنصار منظمة مجاهدي خلق “.
كان عبد الله ميمنت ، والد السيدة مهناز، قاضيًا قبل ثورة الشعب ضد الشاه عام 1979، لكنه توقف عن العمل بعد الثورة بسبب معرفته بطبيعة الملالي. وفي يونيو/ حزيران 1988، اتصل السيد ميمنت بابنته وأخبرها عن الوضع في السجون الإيرانية، مستشهدا بتقارير مقلقة حول احتمال إعدام سجناء سياسيين.
وقالت السيدة ميمنت ” لقد قال لي والدي أسماء عدة مسؤولين … من بينهم “مرتضى إشراقي”، النائب العام في ذلك الوقت. كما أشار إلى [حسين علي نيري] و [محمد مقيسئي] و[حميد عباسي نوري] وأكد أنهم جميعًا أمّيون لكنهم يعملون كقضاة ويرتكبون العديد من الجرائم.
كان إشراقي ونيري أعضاء في “لجنة الموت”، وهي مجموعة من مسؤولي النظام الذين أرسلوا آلاف السجناء السياسيين إلى حبل المشنقة في صيف عام 1988. كما خدم في تلك اللجنة إبراهيم رئيسي، رئيس النظام الحالي، ومصطفى بور محمدي، وزير العدل السابق. ومحمد مقيسئي قاض معروف بمعاملته القاسية للسجناء السياسيين، والذي تمت إدانته بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان.
خلال صيف عام 1988، نفذ النظام إعدامًا سريعًا ووحشيًا لأكثر من 30 ألف سجين سياسي في جميع أنحاء إيران، معظمهم من أعضاء منظمة مجاهدي خلق وأنصارها. أمر التطهير مباشرة من قبل القادة الأعلى للنظام خميني في مرسوم ينص صراحة على أن أي شخص يدعم منظمة مجاهدي خلق هو عدو لله ويستحق أن يٌعدم.
في أكتوبر / تشرين الأول 1988، علمت السيدة ميمنت من والدها أن شقيقها قد تم إعدامه في يوليو / تموز. “بعد ثلاثة أشهر من الجهود الشاقة لمعرفة مكان وجود محمود، طلبت السلطات من والدي الذهاب إلى سجن كوهردشت، حيث قاموا بتسليمه متعلقات محمود الشخصية. قالت السيدة ميمنت: “إنهم لم يسلموا الجثمان، ولم يذكروا مكان دفنه”.
ووفقًا لأصدقاء محمود ورفاقه في الزنزانة، في 30 يوليو / تموز، جاءت سلطات السجن، بمن فيهم مقيسئي وحميد عباسي نوري، إلى العنبر وقرأوا قائمة طويلة من أسماء السجناء، من بينهم محمود. تم نقلهم جميعًا إلى “ممر الموت” [الممر الذي ينتظر فيه السجناء أن تحكم عليهم لجنة الموت] وتم تقديمهم إلى لجنة الموت. قال محمود لزملائه في الزنزانة أن كل ماطلبته لجنة الموت هو اسمه وجريمته وقدم نفسه على أنه من مؤيدي منظمة مجاهدي خلق. صرخ نيري في وجهه وقال “كان يجب أن أرسلك لمقابلة أخيك عاجلاً” ، في إشارة إلى أخي الآخر الذي تم إعدامه قبل بضع سنوات.”
كما صرّحت السيدة ميمنت ” في عام 2009، تم القبض على الأخ الأصغر للسيدة ميمنت بعد زيارتها في باريس والعودة إلى إيران. لقد تم القبض عليه فقط لأنه زارني ولا توجد أخبار عنه حتى الآن. أنا الناجية الوحيدة من عائلتي، وهذه ليست قصتي وحدي بل قصة آلاف العائلات والأسر الإيرانية”. “الجريمة الوحيدة لعائلتنا كانت دعم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية”.
وشاركت أيضا في المحكمة السيدة مهري حاج نجاد، وهي سجينة سياسية سابقة وأدلت بشهادتها من ألبانيا. أمضت السيدة حاج نجاد خمس سنوات في السجون الإيرانية، حيث تعرضت لتعذيب شديد. وقتل النظام أربعة من أفراد عائلتها، بينهم ثلاثة من أشقائها. أحد أشقائها، علي حاج نجاد، تم إعدامه خلال مذبحة عام 1988 في سجن كوهردشت.
