الرسالة التي تبعثها شهادة أحد سفّاحي نظام الملالي في المحكمة
شهد شهر نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 1945 بدء محاكمات نورنبرغ، وهي محاكمة أتباع النازيين الذين تورطوا في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب العالمية الثانية. هدفت تلك المحاكمات إلى محاكمة مرتكبي واحدة من أحلك الأحداث في التاريخ الحديث.
بعد مرور 76 عامًا تقريبًا على ذلك اليوم، وتحديدًا يوم الثلاثاء، أدلى حميد نوري، أحد سفّاحين نظام الملالي، بشهادته في المحكمة. ووجهت له السلطات السويدية، التي تعترف حكومتها بالولاية القضائية العالمية، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وعلى وجه التحديد، تورط نوري في مذبحة لأكثر من 30 ألف سجين سياسي في إيران عام 1988، أكثر من 90٪ منهم ينتمون إلى المعارضة الديمقراطية الرئيسية، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
على مر السنين، حاول النظام محو كل آثار وأدلة تلك المذبحة. وقد سارت هذه المحاولات جنبًا إلى جنب مع حملة التضليل الذي مارسها نظام الملالي لشيطنة وتشويه سمعة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية بهدف تشويه صحة مزاعمها.
تضمنت شهادة نوري العديد من المزاعم ضد منظمة مجاهدي خلق والتي تم الحصول عليها من قبل أجهزة استخبارات النظام. على هذا النحو، أكدّ نوري عن غير قصد أن مصدر كل الدعاية السامة المناهضة لمنظمة مجاهدي خلق هي وزارة استخبارات النظام وجهازه القمعي.
في الأسبوع الماضي، أدلى العديد من الشهود وأعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، الذين كانوا من بين الناجين القلائل من مذبحة عام 1988، بشهاداتهم في محكمة ألبانية. لقد قدموا روايات شخصية مؤلمة عن وحشية النظام ودور نوري في الأحداث المروّعة، مع تقديم نسخة كبيرة طبق الأصل من السجن الذي كان يعمل فيه نوري، سجن کوهردشت.
وبدلاً من الرد على هذه الأمور المروّعة، قام نوري بتقديم خطبة مروّعة، تخللتها لحظات مؤلمة من الجنون والوحشية ومحاولات مثيرة للشفقة للهروب من العدالة الوشيكة.
وطوال معظم الساعات السبع، لم يتوقف نوري عن مدح فاشيي الملالي الحاكمين لإيران. إعادة صياغة الاتهامات التي لا معنى لها التي أطلقها النظام ضد منظمة مجاهدي خلق وقادتها؛ كما بدأ بمدح مؤسس النظام، روح الله خميني، ووجّه انتقادات لاذعة لـ “عدم الاحترام” الذي سمعه في المحكمة تجاه قائد فيلق القدس الإرهابي المقتول قاسم سليماني؛ بالإضافة إلى دفاعه عن رئيس النظام إبراهيم رئيسي، الذي كان أحد مرتكبي مجزرة عام 1988. وأعرب عن إخلاصه الذي لا يلين لـ “سفّاح سجن إيفين” أسد الله لاجوردي.
كان البطل الشهير لحميد نوري، أسد الله لاجوردي، مختل عقليًا. ربما يمكن مقارنته بشكل أفضل برئيس الجستابو النازي السابق كلاوس باربي، المعروف باسم “جزّار ليون”، الذي أرسل الآلاف من اليهود الفرنسيين وأنصار المقاومة إلى معسكرات الاعتقال وقام بتعذيب وإعدام ضحاياه بنفسه.
من الواضح أن نوري أثناء المحاكمة لم يتطرق على الإطلاق إلى حجّة الدفاع التي تبنّاها مجرمو نورنبرغ، بأنهم فقط “يتبعون الأوامر”. لقد انتهز كل لحظة مُنحت له لتبرير مذبحة عام 1988. ولهذا، قرأ ببساطة الدعاية التي أملتها عليه أجهزة استخبارات النظام لتشويه سمعة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
كانت دعاية نوري المناهضة لمنظمة مجاهدي خلق بعيدة جدًا عن الواقع لدرجة أن القاضي أوقفه في مرحلة ما وطلب منه الامتناع عن استخدام الألفاظ النابية ضد منظمة مجاهدي خلق.
مرة أخرى، تم التأكيد على أن الاتهامات بأن منظمة مجاهدي خلق هي “طائفة إرهابية” و “حلفاء صدام حسين” ضد الشعب الإيراني، وأنهم ليس لديهم دعم شعبي، هي مجرد نقاط نقاش صاغتها أجهزة استخبارات النظام. تخدم مثل هذه الدعاية غرضًا عمليًا، وهو تبرير جرائم النظام في الماضي والحاضر ضد منظمة مجاهدي خلق بينما تمهد الطريق لمزيد من المجازر والإرهاب ضدهم في المستقبل.
في غضون ذلك، قدّم نوري أيضًا العديد من الاعترافات الهامة. فقد اعترف وبكل فخر، بأنه في فترة الثمانينيات، كان بلا شك جزءًا من نظام القضاء والسجون في نظام الملالي، الذي أسكت المعارضة بلا رحمة وانخرط في التعذيب المنهجي والاختفاء القسري للمعارضين.
وسبق أن شهد شهود عيان أن نوري استخدم الاسم المستعار “عباسي” عند ممارسته التعذيب والإعدام في السجن، وهي ممارسة شائعة بين أتباع النظام لتجنب الكشف عن هويته في الأماكن العامة. في البداية نفى نوري بتحد استخدام هذا الاسم المستعار. لكنه، في يوم الثلاثاء، قدّم وصفًا تفصيليًا نسبيًا لأصوله.
كما اعترف بأن خميني أمر مسؤولي النظام “بعدم إبداء أي رحمة على الإطلاق” لمنظمة مجاهدي خلق و “ذبحهم” في كرمانشاه “بطريقة تقتل جيلهم بأكمله”. وأوضح بتفاصيل مزعجة كيف بدأ حياته المهنية القمعية في كردستان إيران، حيث شارك في قمع المنظمات الكردية المعارضة التي “انتفضت ضد النظام”.
بشكل عام، قدمّت شهادة هؤلاء السفّاحين نسخة مصغرة من طريقة عمل النظام فيما يتعلق بالدعاية والمذابح ضد منظمة مجاهدي خلق: فقد كانوا يسعون إلى شيطنة، تشويه سمعة، وتدمير المنظمة بالكامل.