الاحتجاجات الإيرانية: تحذيرات من الخبراء بتكرار “الكابوس المرير” لاحتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 مرة أخرى
تسببّت الاحتجاجات الإيرانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 في زلزلة أركان نظام الملالي. حيث تدفق الناس على الشوارع بعد الارتفاع المفاجئ في أسعار الغاز، وفي غضون ساعات قليلة، أصبحت مطالبهم سياسية وعلى رأسها تغيير النظام. نجا نظام الملالي بصعوبة من الإطاحة به بقتل أكثر من 1500 متظاهر بشكل وحشي واعتقال آلاف آخرين.
ومع ذلك، فإن “الكابوس المرير” لانتفاضة أخرى قام بها “جيل مجهول” يطارد النظام حتى الآن. وفي غضون عدة أيام، وإثارة حملة قمعية على نطاق أوسع، ستشهد تعذيب عدد لا يحصى من النشطاء على مدى عدة أشهر.
نشرت صحيفة “شرق” اليومية الحكومية مقابلة مع عالم الاجتماع الإيراني، الدكتور آصف بيات، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعنوان “احتجاج جيل مجهول”، موضحًا كيف اختلفت انتفاضة نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 عن الاحتجاجات السابقة في إيران. حادثة أصبحت بالفعل نقطة تحول في الصراع الاجتماعي بين المواطنين الإيرانيين ونظام الملالي.
جاء في افتتاحية أحد المقالات: “اندلعت احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 مع الزيادة المفاجئة في أسعار الوقود وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء البلاد”. “كما أن المؤشرات الاقتصادية دقت ناقوس الخطر منذ شهور عدة، لكن أبعاد هذه الاحتجاجات كانت غير مسبوقة منذ ثورة [1979]”.
وكتبت صحيفة شرق الحكومية اليومية “وفقا لآصف بيات، اصطدم الفقراء من الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة في المناطق الحضرية. [الطبقة الوسطى والفقيرة] هي طبقة اجتماعية مختلفة لا نعرفها جيدًا. تتألف من مجموعة من الأشخاص المتعلمين ولكنهم فقراء مدركين لفقرهم.
وأضاف آصف بيات، أن “احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بدأت بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، لكنها في الحقيقة نتجت عن سلسلة من الاستياء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد والتي تجلّت على هذا النحو”.
ثم قارن بيات انتفاضة نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 باحتجاجات 2019 في لبنان التي بدأت عندما فرضت الحكومة اللبنانية ضرائب على تطبيق الواتساب، لكن سرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات إلى سياسية.
ونقلت شرق عن آصف بيات، “يبدو أنه خلال احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، لعبت العوامل الاقتصادية دورًا مهمًا للغاية، لكن المنطق السياسي كان أكثر أهمية”.
ثم أضافت الصحيفة أن النظام الحاكم لا يستطيع “تلبية احتياجات المجتمع”.
وتابعت الصحيفة نقلًا عن الدكتور بيات ”يشعر الناس أن إرادتهم لا تنعكس في إدارة الدولة وأن الحكومة تعمل على تحقيق أفكارها الخاصة، والتي لا علاقة لها بمطالب وتوقعات المواطنين. وتشتمل هذه الأفكار على المظالم السياسة الداخلية والخارجية والعلاقات الدولية، لا سيما في المنطقة.”
أظهر الناس معارضتهم لأهداف النظام الخبيثة، مثل المغامرات الإقليمية، من خلال ترديد شعارات مثل “اترك سوريا وشأنها، فكر بنا”، و “لا غزة ولا لبنان، حياتي فقط لأجل إيران”.
كما نقلت صحيفة شرق اليومية عن آصف بيات، مقارنة الاحتجاجات الإيرانية الكبرى في عام 2019 بثورات الربيع العربي، مضيفًا: “هذه الاحتجاجات هي إجراءات جماعية لمختلف الفئات الاجتماعية التي تطالب بتغييرات اقتصادية واجتماعية على مستوى أعمق.
الآن، جعلت وسائل الاتصال الجديدة مثل الإنترنت وتويتر وتليغرام وما إلى ذلك عملية الحشد والتنظيم أسهل وأسرع. فهناك حالة كبيرة من الاستياء في المجتمع. هناك مجموعات كبيرة من النشطاء، المطلب الاجتماعي للتغيير واضح للجميع، كما أن الحكومة غير خاضعة للمساءلة بشكل عملي. في ظل هذه الظروف، تحول هذه الأدوات والأساليب الاحتجاجات المنفصلة من قبل مجموعات مختلفة مثل النساء والعمّال والقرويين والعاطلين عن العمل أو الشباب إلى انتفاضة شاملة على الصعيد الوطني “.
وتابع بيات لصحيفة شرق قائلًا “أن انتفاضة نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 كانت مختلفة عن أي حركة اجتماعية أخرى في إيران في الأربعين سنة الماضية، بما في ذلك الاحتجاجات الواسعة النطاق في عامي 2009 و2018.