قالت السيدة مهري نجاد: “في لقاء مع والدتي، أخبرتني أن أخي علي قال إنه بعد أسبوعين من اعتقاله، نُقل إلى مايسمى محكمة الثورة في كرج، التي كان يرأسها إبراهيم رئيسي، وحُكم عليه بالسجن ثماني سنوات”.
ومُنعت السيدة مهري نجاد، التي قضت وقتًا طويلًا في سجون النظام، من مقابلة شقيقها. في عام 1986، تمكنت من مقابلته باستخدام وثائق هوية أختها. وأثناء الزيارة، رأت علامات التعذيب الوحشي على جسد أخيها على.
وأضافت السيدة مهري قائلة “قابلت والدتي على للمرة الأخيرة في كوهردشت في مارس/ أيار أو أبريل/ نيسان 1988. قال إن الوضع في السجن مريب للغاية والسلطات تنقل السجناء وأنه قد لا يتمكن من مقابلتها بعد الآن.”
في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988، طلبت سلطات النظام من والدة السيدة مهري نجاد إرسال أحد أقاربه إلى سجن كوهردشت.
وتابعت السيدة مهري “ذهبت والدتي إلى سجن كوهردشت في اليوم التالي. وأخبرتها سلطات السجن أن علي حاج نجاد لم يعد موجودًا: “لقد كان عدواً للجمهورية الإسلامية وقمنا بإعدامه.” وألقى أمامها حقيبة وقالوا لها: هذه هي متعلقاته.
اذهبي الآن، أنتِ منافقة [مصطلح مهين يستخدمه مسؤولو النظام للإشارة إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية] أيضًا. “كان هناك حبل في الحقيبة، وهكذا اكتشفت والدتي أن على قد تم شنقه. لاحقًا، أخبر أحد الشهود والدتي أن على قد تم إعدامه خلال الأيام الأولى للمجزرة.”
في شهادتها، تحدثت السيدة مهري حاج نجاد أيضًا عن تجربتها الخاصة في السجون الإيرانية. “في عام 1986، عندما تم الإفراج عني، كان العديد من أصدقائي وصديقاتي الذين كانوا لا يزالون في السجن قد أنهوا مدة عقوبتهم ويجب إطلاق سراحهم. لكن النظام أبقاهم في سجن إيفين وأعدمهم خلال مذبحة عام 1988.”
كما أدلت السيدة مهري حاج نجاد بشهادتها حول عمليات الإعدام الوحشية في سجون النظام خلال أوائل الثمانينيات. حيث قالت: “في عامي 1981 و1982، عندما كنت في عنبر 201 [في سجن إيفين]، كان يتم إعدام 100-200 سجين كل ليلة”. “كل ليلة، كنا نقوم بحساب عدد الطلقات التي يتم إطلاقها. وسمعنا الشعارات التي رددها السجناء قبل أن يُقتلوا بالرصاص. كان العديد منهم من تلاميذ المدارس، لم يتجاوزوا 16-17 سنة.
في عام 1983، بلغ عددنا حوالي 600 سجينة [في سجن إيفين]. دخل [أسد الله لاجوردي ] العنبر وقال: لا تظنوا أنكم ستخرجون من السجن وأن الناس سيأتون ويحتضنوكم بباقات من الزهور. سنلقي بالقنابل اليدوية هنا ونقتلكم جميعًا ونكسر جدران السجن على رؤوسكم. وأضاف لاجوردي، “دم مسعود رجوي يجري في عروقكم. أنتم الأعداء اللدودين لهذا النظام. يجب ألا يتم إطلاق سراحكم أبدًا. “وهذا ما فعلوه – لقد أعدموا 90 بالمائة من هؤلاء النساء الشجعان خلال مذبحة عام 1988”.
وأثناء سير المحاكمة، استأنفت مجموعة كبيرة من الإيرانيين مظاهرة احتجاجية أمام المحكمة، مطالبين بمحاكمة كبار مسؤولي النظام، بمن فيهم رئيسي والمرشد الأعلى علي خامنئي. كان العديد من المتظاهرين من أفراد عائلات آلاف المعارضين الذين قتلوا أو أعدموا من قبل النظام.
وُصفت مذبحة عام 1988 بأنها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. يعترف الخبراء القانونيون أيضًا بأنها “إبادة جماعية” ويجب معالجتها من قبل المحاكم الدولية.