نظام الملالي لا يشعر بأي ضغوطات تدفعه للتغيير
في الآونة الأخيرة، ساهم التركيز على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستأنف المحادثات مع نظام الملالي بشأن إحياء الاتفاق النووي العالمي لعام 2015، في صرف الانتباه عن قضية لا تقل أهمية عن تلك القضية:
وهي الاشتباكات المتصاعدة بين واشنطن والقدس من جهة وبين واشنطن ونظام الملالي من جهة أخرى تصعيد المناوشات بين واشنطن والقدس من ناحية ونظام الملالي من ناحية أخرى، الأمر الذي من شأنه زيادة المخاطر التي ربما تؤدى إلى حدوث حرب في نهاية المطاف.
فقد أرسلت الولايات المتحدة قاذفة من طراز B-1B فوق ممرات مائية إقليمية رئيسية مثل مضيق هرمز – وهو ممر مائي حيوي لشحن النفط العالمي – والبحر الأحمر وقناة السويس في استعراض للقوة عند عدة نقاط على طول الطريق، و انضمّت إليه طائرات من إسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية والبحرين.
جاء ذلك بعد أن ورد أن نظام الملالي قد وجّه هجومًا بطائرة مسيّرة على موقع عسكري أمريكي في سوريا، مما تسبب في أضرار جسيمة (لكن لم تقع إصابات)، ووصفته صحيفة واشنطن بوست بأنه “أول هجوم كبير على القوات الأمريكية في سوريا من قبل نظام الملالي”. استخدمت الميليشيات المدعومة من النظام الطائرات المسيّرة بشكل متكرر لمهاجمة القوات الأمريكية في العراق.
في الوقت الحالي، تعتبر واشنطن الترسانة الموسّعة لنظام الملالي من الطائرات المسيّرة تهديدًا أكبر على المدى القصير للسلام والاستقرار الإقليميين من برنامجها النووي والصواريخ الباليستية.
في غضون عدة أيام من غارة الطائرات المسيّرة في سوريا، فرض المسؤولون الأمريكيون عقوبات على الشركات والأفراد الذين تبينّ أنهم على صلة ببرنامج الطائرات المسيّرة التابع لنظام الملالي.
في غضون ذلك، تواصل إسرائيل شن غاراتها الجوية في سوريا لمنع نظام الملالي من إقامة وجود دائم هناك، أو إرسال أسلحة متطورة إلى وكيله الإرهابي، حزب الله. وفي الوقت الحالي، يخطط النظام لإرسال بطاريات صواريخ متطورة مضادة للطائرات إلى المنطقة، مما سيعقّد الأمور بالنسبة للضربات الجوية الإسرائيلية.
في حين أن كل هذه التطورات تزيد من مخاطر حدوث حرب، فإن التقدم المستمر لنظام الملالي في برنامجه النووي يزيد من تلك المخاطر.
يقوم النظام بتخصيب اليورانيوم بمستويات قريبة من مستوى التخصيب اللازم لتصنيع الأسلحة النووية ويحافظ على مخزونات تتجاوز بكثير الكميات التي سمح بها اتفاق 2015، كما قاموا بتقييد وصول المفتشين الدوليين إلى المنشآت النووية، والآن يسعون لتخفيف العقوبات وغيرها من الامتيازات قبل العودة إلى طاولة المفاوضات.
صرّح رافايل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لشبكة إن بي سي نيوز إن برنامج المراقبة في إيران لم يعد “سليمًا”، وذلك لأن النظام لم يصلح الكاميرات في المنشآت النووية الرئيسية خارج العاصمة طهران. يعتمد المفتشون على مثل هذه الكاميرات في المواقع الرئيسية، نظرًا لأن النظام، في وقت سابق من هذا العام، توقفت عن السماح للمفتشين الدوليين بإجراء عمليات التفتيش المفاجئة التي سمحت بها صفقة عام 2015.
ومما زاد من تعقيد المشكلة، صرّح غروسي أنه لم يجد طريقة لإنشاء خط اتصال مباشر مع كبار مسؤولي نظام الملالي في ظل حكومة إبراهيم رئيسي المتشددة الجديدة.
إن نجاح المفاوضات، التي اقترح المسؤولون الأمريكيون ومسؤولي نظام الملالي أنها يمكن أن تُستأنف في الأسابيع المقبلة، هو موضع شك كبير. بينما يريد النظام من الولايات المتحدة والأطراف الأخرى في اتفاق 2015 رفع العقوبات بشكل فوري، أوضح الرئيس بايدن والقادة الأوروبيون في اجتماع مجموعة العشرين في روما أنهم لن يفعلوا ذلك حتى يخفض النظام أنشطته النووية.
إن التقدم النووي لنظام الملالي، جنبًا إلى جنب (في أحسن الأحوال) مع الآفاق الفاترة للمفاوضات، جعل كبار المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين يلمّحون بصراحة أكبر إلى أنهم، في مرحلة ما، قد يضطرون إلى التحول من الأمل في المفاوضات إلى واقع العمل العسكري لمنع النظام من القيام من تطوير أسلحة نووية.
صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/ أيلول: “لقد وصل البرنامج النووي لنظام الملالي إلى لحظة فاصلة، وكذلك تسامحنا”. “الكلمات لا تمنع [تخصيب اليورانيوم] أو أجهزة الطرد المركزي من الدوران … لن نسمح لنظام الملالي بامتلاك سلاح نووي.”
في الواقع، ذكرت صحيفة التايمز الإسرائيلية، أن سلاح الجو الإسرائيلي كثّف في الأشهر الأخيرة استعداداته لضربة عسكرية محتملة على المواقع النووية التابعة لنظام الملالي، وفي أوائل العام المقبل، “سيبدأ التدريب” لمثل هذه المهمة.
الإعلانات
من الناحية المثالية، ستربط الولايات المتحدة وحلفاؤها كل هذه القضايا معًا في محادثات صعبة مع مسؤولي نظام الملالي.
أي أن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين سيجدون طريقة لإجبار النظام على العودة إلى طاولة المفاوضات بمزيج فعّال من الضغط الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري، وسوف يوسع المحادثات لتشمل البرامج الاستراتيجية الأخرى لنظام الملالي، ورعايته للإرهاب، و الأنشطة التي تزعزع استقرار المنطقة.
تبدو واشنطن وحلفاؤها، بطبيعة الحال، غير راغبين في تجربة مثل هذا النهج. لكنهم قد يحتاجون إلى تجربة شيء يتجاوز مناشدة قادة النظام للعودة إلى المفاوضات التي تركز على الأسلحة النووية. لأنه، في الوقت الحالي على الأقل، من الواضح أن النظام لا يشعر ضغوطات لتغيير مساره.
لورانس ج. هاس، زميل في مجلس السياسة الخارجية الأمريكية، ومؤلف كتاب، كينيدي في العالم: كيف أعاد جاك وبوبي وتيد تشكيل إمبراطورية أمريكا، من كتب بوتوماك.