كما أضاف أن ” احتجاجات 2018 كانت من قبل قطاعات مختلفة من المجتمع وانضمّت معًا وشكلّت انتفاضة وطنية استمرّت لمدة عشرة أيام.
كما طالب كل قطاع اجتماعي بمطالبه الخاصة. احتجّ المزارعون على نقص المياه، وطالب العمال بأجورهم المتأخرة، وطالب الدائنون الذين تم الاحتيال عليهم بمدخرات حياتهم، وطالب الفقراء بوظيفة لائقة، وطالب البعض بالأمن. كانت هناك شعارات سياسية، ولكن ليس على نطاق واسع.
الاحتجاجات الإيرانية: تحذيرات من الخبراء بتكرار “الكابوس المرير”
كما كتبت الصحيفة: “برأيي، كانت نقطة التحول هذه مهمة للغاية لأن مسؤولية الحكومة عن خلق الإخفاقات والأزمات الحالية أصبحت الخطاب المشترك للمتظاهرين من خلفيات اجتماعية مختلفة”.
وأضاف بيات لصحيفة شرق: “لقد قلت إن فقراء الطبقة الوسطى لعبوا دورًا رئيسيًا خلال احتجاجات 2018 و2019”. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تصادمت احتجاجات فقراء المدن وفقراء الطبقة الوسطى. حيث إن أفراد الطبقة الوسطى الفقيرة متعلمون وحاصلون على شهادات جامعية. هم يعرفون ما يجري في العالم. إنهم على دراية كاملة بتكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية استخدامها.
لديهم تطلعات الطبقة الوسطى، لكنهم انضمّوا إلى الطبقة الفقيرة.” كما نقلت صحيفة “شرق” عن بيات وصفه لطبقة اجتماعية وجيل جديد يتكون من الشباب “كثير من هؤلاء الناس عاطلون عن العمل أو لديهم وظائف منخفضة الدخل وغير مستقرة. لا تتعلق مهنهم بمجال خبرتهم أو تعليمهم. كثير من هؤلاء الناس مجبرون على العيش في مناطق فقيرة أو أحياء من الأكواخ “.
وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية التابعة لنظام الملالي، تضاعف عدد الفقراء الإيرانيين ثلاث مرات في السنوات الأخيرة في إيران، بينما يرتفع معدل البطالة والتضخم والأسعار بشكل كبير يوميًا.
وبالتالي، أصبح المزيد من المواطنين فقراء. ثم حذرّ بيات مسؤولي النظام من أن “احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 يمكن أن تكون بمثابة تحذير لكبار المسؤولين لتعديل نظام الحوكمة والسياسات الاجتماعية والاقتصادية وإيجاد حل لهذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية”.
لكن النظام زاد من إجراءاته القمعية. وبدلاً من ذلك، يبدو أن السلطات تتعامل مع هذه الظاهرة الاجتماعية من منظور سياسي – أمني. يبدو أن الأولوية بالنسبة لهم هي كيفية التعامل مع المحتجّين وتحييدهم.
ويضيف بيات، في إشارة إلى القمع الدموي لاحتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، رأينا كيف تمكنت الحكومة من حل هذه المشكلة.
كما نقلت الصحيفة عن بيات قوله: “الحقيقة هي أنه طالما ظلّت هذه المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وأوجه القصور، وحالة عدم الرضا العام دون حلول جذرية، فمن المحتمل جدًا حدوث انتفاضة وطنية أخرى مثل تلك التي حدثت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019”. “الأمر الذي لا يمكن التنبؤ به هو متى [تحدث هذه الاحتجاجات] وما أثارها.”
ما يقرب من نصف سكان إيران هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا. لم يشهد هذا الجيل سوى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في ظل نظام الملالي. لقد أثبت هذا الجيل أنه يشكّل تهديدًا لوجود النظام من خلال كونهم يشكلّون أغلب المحتجّين خلال الانتفاضة الجماهيرية في 2018 و2019.
ينضم الشباب الإيراني بشكل متزايد إلى صفوف “وحدات المقاومة”، وهي شبكة داخلية تابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، تنفذ عشرات الأنشطة ضد النظام كل يوم.
في يونيو/ حزيران 2021، كتبت شبكة أخبار الطلاب (SSN) الحكومية: “هذا العدو الانتهازي (يقصد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية) يجنّد الشباب على نطاق واسع.
إذا كانت الدولة قد اهتمّت بهؤلاء الشباب ولم يشعروا بالإحباط، إذا كانت الدورة الاقتصادية قائمة على القدرات المحلية، فإننا لم نكن لنشهد مجموعات من اثنين إلى ثلاثة من الشباب تعمل تحت قيادة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. جهود الأجهزة الأمنية على مدار الساعة وحتى العدد الكبير من الاعتقالات لم تتمكن من وقف انتشار أنشطة منظمة مجاهدي خلق. هذه هي القضية الأكثر خطورة “.
وبالتالي، فإن خوف النظام من المجتمع الإيراني المضطرب والشباب المتحدي لا أساس له من الصحة وعادة ما يستمر في النمو.